الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/07/28
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ ما قطع من الحيوان ما تحله الحياة
إن قلنا: بأنّ فأرة المسك مودعة في الظبي ، وليست ملتحمة ، ومتصلة به ، بل تتكون في جوف الظبي فيلقيها ، كالبيضة ، كما ذهب إلى ذلك بعض الأعلام ، فلا إشكال حينئذٍ في طهارتها ، سواء أخذت من الحي أم من الميت ، لعدم كونها جزءًا من الحيوان ، فلا تشملها أدلّة نجاسة القطعة المبانة من الحي ، ولا أدلّة نجاسة أجزاء الميتة ، والأصل حينئذٍ الطهارة .
وأما إن لم تكن كذلك - إذ المشهور على كونها متصلة بالظبي ، وملتحمة به
فنقول : قد استُدلّ لطهارتها بعدّة أدلّة :
منها: دعوى الإجماع ، كما يظهر ذلك من المصنّف في "الذكرى" ، والعلامة في "التذكرة" .
وفيه: ما لا يخفى ، لا سيما أن العلامة ¬ نفسه فصل في "المنتهى" بين انفصالها من الحي ، أو الميت ، كما تقدم .
ومنها: عدم كونها مما تحله الحياة .
وفيه: ما لا يخفى ، فإنّ مثلها مثل بقية الجلود التي تحلّها الحياة ، فلا فرق من هذه الجهة أصلا ، فكما أن باقي الجلود يطرأ عليه الموت كذلك هي .
ومنها: أنّ ما دلّ على طهارة المسك - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - يدلّ على طهارتها بالالتزام .
وفيه:
أوَّلًا: أنّه لا توجد ملازمة بين طهارة المسك ، وطهارتها ، لاحتمال كونه كالأنفحة ، واللبن ، في ضرع الميت .
والصحيح - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - : طهارتها ، مع أنّ الضرع نجس ، وكذا الظرف الذي فيه الأنفحة ، ويكون ذلك تخصيصًا فيما دلّ على انفعال الملاقي للنجس برطوبة مسرية .
وثانيًا: يحتمل عدم سراية نجاستها إلى المسك ، لعدم الرطوبة المسرية ، من جهة انجماد الدم حين صيرورته مسكًا .
وثالثًا: قد يقال : إنّه لا دليل على طهارة المسك مطلقًا .
ولو سلّمنا بذلك ، فغاية ما يمكن ادعاؤه هو طهارة المسك ذاتًا ، وهذا لا ينافي انفعال سطحه الملاقي للميتة بالعرض ، وهو جسم قابل للتطهير ، إذا كان جامدا ؛ نعم إذا كان مايعًا فلا يقبل التطهير حينئذٍ .
وسيأتي تحقيق حال المسك بعد هذه المسألة مباشرة .
والخلاصة : أن هذا الدليل لم يُكتب له التوفيق .
ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى ع قال: ( سألته عن فأرة المسك ، تكون مع مَن يصلي ، وهي في جيبه ، أو ثيابه ، فقال : لا بأس بذلك )
[1]
وقد استدل صاحب المدارك بهذه الصحيحة على طهارة مطلق الفأرة ، سواء انفصلت من الظبي حال حياته ، أم بعد موته .
وفيه:
أوَّلًا: أنّ الاستدلال بها متوقّف على عدم جواز الصلاة بالمحمول من أجزاء الميتة ، أو المبانة من الحي ، وهو ممنوع ، لجواز حمل الميتة في الصلاة .
وثانيًا: أنّ جواز الحمل في الصلاة لا يدلّ على الطهارة ، لاحتمال أن يكون ذلك من باب العفو عن نجاسة ، ما لا تتمّ الصلاة فيه .
إلّا أنّ هذا الاحتمال وإن كان ممكنًا في نفسه ولكن يدفعه صحيحة عبد الله بن جعفر الآتية .
وثالثا: أنّ نفي البأس يحتمل كونه من باب كون الشبهة موضوعية ، إذ بعض أقسام فأرة المسك : طاهر ، كالمأخوذ من المذكاة ، وبعضه نجس ، كالمأجوذ من الميتة ، ولا يُدرى حينئذٍ أنّ الموجود في جيبه من قسم الطاهر أو النجس ، فحُكْم الإمام : بعدم البأس ، لأصالة الطهارة في الأشياء ، وقد يكون حكمه بعدم البأس لجريها مجرى الغالب من كونها مأخوذة من يد المسلم ، التي هي أمارة على التذكية والطهارة .
ثمّ مع غضّ النظر عن كلّ ما ذكرناه يحتمل أن تكون مقيّدة بصحيحة عبد الله بن جعفر قال: ( كتبت إليه - يعني أبا محمد ع - يجوز للرجل أن يصلي ، ومعه فأرة المسك فكتب : لا بأس به إذا كان ذكيّا )
[2]
،وأمَّا غير الذكي ففيه بأس ، وهو شامل لصورة ما لو انفصل من الحي ، وما لو انفصل من الميت ، فتكون دليلًا لما ذهب إليه الفاضل الأصبهاني ¬ من القول بالنجاسة مطلقًا ، إلّا ما أخِذ من المذكى .
ولكن الإنصاف: أنّ تذكير الضمير أوجب الإجمال في الرواية إذ كما يحتمل : رجوع الضمير إلى الظبي المفهوم من الكلام ، أو إلى الفأرة ، بتقدير كونها ممّا مع المصلي ، فيُشترط كونها من المذكّاة حينئذٍ ، يحتمل أيضا : رجوع الضمير إلى المسك احتمالًا معتدًّا به ، فتصبح الرواية مجملة ، غير قابلة للاستدلال .
وذهب صاحب المدارك إلى عدم كون صحيحة عبد الله بن جعفر مقيِّدة لصحيحة علي بن جعفر ، وإن قلنا : برجوع الضمير إلى الظبي ، وذلك لجواز أن يكون المراد بالذكي الطاهر : أي الذي لم تعرضه نجاسة خارجية .
ونسب جماعة من الأعلام إلى المصنف في "الذكرى" أنّه حمل الذكي الواقع في صحيحة عبد الله بن جعفر على الطاهر ، أي الذي لم تعرضه نجاسة خارجية ، ولكنّي أجده فيها ، بعد النظر فيها عاجلًا .
ومهما يكن فإنّ هذا الاحتمال بعيد ، إذ لو كان المراد الطهارة العرضية لم يكن وجه لتخصيصه بالقيد المذكور
والخلاصة إلى هنا: أنّه لم يتمّ شيء من الأدلّة على طهارة فأرة المسك ، إلّا المأخوذة من المذكّاة .
وعليه ، فلا بُدّ من الرجوع إلى أدلّة نجاسة أجزاء الميتة ، وأدلّة نجاسة القطعية المبانة من الحي :
أمّا أدلّة نجاسة أجزاء الميتة: فتشمل هذه الصورة ، أي فيما إذا انفصلت الفأرة بعد موت الظبي ، فإنّها جُزء من الميتة ، وهي ممّا تحلّها الحياة ، فينجس منها جميع أجزائها ، لعموم ما دلّ على نجاسة الميتة بالتوضيح المتقدّم
وأمّا إذا انفصلت من الحي : فهي وإن كانت متصلة بالظبي إلّا أنّ انفصالها منه لَمَّا كانت بحكّة ، ونحوها ، عدّ ذلك عرفًا بمنزلة الثمرة من الشجرة ، فلا تشملها الأدلّة الدالة على نجاسة القطعة المبانة من الحي ، لانصرافها عنه .
وعليه ، فمقتضى الأصل هو الطهارة ، فالتفصيل المذكور في "المنتهى" هو الصحيح .
هذا تمام الكلام بالنسبة لفأرة المسك .
وأما المســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــك :
فلا إشكال في طهارته في الجملة ، بل ذلك من البديهات ، وقد ادّعى المصنّف في "الذكرى" : الإجماع على طهارته ، وقال في "الجواهر" وقد أطلق غير واحد حكاية الإجماع على طهارة المسك - ثم قال : - وظاهره - أي العلّامة في "نهاية الأحكام" - أيضا ، بل كاد يكون صريحه طهارة المسك مطلقًا وإن قلنا : بنجاسة الفأرة
[1] - الوسائل باب41 من أبواب لباس المصلي ح1
[2] - الوسائل باب41 من أبواب لباس المصلي ح2