< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/11/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ نجاسة أهل الكتاب
 قال المصنف: ( والكافر أصليًّا أو مرتدًا )
 المعروف بين الأعلام أنّ الكافر نجس بجميع أصنافه ، بل الظاهر أنّ هناك تسالمًا على نجاسة الكافر غير الكتابي ، نعم قدِ ادُّعي الإجماع على نجاسة الكافر بجميع أصنافه ، وقدِ اسْتفاض نقلُ هذا الإجماع.
  وعن الشيخ جعفر كاشف الغطاء: ( أنّ ذلك من شِعار الشيعة يعرفه منهم علماء العامة وعوامهم ونساؤهم وصبيانهم ، بل وأهل الكتاب فضلًا عن الخاصّة ... ) .
  نعم القول بالطهارة هو المعروف عند المخالفين ، كما أنّه حُكي عن ابن الجنيد وظاهر العُماني ونهاية الشيخ (قدس الله أسرارهم) القول بطهارة الكتابي .
  ومهما يكن فقد استدل لنجاسة مطلق الكافر بقوله تعالى:{ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ } التوبة 28
 وقدِ استُشكل على الاستدلال بهذه الآية الشريفة بثلاث إشكالات :
 الإشكال الأوَّل: أنّ النجس مصدر فلا يصحّ حمله على الجثّة إلّا بتقدير "ذو" ، ومعه لا تدلّ الآية على النجاسة الذاتيّة ، لجواز أن يكون الوجه في نسبتهم إلى النجس عدمِ انفكاكهم عن النجاسة العرضيّة لأنّهم لا يتطهرون .
 ويرد عليه
 أوَّلا: أنّه يصحّ حمل المصدر على العين للمبالغة ، نحو زيد عَدْل ، والسرّ في صِحة الحمل ، ولو مجازًا ، هو تكثّر الفعل من الموصوف حتّى كأنّه تجّسم فيه ، وهو أفضل من التقدير ، لأنّه أبلغ .
 وثانياً: ذكر بعض أهل اللغة كصاحب القاموس أنّ النجَس بالفتح وصف كالنجِس بالكسر ، فيصحّ حمله على الذات على نحو الحقيقة ، ويكون المراد منه ضد الطاهر ، والخلاصة : أنّ هذا الإشكال لم يُكتَب له التوفيق .
 الإشكال الثاني: ما ذكره جماعة من الأعلام منهم المقدّس الأردبيلي في "شرح الإرشاد" وصاحب المدارك (قدس الله سرهما) وغيرهما ، وحاصله: منع كونِ النجس في زمان صدور الآية حقيقة في المعنى المصطلح عليه ، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية فمن الجائز أن يكون المراد منه المعنى اللغوي ، وهو المستقذر.
  قال الهروي في تفسير الآية الشريفة: ( يقال لكلِّ مستَقذَر نجس ، والمستَقذَر أعمّ من النجس بالمعنى المصطلح عليه ) .
 ويرد عليه
 أوّلاً: أنّ بيان النجاسة اللُغوية ليست من وظيفة الشارع المقدس .
 وثانياً: نمنع تحقّق النجاسة بهذا المعنى لكلّ المشركين ، بل بعضهم يحافِظ كثيراً على الطهارة المقابلة للقذارة ، لا سيّما المترفِين منهم .
 وثالثاً: أنّ النجاسة بهذا المعنى لا تختص بالمشركين ، بل يشاركهم فيها غيرهم من المسلمين .
 ورابعاً: أنّ حمل النجس على المعنى اللُغوي لا يتلاءم مع الحكم المفرَّع عليه ، وهو عدم دخولهم المسجد الحرام .
 هذا ، وذكر بعضهم -كالمحقّق الهمداني في "مصباحه" والسيد الخوئي (قدس سرهما) - : أنّ المراد بالنجس في الآية الشريفة الخباثة الباطنيّة والقذارة المعنويّة الحاصلة بالشرك الذي هو أشدّ قذارة من الأحداث المائعة من دخول المساجد .
 وبالجملة: فإنّ المناسب لعدم دخولهم المسجد الحرام ، بل وباقي المساجد والمشاهد المشرفة ، ليست نجاستهم من حيث هي ، بل كفرهم الذي هو قذارة باطنيّة ، ونجاسة معنويّة موجبة لهتك حرمة المسجد ونحوه .
  كيف ، ولو كان المانع منحصرًا في نجاستهم الظاهرية من حيث هي لَاْتَّجَه اختصاص المنع بما إذا كانت مسرية ، لِمَا ستعرف من أنّ الأظهر جواز إدخال النجاسة الغير المتعدية .
 ويرد عليه
 أولا: أنّ الخباثة الباطنية ليست من المعاني المعهودة المعروفه للفظ النجس .
 وثانياً: أنّ الخباثة النفسيّة صفة قائمة بالنفس ، وظاهر الآية الشريفة نجاسة البدن ، أي الجثّة ، نحو ما ورد في الكلب ، حيث سئل ع عن سُؤر الكلب ، يُشرَب منه ويُتوضّأ ؟ قال : لا ، قلت : أليس هو سبُع ! ، قال : لا ، واللهِ ! ، إنّه نجس .
  وأمّا عدم دخولهم المسجد الحرام فلم يُعلم أنّ العِلّة في ذلك منحصرة بنجاستهم حتّى يُشكَل بما ذكره المحقّق الهمداني بل لعلّها مركّبة من عدّة أمور ، إذ مناطات الأحكام ليست بأيدينا .
  وأمّا الإشكال بأنّ الحقيقة الشرعية لم تكن ثابتة عند زوال الآية الشريفة
 ففيه: أنّ الحقيقة الشرعيّة وإن لم تكن ثابتة إلّا أنَّ الاستعمال الشرعي كان ثابتًا بلا إشكال ، واستمر هذا الاستعمال إلى أن أصبح حقيقة عند المتشرّعة ، فيكون ذلك كاشفاً عن المراد عند الشارع ، لأنّ من المطمأنّ به أنّ المفهوم عند الأئمة هذه الكلمة هو مراد الشرع المقدس لأنّهم ﭺ لسانه (صلى الله عليه وآله) .
  الإشكال الثالث: أنّ الآية الشريفة مختصّة بالمشرك ، وعليه : فهي أخصّ من المدّعى ، لعدم شمول المشركين لكثير من أصناف الكفّار ، كأهل الكتاب، والمرتدين ، والمنتحلين للإسلام ، المحكوم بكفرهم ، كالخارجي ، والناصبي ، والغالي ، والمجسمي .
 وأجاب بعضهم: بأنّ الاستدلال بالآية وإن كان أخصّ من المدّعى إلّا أنّ الاستدلال على نجاسة الكافر غير المشرك يتمّ بعدم القول بالفصل .
 وفيه: أنّ عدم القول بالفصل يتوقف على إحراز المناط وتنقيحه ، وهو غير ثابت في أهل الكتاب ، ثمّ لو سلّمنا ذلك فالاستدلال حينئذٍ لا يكون استدلالاً بالآية الشريفة ، بل شيء آخر .
 وذكر بعضهم جواباً عن أصل الإشكال أنّ المشرك يطلق على كلّ كافر .
 وفيه: ما لا يخفى ، فإنّ هذا الإطلاق مجازي ، فلا ينفع .
 وذكر جماعة من الأعلام منهم صاحب الجواهر وصاحب الحدائق (قدس سرهما) : أنّ هذا الإشكال لا يرد على أهل الكتاب لأنّهم مشركون لقوله تعالى : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ - إلى قوله تعالى - سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} التوبة 30 و31 ، كما أنّ بعض الآيات الشريفة تشعر بشركهم ، لقوله تعالى لعيسى ع : { أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ...} ، وقوله تعالى : {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ... } المائدة 73.
  وفيه: ما لا يخفى ، فإنّ نسبة الإشراك إلى أهل الكتاب وإن كانت ثابتة في الكتاب الكريم إلّا أنّه لم يُعلم ذلك على نحو الحقيقة ، ومجرد إطلاق عنوان الشرك عليهم لبعض المناسبات لا يعني ذلك أنّ لفظ المشركين في الآية الشريفة : { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ... } يشملهم ، وإلَّا لشمل المسلم المرائي في عمله لِصدق المشرك عليه ، كما في بعض الأخبار ، بل صدقه عليه أوضح من صدقه على اليهود بواسطة قولهم عزير بن الله ، مع أنّه لا يشمله قطعًا .
  والخلاصة : أنّ هذا الإشكال الثالث وارد .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo