< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/07/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ المني
 كان الكلام ان الأحبار الواردة في المني منصرفة لمني الإنسان
 ثمّ لو تنزّلنا عن ذلك ، وسلّمنا شموله لغير الإنسان فلا يفهم منه أكثر من نجاسة المني لكلّ حيوان نجس بوله ، وأمّا المني من ذي النفس المأكول اللحم الذي يكون بوله طاهرًا فلا يكون للحديث .
 والخلاصة: أنّ العمدة في نجاسة مني غير الإنسان من ذي النفس - سواء أكان مأكول اللحم أم لا - هو التسالم بين الأعلام ، وبه نرفع اليد عن عموم موثّقة عمّار عن أبي عبد الله ع قال: ( كلّ ما أكِل لحمه فلا بأس بما يخرج منه ) [1] أي لا بأس بما يخرج منه من البول والروث .
 وبالتسالم أيضًا نرفع اليد عن عموم حسنة ابن بكير المتقدّمة: ( وإن كان ممَّا يُؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه ، وكلّ شيء منه ، جائز ... )
 فكلّ شيء منه وإن كان يشمل المني أيضًا إلّا أنّه نرفع اليد عنه بالنسبة للمني ، لأجل التسالم بين الأعلام على نجاسته ، وبه أيضا ، وبما تقدّم من الأخبار الدّالة على نجاسة مني الإنسان ، نرفع اليد أيضًا عن بعض الأخبار التي قد يظهر منها طهارة مني الإنسان :
  منها: صحيح زرارة قال: ( سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أيتجفف فيه من غسله ، فقال : نعم ، لا بأس به ، إلّا أن تكون النطفة فيه رطبة ، فإن كانت جافة فلا بأس ) [2]
 قال الشيخ: هذا محمول على أنّه لم يتنشّف بالموضع الذي فيه المني .
  ويرد عليه: أنّه على هذا لا فرق بين الرطبة والجافة إذا لم يتجفف بالموضع الذي فيه المني ، مع أنّ الإمام فرّق بينهما .
  ومنها: حسنة أبي أسامة قال: ( قلت لأبي عبد الله : تصيبني السماء ، وعليَّ ثوب ، فتبلّه ، وأنا جنب ، فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المني ، أفأصلي فيه ؟ ، قال : نعم ) [3]
 وذكر بعضهم أنّ هذا مقيّد بعدم الرطوبة في محلّ ملاقاة المني ، وبعضهم حمله على زوال النجاسة بالمطر .
  أقول: يحتمل أيضًا حمل هاتين الروايتين على التقيّة ، إذ المحكي عن الشافعي القول بطهارة المني ، سواء أكان من رجل أم امرأة ، راويا له عن ابن عباس ، وسعد بن أبي وقاص ، وعائشة ، قيل : وبه قال من التابعين : سعيد بن المسيب ، وعطاء ، وهذا منهم عجيب ، وأعجب منه أنّ فقهاء المذاهب الأربعة ذهبوا إلى نجاسة المذي ، بل ذهبت الحنفيّة إلى نجاسة كلّ ما يخرج من الإنسان حتّى الدمعة إذا استندت إلى مرض ، لا ما استند إلى البكاء .
 والخلاصة: أنّ هاتين الروايتين ، وأمثالهما ، إن أمكن تأويلهما بما لا ينافي نجاسة المني ، وإلّا فيردّ علمهما إلى أهلهما ، وهم ﭺ أخبر بهما .
 وأمّا مني ما لا نفس له فالظاهر أنّه طاهر ، إذ لا دليل على نجاسته ؛ أمّا الأخبار المتقدّمة فقد عرفت أنّ المتبادر منها مني الإنسان ، فلا تشمل مني غيره ممّا له نفس سائلة ، فضلًا عمّا لا نفس له سائلة ، وأمّا التسالم الذي هو العمدة فهو دليل لبّي يُقتصر فيه على القدر المتيقن، وهو ما كان له نفس سائلة .
 بقي شيء في المقام: وهو أنّ كلّ ما يخرج من القبل والدبر غير البول ، والغائط ، والمني ، والدم ، من مذي ، أو وذي ، أو ودي ، أو قيح ، أو نحوها من رطوبة وغيرها ، طاهر بلا إشكال ، وقد تقدّم الكلام عن المذي ، والوذي ، والودي ، بالتفصيل في الدرس الأوّل عند الكلام في نواقض الوضوء عند قول المصنف وابن الجنيد : الحقنة والمذي عن شهوة ، فراجع .
  وأمّا ما يدلّ على طهارة الرطوبة الخارجة ، فقد ورد ذلك في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: ( سألت أبا الحسن الرضا عن المرأة ، عليها قميصها أو إزارها ، يصيبه من بلل الفرج وهي جنب ، أتصلّي فيه ؟ ، قال : إذا اغتسلت صلّت فيهما ) [4]
 مضافًا لأصل الطهارة ، والله العالم .
 الأمر الثاني: وهو الدم ، لا إشكال في نجاسته ، بل نجاسته في الجملة متسالم عليها بين جميع المسلمين ، بل هي من ضروريات الدين ، وإنّما الكلام في عموم نجاسة كلّ دم من كلّ ذي نفس سائلة ، سواء حلّ أكله أم حرم .
  المشهور بين الأعلام نجاسة كلّ دم من ذي نفس سائلة ، أي مطلق الخارج وإن لم يكن من العِرق نفسه ، فيشمل ما لو خرج بحكِّ الجلد ونحوه .
  ولكن قد يُتوهم خلاف ذلك في جملة من كلمات الأعلام ، حيث خصّوا النجاسة في الدم المسفوح فقط ، وهو ما انصبّ من العِرق نفسه ، بل في "الحدائق": أن ذلك معناه لغة ، فلا يدخل فيه حينئذٍ ما خرج بالحكّ ونحوه ، من غرز الشوكة في البدن ، ولا حاجة لنقل عبارات بعض الأعلام الموهمة لذلك.
  ومهما يكن فالمهم هو الدليل على نجاسة مطلق دم ذي النفس غير المتخلّف في الذبيحة
 وقد يُستدل لذلك بثلاثة أمور :
  الأمر الأوّل: إطلاق معاقد الإجماعات المحكيّة ، بحيث يكون معقد الإجماع كمتن رواية مطلقة معتبرة ، ويساعد هذه الإجماعات ارتكاز نجاسته في أذهان المتشرعة جيلًا بعد جيل ، وفي جميع الأعصار والأمصار ، ويشهد لإرادتهم إطلاق معاقد الإجماعات : تعرّضهم لطهارة دم غير ذي النفس ، ودم المتخلف في الذبيحة ، دون غيرهما من دم ذي النفس غير المسفوح .
  وفيه: أنّه لا يصحّ الاعتماد على الإجماعات المنقولة بخبر الواحد ، وإن استفاض نقلها ، لا سيّما مع احتمال كون الإجماع مدركيًّا أو محتمل المدركيّة ، فلا يكون إجماعًا تعبديًّا كاشفًا عن رأي المعصوم وأمّا الارتكاز المذكور بنفسه ليس بحجّة ، بل لا بدّ من الرجوع إلى منشأ الارتكاز .
  الأمر الثاني: النصوص الكثيرة الظاهرة في نجاسة غير المسفوح من دم ذي النفس ، كما في الدم الذي يوجد في الأنف ، ففي حسنة محمّد بن مسلم عن أحدهما ع ( في الرجل يمسّ أنفه في الصلاة ، فيرى دمًا ، كيف يصنع ؟ ، أينصرف ؟ ، قال : إن كان يابسًا فليرمِ به ، ولا بأس ) [5]
 وهو ظاهر في غير المسفوح
 ومثله الدم: عند قطع الثلول ، كما في صحيح علي بن جعفر ( أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عن الرجل يكون به الثالول ، أو الجرح ، هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته ، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه ؟ ، قال : إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله ) [6]
  ومثله أيضًا: ما ورد في حكّ الجلد ، كما في خبر مثنّى بن عبد السلام ، عن أبي عبد الله ع قال: ( قلت له: إنّي حككت جلدي فخرج منه دم ، فقال : إن اجتمع قدر حمّصة فاغسله ، وإلّا فلا )
  ولا يخفى أنّه لا يمكن إرادة المسفوح منه ، ولكنّه ضعيف بأبي المفضل ، وابن بطة ، الواقعين في طريق الشيخ إلى معاوية بن حكيم ، وللشيخ أيضًا طريق إلى كتاب الطلاق ، وكتاب الحيض ، وكتاب الفرائض ، لمعاوية بن حكيم ، وهو أيضًا ضعيف بالحسين ابن محمّد بن مصعب ، فإنّه مجهول ، وأمّا مثنّى بن عبد السلام فهو ممدوح مدحًا معتدًّا به .
  ومثله أيضًا: ما ورد في قلع السن ، كما في صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة حيث ورد في صدرها ( أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر ع عن الرجل يتحرّك بعض أسنانه ، وهو في الصلاة ، هل ينزعه ؟ ، قال : إن كان لا يُدميه فلْينزعه ، وإن كان يدميه فلينصرف ... ) [7] .
 


[1] - الوسائل باب9 من أبواب لباس المصلي ح12
[2] - الوسائل باب27 من أبواب النجاسات ح7
[3] - الوسائل باب17 من أبواب النجاسات ح3
[4] - الوسائل باب55 من أبواب النجاسات ح1
[5] - الوسائل باب24 من أبواب النجاسات ح2
[6] - الوسائل باب63 من أبواب النجاسات ح1 .
[7] - الوسائل باب27 من أبواب قواطع الصلاة ح1

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo