< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/07/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ ما قطع من الحيوان ما تحله الحياة
 الأمر الثالث:
 المعروف بين الأعلام طهارة ما ينفصل من بدن الحي من الإنسان من الأجزاء الصغار ، كالبثور والثالول ، وما يعلو الجراحات والدماميل وغيرها عند البُرء ، وما يحصل في الأظفار ، ويتطاير من القشور عند الحكّ ، سيّما مع داء الجرب ، ونحوه ، وما يكون على الشِفّة ، خصوصًا لبعض الناس في بعض الأوقات ، أو على باطن الأقدام عند إرادة تنظيفها .
  وقد ادّعى بعض الأعلام الإجماع على ذلك ، وفي الحدائق: وبالجملة ، فالظاهر أنّه لا خلاف في القول بالطهارة ، وإن اختلفوا في الدليل على ذلك ... .
  أقول: قد استُدل للطهارة بعدّة أدلّة :
  منها: الإجماع المدّعى من قبل جماعة من الأعلام .
  وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة ، إلّا أن يكون المراد من ذلك التسالم بينهم ، قديمًا وحديثًا ، كما لا يبعد ذلك ، فتخرج المسألة حينئذٍ عن الإجماع المصطلح عليه .
  ومنها: أنّ العمدة في نجاسة الأجزاء المنفصلة عن الحي هي الأخبار المتقدّمة في الأمر الثاني ، وهي منصرفة إلى الأجزاء الكبيرة ، فإنّ المتعارف في أخذ الحبالة والقطع هو الجُزء الكبير ، فلا تشمل ما ذكرناه من الأمور ، فإنّها بمنزلة الأوساخ المتولّدة فيه .
  وعليه ، فيكون أصل الطهارة فيها هو المحكم .
 والإنصاف: دعوى الانصراف غير بعيدة ، فإن الذي تأخذه الحبالة في الصيد هو اليد ، أو الرجل ، ونحوهما ، كما هو مورد بعض الأخبار المتقدّمة ، وكذا ما يقطع من أليات الغنم ، بحيث يكون جزءًا منها .
  وعليه ، فلا يمكن التمسّك بالإطلاق لإثبات نجاسة هذه الأمور المذكورة .
  ومنها: سيرة المتشرّعة المستمرّة في سائر الأعصار ، والأمصار ، على عدم إجراء شيء من أحكام النجاسات على شيء ممّا ذكرناه .
  وهذا من أقوى الأدلة ، فإنّه لا إشكال في ثبوت السيرة من زمن الأئمة ﭺ إلى زماننا هذا على عدم التعامل مع هذه الأمور التي ذكرناها معاملة النجاسة ، مع أنّها ممّا يعمّ بها البلوى ، مضافّا إلى أنّ التعامل معها معاملة النجس فيه من الحرج ما لا يخفى .
  ومنها: صحيحة علي بن جعفر ( أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر ع عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح ، هل يصلح له أن يقطع الثالول ، وهو في صلاته ، أو ينتِف بعض لحمه من ذلك الجرح ، ويطرحه ؟ ، قال : إن لم يتخوّف أن يسيل الدم ، فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله ) [1] .
 وجه الاستدلال: أنّه في مقام بيان عدم مانعية الفعل المذكور في الصلاة من جميع الجهات ، فلو كان الثالول ميتة كان حمله في الصلاة ، ولو آنا ما مبطلًا لها ، كما أنّ يده قد تلاقي الثالول ، وهي رطبة - لا سيّما مع ملاحظة ما قيل : من غلبة العَرق في بلد السؤال والجواب ، لشدّة الحرّ فيها - فلو كان ميتة لأوجب نجاسة يده ، ومع نجاسة اليد تبطل الصلاة لاشتراط طهارة البدن حال الصلاة .
  مع أنّه نفى البأس عنه مطلقًا من غير استفصال .
  وفيه: ما ذكرناه في مبحث المطلق والمقيد في علم الأصول ، من أنّه لا يوجد عندنا كلام مطلق من جميع الجهات ، بحيث يكون الإمام في مقام بيان الأمر - أي أمر كان - من جميع جهاته في كلام واحد .
 وعليه ، فإنّ السؤال في الصحيحة ليس عن طهارة ما يقطع من الثالول ، أو نجاسته ، بل عن كون هذا الفعل في الصلاة من المنافيات لها ، أم لا .
  وممّا يؤيّد ، أو يدلّ على كون السؤال من جهة كون الفعل منافيًا للصلاة ، أم لا ، ما ذكره في الصحيحة قبل هذا السؤال ، حيث قال : وسألته عن الرجل يتحرك بعض أسنانه ، وهو في الصلاة ، هل يصلح له أن ينزعه ويطرحه ، قال : إن كان لا يجد دمًا فلينزعه ، ولْيرمِ به ... .
  وعليه: فالسؤال : إنما كان عن منافات هذا الفعل للصلاة ، فأجاب : بأنّ هذا الفعل ليس منافيًا لها ، لأنّه ليس بفعل كثير ، بحيث تنمحي به الصلاة .
  إن قلت: إذا لم يكن الإمام في مقام البيان من جميع الجهات فلماذا تعرّض في الجواب لسيلان الدم وعدمه ؟! ، لأنّ الفعل غير المنافي للصلاة لا يقدح في صحتها ، سواء سال منه الدم أم لا ، فتعرّضه لذلك يكون قرينة على كونه في مقام البيان من جميع الجهات .
  قلت: تعرّضه لسيلان الدم لعلّه لأجل غلبة حصول ذلك عند القطع ، كالسنّ في السؤال الأوّل ، فإنّ الغالب عند نزعه خروج الدم ، وهو يوجب بطلان الصلاة ، لتنجس اليد به ، وكذلك الحال في الثالول ، وفي نتف بعض اللحم ، والله العالم .
  فــــــــــــــــــــــــرع :
  قد عرفت في الأمر الأوّل والثاني أنّ الجُزء المبان من الميتة ، وكذا الجُزء المبان من الحيوان الحي ، نجسان ، فهل فأرة المسك المبانة من الظبية نجسة أيضًا - باعتبار أنّها ممّا تحلّها الحياة - سواء كانت من الظبية الميتة أو من الحي ؟ ، وهل ما فيها من المسك طاهر مطلقا ، سواء كانت الفأرة مبانة من الميتة أو الحيّ ؟ .
  أما بالنسبة لفأرة المسك: والتي هي عبارة عن جلدة تكون في أطراف سرّة الظبي ، يجتمع فيها دم يكون هو المسك ، هذا الفأرة تسقط من الظبي غالبًا عندما يعرض للموضع حكّة - فعن جماعة من الأعلام ، منهم المصنّف ¬ في "الذكرى" ، والعلّامة ¬ في بعض كتبه ، كـ"التذكرة" و"النهاية" : أنّها مستثناة من القطعة المبانة ، التي حكم بنجاستها ، سواء انفصلت من الظبي في حياته ، أو بعد موته ، ويظهر من المصنّف في "الذكرى" ،والعلامة في "التذكرة" : الإجماع على ذلك .
  والغريب في الأمر أنّ العلّامة - الذي يظهر منه الإجماع في "التذكرة" على الطهارة -فصّل في "المنتهى" بين ما لو أُخِذت من الحي فهي طاهرة ، وبين ما لو أخذت من الميتة فهي نجسة ، وذهب الفاضل الأصبهاني في "كشف اللثام" إلى نجاستها مطلقًا ، سواء انفصلت عن حي أو ميت ، إلّا إذا كان الظبي ذكيًّا .
  أقول - قبل ذكر الأدلة الدالة على طهارتها - :
  إن قلنا: بأنّ فأرة المسك مودعة في الظبي ، وليست ملتحمة ، ومتصلة به ، بل تتكون في جوف الظبي فيلقيها ، كالبيضة ، كما ذهب إلى ذلك بعض الأعلام ، فلا إشكال حينئذٍ في طهارتها ، سواء أخذت من الحي أم من الميت ، لعدم كونها جزءًا من الحيوان ، فلا تشملها أدلّة نجاسة القطعة المبانة من الحي ، ولا أدلّة نجاسة أجزاء الميتة ، والأصل حينئذٍ الطهارة .
 
 


[1] - الوسائل باب63 من أبواب النجاسات ح1

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo