الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/11/17
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ نجاسة أهل الكتاب
كان الكلام في الروايات الدالة على الطهارة وبقي عدة روايات
منها: موثقة عمَّار الساباطي عن أبي عبد الله ع قال : ( سألته عن الرجل ، هل يتوضّأ من كُوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنَّه يهودي ، فقال : نعم ، فقلت : مَن ذلك الماء الذي يشرب منه ، قال : نعم )
[1]
وحَمْلها على عدمِ انفعال الماء القليل بملاقاة نجس العين بعيد .
ومنها: موثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد الله ع قال: ( قلت : فإن مات رجل مسلم ، وليس معه رجل ، ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته ، ومعه رجال نصارى ، ونساء مسلمات ليس بينه وبينهن قرابة ، قال : يغتسل النصارى ، ثمَّ يغسّلونه ، فقدِ اضطر ، وعن المرأة المسلمة تموت ، وليس معها امرأة مسلمة ، ولا رجل مسلم من ذوي قرابتها ، ومعها نصرانية ، ورجال مسلمون ، ليس بينها وبينهم قرابة ، قال : تغتسل النصرانية ، ثمّ تغسلها )
[2]
وهذه ظاهرة جدًّا في طهارة الكتابي إن لم تكن صريحة .
وأمّا الإصرار على نجاسة النصراني ، وجواز تغسيل الميت بالماء النجس فهو غريب ، وأغرب منه القول بالتغسيل بالماء الكثير ؛ هذه جملة من الروايات الدال أكثرها على طهارة الكتابي ، بل بعضها صريح في ذلك .
وقبل الكلام عن ملاحظة المعارَضة بينها وبين الأخبار الدّالّة على النجاسة نقول:
اِستدل بعضهم على طهارة الكتابي بقوله تعالى :{ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ... } المائدة 5 .
وأُجِيب: بأنّه لا يصحّ الاستدلال بها على الطهارة ، لورود النصوص الصحيحة المفسِّرة له بالحبوب :
منها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع في قول الله تعالى : ( { وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ } ، قال : العدس ، والحمص ، وغير ذلك )
[3]
.
ومنها: صحيحة قتيبة الأعشى عن أبي عبد الله ع ( أنَّه سُئِل عن قوله تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ } قال : كان أبي يقول : إنَّما هي الحبوب وأشباهها )
[4]
وكذا غيرها من الأخبار معِ اعتضادها بكلام جملة من أهل اللغة
فعن "المصباح المنير" أنّه : ( إذا أطلق أهل الحجاز الطعام عنوا به البرّ خاصّة )
وعن المغرب : ( أنّ الطعام أسهم لما يُؤكل ، وقد غلب على البرّ )
وعن ابن الأثير عن الخليل : ( أنّ الغالب في كلام العرب أنَّه البرّ خاصّة )
وقال صاحب الصحاح : ( ربما خُصّ أسهم الطعام بالبر ).
ولكن قد يجاب - عن الروايات المفسرة للطعام بالحبوب - : بأنّ المراد من الحبوب ما يقابل اللحوم ، لا خصوص الحبوب الجافّة ، فإنّ ذلك بعيد ، إذ لا خصوصيّة لأهل الكتاب في ذلك ، فإنّ سائر الكفار كذلك
إذا عرفت ذلك فقد جمع بعض الأعلام بين الأخبار بحمل أخبار الطهارة على التقيَّة ، لموافقتها لمذهب العامة ، إذ القول بنجاسة أهل الكتاب من منفردات الإمامية ، كما ذكره السيد المرتضى ، حسب ما تقدّم .
قيل: وممَّا يشير إلى التقية ما ورد في حسنة الكاهلي قال: ( سألت أبا عبد الله ع عن قوم مسلمين يأكلون وحضرهم رجل مجوسي أيدعونه إلى طعامهم قال : أما أنا فلا أواكل المجوسي ، وأكره أن أحرم عليكم شيئ تصنعون في بلادكم )
[5]
فيظهر من هذه الحسنة أن ذلك حرام شرعا ، ولكنه يكره أن يأمرهم به لما يخاف عليهم من لحوق الضرر بهم في ذلك ، وإلا فلو كان حلالا شرعا فإنه لا معنى لاختصاص ذلك بهم ع .
وفيه: ما لا يخفى ، فإنّ التقيّة لا تقتضي كراهة الإمام ع تحريم ما حرَّمه الله تعالى ، بل الظاهر من هذه الحسنة أنّ مؤاكلة المجوسي من حيث هي مبغوضة وممقوتة ، لا يحبّها الله تعالى لكونها موالاة لهم ، وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ...} .
وعليه : فالإمام ع كره أن يكلّفهم بالمنع إرفاقاً بهم ، فلا موجب لصرف الحسنة عن ظاهرها ، وحملها على التقيَّة .
[1] - الوسائل باب3 من أبواب الأسآر ح3
[2] - الوسائل باب19 من أبواب غسل الميت ح1
[3] - الوسائل باب51 من أبواب الأطعمة المحرمة ح5
[4] - الوسائل باب51 من أبواب أبواب الأطعمة المحرمة ح4
[5] - الوسائل باب14 من أبواب النجاسات ح2