الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/07/21
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ الميتة
ومنها: رواية أبي مريم قال: ( قلت لأبي عبد الله ع : السَخْلة التي مرّ بها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهي ميتة ، فقال : ما ضرّ أهلها لو انتفعوا بإهابها ، فقال أبو عبد الله : لم تكن ميتة يا أبا مريم ، ولكنّها كانت مهزولة ، فذبحها أهلها فرموا بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما كان على أهلها لو انتفعوا بإهابها )
[1]
وهي ضعيفة ، لأنّ في إسناد الصدوق إلى يونس بن يعقوب الحكم بن مسكين ، وهو غير موثق .
ومنها: مرسلة دعائم الإسلام عن الصادق ع عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ( الميتة نجسة وإن دبغت )
[2]
وهي ضعيفة بالإرسال .
ومنها: موثّقة سماعة قال: ( سألته عن جلود السباع ينتفع بها ؟ ، قال : إذا رميت ، وسمّيت ، فانتفِع بجلده ، وأمّا الميتة فلا )
[3]
أي وإن دبغت ، فلا ينتفع ، وقد عرفت أن مضمرات سماعة مقبولة .
ومنها: خبر قاسم الصيقل قال كتبت إلى الرضا ع : ( إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة ، فتصيب ثيابي ، فأصلي فيها ، فكتب إليّ : اتّخذ ثوبًا لصلاتك ، فكتبت إلى أبي جعفر الثاني كنت كتبت إلى أبيك بكذا وكذا ، فصعب عليّ ذلك ، فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكيّة ، فكتب إليّ : كلّ أعمال البر بالصبر - يرحمك الله - فإنّ كان ما تعمل وحشيًّا ذكيًّا ، فلا بأس )
[4]
مفهومه: إن لم يكن وحشيا ذكيا ففيه بأس ، أي وإن دبغ ، ولكنّه ضعيف بعدم وثاقة معلّى بن محمّد وجهالة قاسم الصيقل ، وكذا غيرها من الأخبار .
والخلاصة: أنّه لا إشكال في بطلان القول بطهارة جلد الميتة بالدباغ .
الأمر الثاني: ميتة الآدمي
المشهور بين الأعلام شهرة عظيمة نجاسة ميتة الآدمي ، بل استفاض نقل الإجماع على ذلك ، وفي "المعتبر" : أنّ علماءنا مطبقون على نجاسته بنجاسة عينيّة ، كغيره من ذوات الأنفس ... ، وفي الجواهر: بلا خلاف أجده فيه ... .
أقول: قد استدل على النجاسة بعدّة أدلّة :
منها: الإجماع المتقدم .
وفيه: أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد وإن استفاض نقله يبقى غير حجّة ، إذ لا يخرج بذلك عن كونه منقولًا بخبر الواحد .
ومنها: إطلاق ، أو عموم ، بعض ما تقدّم في نجاسة ميتة غير الآدمي ، من ذي النفس السائلة .
ومنها: حسنة الحلبي عن أبي عبد الله ع قال: ( سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت ، فقال : يفسد ما أصاب الثوب )
[5]
.
ومنها: خبر إبراهيم بن ميمون قال: ( سألت أبا عبد الله ع عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت ، قال : إن كان غُسّل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، وإن كان لم يغسّل فاغسل ما أصاب ثوبك منه )
[6]
قال الراوي : يعني إذا برد الميت ، ولكنّه ضعيف لعدم وثاقة إبراهيم بن ميمون .
ومنها: موثّقة عمّار الساباطي قال: ( سئِل أبو عبد الله ع عن رجل ذبح طيرًا ، فوقع بدمه في البئر ، فقال : ينزح منها دلاء ، هذا إذا كان ذكيًّا فهو هكذا ، وما سوى ذلك ممّا يقع في بئر الماء ، فيموت فيه ، فأكثره الإنسان ، ينزح منها سبعون دلوًا ، وأقلّه العصفور ، ينزح منها دلو واحد ، وما سوى ذلك في ما بين هذين )
[7]
وقد عرفت أنّ القول بطهارة البئر لا ينافي نجاسة ميتة الإنسان الواقعة فيه .
ومنها: التوقيع المروي في "الاحتجاج" في جواب الحميري حيث كتب إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف: ( رُوي لنا عن العالم ع أنّه سئل عن إمام قوم صلّى بهم بعض صلاتهم ، وحدثت عليه حادثة ، كيف يعمل من خلفه ؟ ، فقال : يؤخر ، ويتقدم بعضهم ، ويتمّ صلاتهم ، ويغتسل من مسّه» التوقيع : ليس على مَن مسّه إلّا غسل اليد ، وإذا لم تحدث حادثة تقطع الصلاة تمّم صلاته مع القوم )
[8]
ونحوه الآخر بتفاوت يسير بينهما .
وفيهما: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة ، من أنّ كتاب الاحتجاج للطبرسي أغلبه مرسل ، إلّا ما أورده عن أبي محمد الحسن العسكري ع فإنّه مسند ، ولكنّ الإسناد ضعيف بجهالة أكثر من شخص ، وعليه ، فهاتان الروايتان ضعيفتان بالإرسال .
والخلاصة: أنّه لا إشكال في نجاسة ميتة الآدمي ، نعم ذهب الشافعي إلى عدم النجاسة معلّلًا : بأنّه لو كان نجسا لما قبِل التطهير ، كسائر النجاسات ، وحُكي أيضا عن المحدث الكاشاني واستدل بما استدلّ به الشافعي ، وحمل ما في الأخبار على إرادة الخباثة المعنوية ، كنجاسة الجنب ، وأنّ المراد من غسل الثوب غسل ما لصق به من رطوبة الميت وقذارته ، وحُكي عنه أيضًا أن ميتة الآدمي نجسة ، ولكنّها غير منجّسة ، أي نجساتها لا تسري إلى غيره .
وفيه: أمّا ما استدل الشافعي ، والمحدّث الكاشاني ¬ ، فيرد عليهما أنّه لا مانع عقلًا ، ولا شرعًا من قبول التطهير ، إذ الطهارة والنجاسة من الأمور التعبديّة ، والعقل لا سبيل له إلى إدراك الأمور الشرعية ، وعللها ، وأسبابها .
أضف إلى ذلك: أنّ بعض الاعيان تقبل التطهير ، كحصول الطهارة للكافر بالإسلام ، والعصير بالنقص ، والخمر بانقلابه خلًّا ، ونحوهما ، غاية الأمر يلزم أن تكون طرق التطهير مختلفة ، ولا محذور في ذلك ، والجملة ، ما ذكراه اجتهاد في مقابل النص .
[1] - الوسائل باب61 من أبواب النجاسات ح5
[2] - المستدرك باب38 من أبواب النجاسات ح6
[3] - الوسائل باب49 من أبواب النجاسات ح2
[4] - الوسائل باب34 من أبواب النجاسات ح4
[5] - الوسائل باب34 من أبواب النجاسات ح2
[6] - الوسائل باب34 من أبواب النجاسات ح1
[7] - الوسائل باب21 من أبواب الماء المطلق ح2
[8] - الوسائل باب3 من أبواب غسل المسّ ح4