الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/07/22
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ الميتة
نعم ما ذكره المصنّف في "الذكرى" جوابًا عن استدلال الشافعي لم يكتب له التوفيق
قال فيها: ( والحجة - أي حجّة الشافعي - بأنّه لو كان نجسًا لما طهر بالغسل معارضة بأنّه لو كان طاهرًا لما أمر بغسله ...)
ووجه عدم صحّة ما ذكره هو أنّ الأمر بالغسل قد لا يكون للنجاسة العينية ، إذ يحتمل أن يكون للنجاسة الحكميّة ، كغسل الجنابة والحيض ، لا سيّما أنّه قد تقدّم في أحكام الميت بعض الأخبار الدّالة على أنّ الميت يجنب بموته .
ومهما يكن فالصحيح هو ما ذكرناه
وأمّا ما ذكره الكاشاني من أنّ المراد من غسل الثوب غسل ما لصق به من رطوبة الميّت ، فإنّه خلاف الظاهر ، وبعيد في نفسه ، ومع ذلك فهو دالّ على نجاسة ميتة الآدمي ، وإلّا لما أمر بخصوص الغسل ، بل كان يكفي مطلق إزالة الرطوبة والقذارة ولو بغير الغسل ؛ وأمّا ما حُكيَ عنه من أنّ ميتة الآدمي نجسة غير منجّسة ، فيدفعه ظهور الأخبار بما قلناه .
والإنصاف: ما ذكره الشافعي ، والمحدّث الكاشاني ، لا يستأهل ردًّا ، ثمّ لا يخفى أنّ ما ذكرناه إنّما هو في غير المعصوم ، وإلّا فهو طاهر مطهّر .
وقد ذكرنا في مبحث أحكام الميت أنّ الشهيد لا يُغسّل ، وكذا من شرع له تقدم الغسل على موته ، كالمرجوم ، فراجع ما ذكرناه فإنّه مهم ، والله العالم .
قال المصنف: ( وكذا ما قطع من الحيوان مما تحله الحياة )
يقع الكلام في أربعة أمور :
الأوَّل: في الأجزاء المبانة من الميتة التي تحلها الحياة .
الثاني: في الأجزاء المبانة من الحي التي تحلها الحياة .
الثالث: في الأجزاء الصغيرة التي تنفصل من الحي ، كالثالول ، والبثور ، ونحوهما .
الرابع: فيما لا تحلّه الحياة من غير نجس العين .
أمّا الأمر الأوّل
فالمعروف بين الأعلام نجاستها ، وفي "المدارك" : هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ... ، وفي "الجواهر" : بلا خلاف يعرف فيه ، كما اعترف به في "المعالم" ، واستظهره في "الحدائق" ... .
أقول: إن كانت المسألة متسالمًا عليها بين الأعلام ، بحيث تخرج عن الإجماع المصطلح عليه فبها ، وإلّا فالإجماع المنقول بخبر الواحد قد عرفت حاله .
هذا ، وقد استُدل للقول بالنجاسة بعدّة أدلة :
الدليل الأول: إطلاق ما دلّ على نجاسة الميتة ، لظهورها في عدم اشتراط الاتصال والاجتماع بالنسبة إلى ذلك
وتوضيحه: أنّ الموضوع في الأخبار وإن كان هو الميتة إلّا أن العرف يفهم منه أنّ عنوان الميتة أُخِذ مشيرًا إلى المعنون ، وهو الأجزاء ، فكأنّه قال - من أوّل الأمر - : إنّ أجزاء الميتة نجسة ، بحيث يكون كلّ جُزء أخِذ موضوعًا مستقلًا للنجاسة ، كما لو قال المولى : الغنم ينجس بالموت ، فإنّ المفهوم عرفًا من هذا الكلام هو أنّ النجاسة منصبّة على المعنون بجيمع أجزائه ، فكأنّه قال : رأس الغنم ينجس بالموت ، ورجله ويده كذلك ، وهكذا ، فلا يرى العرف موضوعية للعنوان بما هو عنوان ، ولذا تراه يرتّب آثار النجاسة على ملاقاة أجزاء الميتة مع الرطوبة ، مع قطع النظر عن عنوان الميتة ، وما ذاك إلّا لأنّ عنوان الميتة لم يؤخذ موضوعًا للحكم بالنجاسة بما هو كذلك ، بل أخِذ مشيرًا إلى الأجزاء ، ولأجل ذلك لا يشكّ أحد ممّن علم أنّ الغنم ينجس بالموت أنّه إذا قدت الغنمة نصفين فماتت ينجس كلذ من النصفين ، وإن لم يصدق على كلّ منهما أنّه غنمة ميتة .
الدليل الثاني: الأخبار الدّالة على طهارة ما لا روح له من الميتة الظاهرة في العليّة ، والدالة بمفهومها على نجاسة كلّ ما حلّ فيه الروح عند زهاقه
كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ع قال:( لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف أن الصوف ليس فيه روح )
[1]
بل يفهم أيضًا من النصوص الدّالة على طهارة ما لا تحلّه الحياة أنّ ما تحلّه الحياة من الأجزاء يكون نجسًا عند زهاق الروح .
الدليل الثالث: ما ذكره جماعة من الأعلام منهم صاحب المدارك حيث قال:( نعم يمكن القول بنجاسة القطعة المبانة من الميت استصحابًا لحكمها حالة الاتصال )
وقد استشكل المحقّق الخونساري على هذا الاستصحاب ، حيث قال: ( وقد يمنع النجاسة قبل الانفصال ، لجواز أن يكون النجس المجموع من حيث المجموع ...) .
وفيه: أنّه لا وجه لهذا الإشكال ، لما عرفت من أنّ الموضوع للنجاسة هو المعنون ، أي أجزاء الميتة ، وأمّا العنوان وهو الميتة فقد أخِذ مشيرًا إلى الأجزاء ، فلا يرى العرف خصوصيّة ، وموضوعيّة ، للعنوان بما هو عنوان ، نعم الذي يرد على هذا الاستصحاب أنّه من استصحاب الحكم الكلي ، وقد عرفت أنّ استصحاب المجعول معارض باستصحاب عدم الجعل، والله العالم .
وأما الأمر الثاني
المشهور بين الأعلام نجاسة الأجزاء المبانة من الحي التي تحلّها الحياة ، وفي "المدارك" : أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب ... .
وفي "شرح المفاتيح": أنّ أجزاء الحيوان التي تحلّها الحياة تنجس بالموت ، وإن قطعت من الحي باتفاق الفقهاء ، بل الظاهر كونه إجماعيًّا ، وعليه الشيعة في الأعصار والأمصار ... ، وعن الذخيرة : أنّ المسألة إجماعيّة ، ولولا الإجماع لم نقل بها ، لضعف الأدلّة ... .
وفيه: ما عرفت من أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد يصلح للتأييد فقط ، إلّا أن يقال : إنّ المسألة متسالم عليها بين جميع الأعلام قديمًا وحديثًا ، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه .
[1] - الوسائل باب68 من أبواب النجاسات ح1