< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/06/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ النجاسات العشرة\ البول والغائط
 كان الكلام في الأدلة على نجاسة بول وخُرء الطيور وذكرنا عدة أدلة
 ومنها - وهو العمدة -: روايتان لعبد الله بن سنان :
 الأولى: وهي حسنة قال: ( قال أبو عبد الله: اِغسل ثوبك من أبوال ما يُؤكل لحمه ) [1] .
 والثانية: عن أبي عبد الله قال: ( اغسل ثوبك من بول كل ما لا يؤكل لحمه ) [2]
 وهي ضعيفة ، وقد ذكرنا السبب في ضعفها ، فراجع ، والمعتبر حينئذٍ هي الحسنة .
 وفيه: أنّها معارَضة بحسنة أبي بصير عن أبي عبد الله قال: ( كلّ شيءٍ يطير فلا بأس ببوله ، وخُرئه ) [3]
 وقد عبّر كثير من الأعلام عن هذه الرواية بالموثقة ، ولكنها في الاصطلاح حسنة بإبراهيم بن هاشم ، ولا يوجد في السند غير إمامي حتى تكون موثقة .
 ومهما يكن ، فإنّ النسبة بينها وبين حسنة ابن سنان هي العموم والخصوص من وجه ، لأنّ حسنة أبي بصير موضوعها الطائر ، وهو شامل للمحلل والمحرم أكله .
  وحسنة ابن سنان موضوعها ما لا يُؤكل لحمه ، وهو شامل للطائر ، وغيره ، فيجتمعان في الطائر الذي لا يُؤكل لحمه ، وربما ادّعى بعض الأعلام انصراف حسنة ابن سنان عن الطير لعدم معهوديّة البول للطير ، بل ادّعى بعض الأعلام العلم بعدم البول لغير الخفّاش .
  والإنصاف: أنّ دعوى الانصراف عهدتها على مدّعيها ، لا سيما أنّ حسنة أبي بصير صرّحت بنفي البأس عن بول الطير ، فكيف يدّعى الانصراف لعدم معهودية البول للطير ؟! .
  وبالجملة: مع تسليم ندرة البول للطير لا يكون الانصراف المدّعى من حاق اللفظ كي يضرّ بالإطلاق .
  وعليه ، فقد ذكر صاحب الجواهر أنّ الترجيح لحسنة ابن سنان ، لاعتضادها بالشهرة العظيمة ، بل تسالم الأصحاب عليه في بعض الطبقات التي هي أقوى المرجحات نصًّا واعتبارًا ... .
  وفيه: أنّ فتوى المشهور بمضمون حسنة ابن سنان ، وإن كان مسلما ، إلّا أنّه لم يثبت استنادهم إليها في مقام الإفتاء حتّى يترجّح سندها على سند رواية أبي بصير ، بل حتّى لو أحرزنا استنادهم إليها لا يكون ذلك موجبا للترجيح ، كما ذكرنا في علم الأصول .
  إن قلت: إنّ حسنة أبي بصير أعرض عنها المشهور ، قال ابن إدريس: ( وقد رويت رواية شاذّة لا يعوّل عليها أن ذرق الطائر طاهر ، سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكول ، والمعمول عند محققي أصحابنا ، والمحصلين ، منهم خلاف هذه الرواية ... )
 وقال العلّامة في التذكرة: ( وقول الشيخ في "المبسوط" بطهارة ذرق ما لا يؤكل لحمه من الطيور ، لرواية أبي بصير ضعيف ، لأنّ أحدًا لم يعمل بها ... ) .
  قلت: إعراض المشهور لا يوجب الوهن ، وإنّما يوجبه إعراض الكل ، وهو غير متحقّق ، لاعتماد الصدوق والشيخ عليها .
 ومن هنا يتضح لك عدم صحة كلام العلّامة في "التذكرة" أنّ أحدًا لم يعمل بها ، بل هذا ينافي كلامه في "المنتهى" من نسبة القول بالطهارة إلى الشيخ ، والصدوق ، اعتمادًا منهما على رواية أبي بصير ، وأنّها حسنة ، وممّا يدلّ أيضًا على عدمِ صحةِ قولِه في "التذكرة" قولُ المحقّق في "المعتبر": ( أنّ الرواية حسنة ، والعامل بها قليل ...) .
  وعليه ، فلم يعرِض الكلّ عنها حتّى يوجب ذلك سقوطها عن الاعتبار .
  والإنصاف في المقام: أنّ الرجوع إلى المرجّحات في باب التعارض إنّما هو إذا لم يمكن الجمع بينهما ، وأمّا إذا أمكن الجمع بينهما بتخصيص حسنة ابن سنان بحسنة أبي بصير فلا موجب للرجوع حينئذٍ إلى مرجّحات التعارض .
 وتوضيحه: أنّ تخصيص حسنة أبي بصير بحسنة ابن سنان يوجب إلغاء عنوان الطير عن الموضوعية في حسنة أبي بصير ، ويكون المدار على كون الحيوان مأكول اللحم ، فهو الموضوع للحكم بطهارة بوله وخرئه .
  وأما الطيران فلا مدخلية له في الحكم ، وهذا بخلاف ما لو خصّصنا حسنة ابن سنان فإنّه لا يوجب إلغاء عنوان موضوعها ، وهو ما لا يُؤكل ، بل بعد إخراج الطير عن تحت الموضوع يبقى عنوان ما لا يُؤكل لحمه هو الموضوع لنجاسة البول والخُرء وله أفراد كثيرة ، وكلّ ما هنالك خرج من تحته بول الطير ، وحكمنا فيه بعدم النجاسة ، وهذا لا محذور فيه .
  وعليه: فيتعيّن تخصيص حسنة ابن سنان ، لأنّ في تحصيص حسنة أبي بصير إلغاء لعنوان الطير عن الموضوعية ، وهو مستهجن عرفًا ، وهناك أيضًا وجه آخر لتقديم حسنة أبي بصير ، وهو أنّ دلالتها بالعموم ، ودلالة حسنة ابن سنان بالإطلاق بناء على أنّ إضافة الجميع ليس من أدوات العموم .
 وعليه ، فدلالة العموم تنجيزيّة ودلالة الإطلاق تعليقيّة ، حيث إنّه متوقّف على مقدمات الحكمة ، والتي منها عدم نصب قرينة على الخلاف ، والعموم صالح للقرينية على الخلاف ، فينتفي حينئذٍ الإطلاق بانتفاء موضوعه ، ويكون مورد حسنة ابن سنان هو ما لا يؤكل من غير الطير .
  ثمّ إنّه على تقدير استقرار التعارض ، وعدم ترجيح لإحدى الحسنتين على الأخرى ، فبعد التساقط يرجع إلى أصل الطهارة ، ولا يرجع إلى العموم الفوقاني ، وهو ما دلّ على نجاسة البول ، لما عرفت أنّه منصرف إلى بول الإنسان .
  والخلاصة إلى هنا: أنّ أدلّة القول بالنجاسة لم يُكتب لها التوفيق .
  هذا ، وقد استُدل للقول بالطهارة بعدّة أدلّة :
  منها: حسنة أبي بصير المتقدّمة المعتضدة بما في البحار وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجعفي نقلًا من جامع البزنطي عن أبي بصير عن الصادق أيضًا ، قال: ( خُرء كلّ شيء يطير وبوله لا بأس به )
 ولكنّه ضعيف بالإرسال .
 وباقي الأدلة تأتي إن شاء الله


[1] - الوسائل باب 8 من أبواب النجاسات ح2
[2] - الوسائل باب 8 من أبواب النجاسات ح3
[3] - الوسائل باب10 من أبواب النجاسات ح1

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo