الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/11/16
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ نجاسة أهل الكتاب
كان الكلام في الروايات الدالة على النجاسة وقد عرفت أنّ أكثر تلك الأخبار لا تدلّ على نجاسة أهل الكتاب ، ثمّ إنّه مع التسليم فإنّ هناك عدّة من الأخبار المستفيضة دلّت على طهارتهم .
منها: صحيحة العِيص بن القاسم قال: ( سألت أبا عبد الله ع عن مُؤاكلة اليهودي والنصراني والنجوسي ، فقال : إن كان من طعامك ، وتوضّأ ، فلا بأس )
[1]
وهي ظاهرة أيضًا في طهارتهم الذاتيّة ، لأنّ مفهوم الشرط عدم جواز مؤاكلتهم إذا كان من طعامهم ، أو لم يتوضّأ ، وما ذلك إلّا لأجل نجاسة أبدانهم العرضيّة الناشئة من ملاقاة شيء من الأعيان النجسة ، كالميتة ، ولحم الخنزير ، ونحوهما .
ومنها: صحيحة إسماعيل بن جابر قال: ( قلت لأبي الله ع: ما تقول في طعام أهل الكتاب ؟ ، فقال : لا تأكله ، ثمّ سكت هنيهئة ، ثمّ قال : لا تأكله ، ثمّ سكت هينئة ، ثمّ قال : لا تأكله ، ولا تتركه تقول : إنّه حرام ، ولكن تتركه تتنزّه عنه ، إنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير )
[2]
وهي ظاهرة جدًّا إن لم تكن صريحةً في عدم نجاستهم الذاتيّة ، وهي صريحة أيضًا في كون النهي نهيًّا تنزيهيًّا ، ولا ينافي ما قلناه تِكرارُ النهي الدَّال على مزيدِ الاهتمام ، فإنّه محمول على شدّة الكراهة .
ومنها: رواية زكريا بن إبراهيم قال: ( دخلت على أبي عبد الله ع فقلت : إنِّي رجل من أهل الكتاب ، وإنّي أسلمت ، وبقي أهلي كلّهم على النصرانية ، وأنا معهم في بيت واحد ، كم أفارقهم بعدُ فآكل من طعامه ، فقال لي : يأكلون الخنزير ، فقلت : لا ، ولكنّهم يشربون الخمر ، فقال لي : كُل معهم واشرب )
[3]
وهي وإن كان واضحة الدلالة على طهارتهم الذاتيّة ، وأنّ المانع من مُؤاكلتهم ليس إلّا ابتلاءهم بالنجاسة العرضيّة إلّا أنّها ضعيفة السند ، بجهالة كلٍّ من عبد الرحمان بن حمزة ، وزكريا بن إبراهيم ، كما أنّ القاسم بن محمّد الذي يروي عنه الحسين بن سعيد الأقرب كونه الجوهري الغير الموثّق .
ومنها: صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: ( قلت للرضا ع: الجارية النصرانيّة تخدمك ، وأنت تعلم أنّها نصرانيّة لا تتوضّأ ، ولا تغتسل من جنابة ، قال : لا بأس ، تغسل يديها )
[4]
.
وقدِ اسْتُشكل على الاستدلال بهذه الصحيحة بأنّ الظاهر منها أنّها قضية خارجية ، لأنّ قول السائل الجارية النصرانيّة تخدمك ظاهرة في خصوص الجارية المعنيّة ، ولم يظهر من الصحيحة أنّها كانت تخدمه باختياره ، أو رغما عنه ، تحت ضغط سلطان الجور فيكون السؤال عن حاله مع هذه الجارية في ظرف اضطراره إلى خدمتها ، وبما أنّه لم يُعلم الحال فتكون الرواية مجملة ، اللهمَّ إلّا أن يكون مراده السؤال عن قضيّة كليّة ، أي ما رأيك في الجارية النصرانية تخدم المسلم ، وهو يعلم أنّها كذا وكذا ، ولكنّه أتى بها بصورة القضيّة الخارجية ، لأنّها أوقع في فهم المراد ، وحينئذٍ تكون دلالتها على المطلب واضحة جدًّا .
ومنها: صحيحته الثانية قلت للرضا ع: ( الخياط أو القصاء يكون يهوديًّا أو نصرانيًّا ، وأنت تعلم أنه يبول ولا يتوضأ ، ما تقول في عمله ، قال : لا بأس )
[5]
وهي ظاهرة جدًّا لا سيّما بالنسبة للقصًّار - أي الذي يغسل الثياب وينظفها - فإنّه يفعل ذلك بمباشرة يده لها مع الرطوبة ، ومع ذلك نفى الإمام عنه البأس .
ومنها: ذيل صحيحة عليّ بن جعفر المتقدمة ( وقد سأله عن اليهودي والنصراني يُدخل يده في الماء أتتوضّأ منه للصلاة ؟ فقال : لا ، إلّا أن يضطر إليه )
[6]
وقد تقدّم الكلام عنها حيث حمله الشيخ على التقيّة ، وتقدّم الجواب عنه .
[1] - وسائل الشيعة كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 53 ، الحديث 1
[2] - وسائل الشيعة كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 4
[3] - الوسائل باب : 14 من أبواب النجاسات حديث : 5 .
[4] - وسائل الشيعة كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 11
[5] - وسائل الشيعة كتاب الطهارة ، أبواب الأسئار ، الباب 3 ، الحديث 3
[6] - وسائل الشيعة كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 9