< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ أحكام النجاسات العشر\ البول والغائط
 وأما المقام الثاني:
 هل نجاسة البول والغائط ممّا لا يؤكل لحمه مختصة بما له نفس سائلة أم لا .
 المشهور بين الأعلام على الاختصاص ، بل ذكر المحقّق الخونساري في "مشارق الشموس" : أنّه لا ينقل خلاف في طهارتهما ممّا ليس له نفس سائلة لأحد من علمائنا على ما رأينا ، والعلّامة في "التذكرة" نسب الخلاف إلى الشافعي ، وفي "المنتهى" إلى الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ولم ينسبه إلى أحد من علمائنا فالظاهر أنه اتفاقي ...
 أقول: صرّح المصنّف في "الذكرى" و"البيان" باختصاص نجاسة البول والغائط مما لا يؤكل لحمه بما إذا كان له نفس سائلة .
 وأمّا هنا فيظهر منه أنّه قائل بالنجاسة مطلقًا ، إذ لم يقيّد الحكم هنا بما له نفس سائلة ، كما قيّد في المني ، والدم ، والميتة ، كما سيأتي إن شاء الله .
 وهناك جماعة أيضًا لم يقيّدوا الحكم بذي النفس السائلة ، منهم الشيخ المفيد في "المقنعة" ، والشيخ في" الخلاف" ، و"جُمَلِة" ، وابن حمزة في "الوسيلة" ، وابن زهرة في "الغنية" ، والمحقّق في "النافع" ، فلعلّ هؤلاء قائلون : بالنجاسة مطلقا .
 ولكنّ الإنصاف: أنّه لا يوجد من صرح بالنجاسة مطلقا .
 ومهما يكن فقد استُدل للطهارة - كما عن العلّامة في "المنتهى" - : بأصل الطهارة ، وبأنّ التحرّز عنه متعذّر أو حرج فيكون منفيا ، واستدلّ في "التذكرة" بأن دم ما لا نفس له وميتته طاهر ، فرجيعه أيضًا كذلك .
  واستدلّ المحقّق بمثل ما في "التذكرة" ، حيث قال : ( أمّا رجيع ما لا نفس له ، كالذباب ، والخنافس ، ففيه : تردد ، أشبهه أنّه طاهر ، لأنّ ميتته ، ودمه ، ولعابه ، طاهر فصارت فضلاته كعصارة النبات ) .
 وفيه: أمّا الدليل الأخير فلا يمكن قبوله لأنّه قياس ، ونحن نفر ّمن رائحة القياس ، فكيف بالقياس نفسه .
  وأمّا الدليل الأول - أي أصل الطهارة - : فإنّما يتمّ لو لم يكن الدليل الدال على نجاسة البول والغائط شاملًا لما لا نفس له سائلة ، وسيأتي تحقيقه .
 وأما الدليل الثاني : فهو يتمّ أيضًا لو لزم من التحرز عنهما الحرج والعسر الشخصيان ، وأمّا في غير ذلك فلا يتمّ .
 والإنصاف: الذي ينبغي قوله : في المقام هو أنّه لا إشكال في طهارة خُرء الحيوان غير المأكول ممّا لا نفس له سائلة ، وذلك لأنّ نجاسة خُرء الحيوان غير المأكول ممّا له نفس سائلة إنّما استفدنا من عدم القول بالفصل بينه ، وبين البول إذ لم توجد رواية عامّة تشمل الجميع ، كما عرفت ، وبما أنّ الدليل على نجاسة الخُرء لبّي فيُقتصر فيه على القدر المتيقن ، وهو خُرء غير المأكول الذي له نفس سائلة .
  أضف إلى ذلك أنّه لا يصدق اسم الخُرء والعذرة والغائط ، ونحوها من الألفاظ التي علقت النجاسة عليها ، على رجيع وفضلات ما لا نفس له سائلة .
  وأمَّا بالنسبة للبول فإنّ قلنا : بمنع صدق اسمه أيضًا على رجيع ما لا نفس له ، فلا كلام حينئذٍ ، وأمَّا إذا لم تمنع صدق اسم البول عليه حقيقة ، كما إذا كان له فرج يختص بالبول ، كما في سائر الحيوانات - وإن كنا لم نتحقق ذلك ، والله العالم - فقد يقال حينئذٍ : إنّ حسنة عبد الله بن سنان المتقدّمة ( اِغسل ثوبك من أبوال ما لا يُؤكل لحمه ) شاملة للفرض ، ولكنّ موضوعها الحيوان الذي له لحم لا يؤكل .
  وأمَّا الحيوانات التي لا لحم لها معتدّ به كالخُنفساء والذُباب ، ونحوهما ، فهي خارجة عن موضوع المسألة ، ويحكم على أبوالها بالطهارة ، اللهم إلّا أن يُقال : إنّ صحيحة ابن مسلم المتقدّمة - قال: ( سألته عن البول يصيب الثوب ، قال : اغسله مرتين ) ، ونحوها غيرها - تشمل الحيوانات التي لا لحم لها أيضا ، لأنّ الموضوع فيها البول فقط ، ولكن لا يبعد انصرافها إلى بول الإنسان ، إذ لا يمكن الأخذ بإطلاقها لأنّ بول الحيوان المأكول اللحم طاهر ، وإذا أضفنا إليها طهارة أبوال الطيور كلّها المأكولة اللحم ، وغيرها ، يلزم حينئذٍ من القول بعدم الانصراف تخصيص الأكثر ، وهو مستهجن .
  والخلاصة : أنّ الكلام منحصر في بول الحيوان الذي له لحم لا يُؤكل ، ولم تكن للحيوان نفس سائلة ، فحسنة عبد الله بن سنان المتقدّمة تشمله ، ومقتضي ذلك هو الحكم بالنجاسة ، ولكن بما أنّه لم يعرف القول بالنجاسة لأحد من الأعلام لا سيّما المتقدّمين منهم ، فيكون ذلك إعراضًا منهم عن الأخذ بإطلاقها لما نحن فيه ، ويكشف ذلك عن وجود خدشة في الإطلاق ، وقد عرفت أنّ إعراض الكلّ يوجب الوهن بخلاف إعراض المشهور فقط ، ولأجل ذلك توقفنا عن الحكم بالنجاسة .
 ثم إنّ السيد أبو القاسم الخوئي استدل على طهارة أبوال ما لا نفس له مطلقا ، كان له لحم أم لم يكن ، بموثقة حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه المتقدّمة قال: ( لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة ) [1]
 وذكر أنّها مطلقة ، وقد دلّت بإطلاقها على عدم تنجّس الماء ببول ما لا نفس له ، ولا بدمه ولا بميتته ، ولا بغيرها ، ممَّا يوجب نجاسة الماء إذا كانت له نفس سائلة ، بلا فرق في ذلك بين أن يكون له لحم أم لم يكن ، ثمّ إن هذه الموثّقة حاكمة على غيرها ، ممَّا دلّ على نجاسة البول ، أو الدم ، أو الميتة ، على وجه الإطلاق ، فإنَّها فرضت شيئًا مفسِدًا للماء من أجزاء الحيوان ، وحكمت عليه بعدم إفساده للماء إذا لم يكن له نفس سائلة .
 وفيه: أنّ ظاهره عرفًا في الميتة ، أي لا يُفسِد الماء إلّا ميتة ما كانت له نفس سائلة ، وليس لها إطلاق ، بحيث يشمل البول .
  ومن هنا لا يفهم العرف التنافي بينها ، وبين ما دلّ على نجاسة البول ، أو الدم ، على وجه الإطلاق ، وممَّا يُؤيّد ذلك أنّها لو كانت مطلقة لشملت بول مأكول اللحم الذي له نفس سائلة ، مع أنّه لا يفسِد الماء لكونه طاهرا .
  وبالجملة: فإنّ المفهوم من الموثّقة عرفًا أنّ ميتة الذي له نفس سائلة يفسِد الماء ، بخلاف ميتة ما لا نفس له سائلة فإنه يفسده ، والله العالم .
 


[1] - الوسائل باب35 من أبواب الماء المطلق ح2 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo