الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/06/09
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ اولد الزنا\ القول بطهارته
قال المصنف:
( وولد الزنا )
( وولد الزنا )
المشهور بين الأعلام القول بطهارة ولد الزنا ، والحكم بإسلامه ، ودخول الجنة ، وحُكي عن الشيخ الصدوق والسيد المرتضى وابن إدريس القول : بكفر ولد الزنا ، ونجاسته
قال في السرائر: ( أنّه ولد الزنا قد ثبت كفره بالأدلّة ، بلا خلاف بيننا )
وقال العلّامة في "المختلف" - في باب السؤر -: ( قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه لا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي والنصراني وولد الزنا والمشرك ، وجعل ولد الزنا كالكافر ، وهو المنقول عن المرتضى وابن إدريس ، وباقي علمائنا حكموا بإسلامه ، وهو الحق ... ) .
وحكى بعض الأعلام : أنّ الخلاف - في المقام - في وقوع الإيمان والتدين من ولد الزنا ، وعدم وقوعه منه ، ونسب إلى الشيخ الصدوق والسيد المرتضى وابن إدريس عدم وقوع الإيمان منه ، وهو أنّه لا يكون إلا كافرًا ، بمعنى أنّه لا يختار إلا الكفر ؛ وذكر بعضهم : أن هؤلاء الثلاثة يقولون بكفره ، وإن أظهر الإيمان والتدين .
أقول: مقتضى الإنصاف هو الحكم بطهارته وإسلامه ، وذلك لأصالة الطهارة وعموماتها الشاملة له ، ولأصالة قبوله الإسلام لحديث الفطرة المستفيض عن النبي صلى الله عليه وآله ( كلّ مولود يولد على الفطرة ، وإنّما أبواه يهودانه ، وينصرانه ، ويمجّسانه )
[1]
.
وهذا الحديث رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله ، وحال أبي هريرة معلوم .
نعم روى الصدوق في الفقيه بإسناده عن فضل بن عثمان الأعور عن أبي عبد الله أنّه قال: ( ما من مولود يولد إلى على الفطرة فأبواه اللذان يهودانه ، وينصرانه ، ويمجّسانه ... )
[2]
والرواية صحيحة لأنّ إسناد الصدوق إلى فضل بن عثمان الأعور صحيح ، كما أنّ "الفضل" نفسه ثقة .
ويدلّ أيضًا على قبوله الإسلام ما ورد من الأخبار الكثيرة من أنّ المكلف يصبح مسلمًا بإقراره بالشهادتين ، إذ يرد على القول بعدم قبول الإسلام منه إمّا أنّه غير مكلّف بالفروع ، وهو خلاف التسالم بينهم ، أو أنّه مكلّف بها إلّا أنّه تكليف بما لا يطاق ، لأنّ الإسلام شرط في الفروع ، وهو لا يُقدر عليه .
ثمّ إنّ من ذهب إلى نجاسته ، وكفره ، قد يُستدل لهم بعدّة أخبار :
منها: مرسلة الوشّا عمّن ذكره عن أبي عبد الله ( أنه كره سؤر ولد الزنا ، وسؤر اليهودي والنصراني ، والمشرك ، وكلّ من خالف الإسلام ، وكان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب )
[3]
.
وفيها:
أوّلًا: أنّها ضعيفة بالإرسال .
وثانيًا: أنّ الكراهية أعمّ من الحرمة .
لا يقال: إنّ سؤر ولد الزنا ذكِر في سياق سؤرَي اليهودي والنصراني ، والكراهة فيهما بمعنى التحريم ؛ وعليه فيكون المراد منها في سؤر ولد الزنا كذلك ، ولا يجوز أن يراد بالكراهة والحرمة معًا للزوم استعمال المشترك في أكثر من معنى وهو باطل .
فإنّه يُقال: - بناء على ذلك - : أنّ المراد من الكراهة هو الخبث النفساني في الجميع ، فلا تدلّ على المطلوب حينئذٍ .
ومنها: موثّقة زرارة قال سمعت أبا جعفر يقول : ( لا خير في ولد الزنا ، ولا في بشره ، ولا في شعره ، ولا في لحمه ، ولا في دمه ، ولا في شيء منه )
[4]
- يعني ولد الزنا
وهي موثّقة على رواية الكليني ، ولكنّها ضعيفة بطريق الشيخ الصدوق ، لعدم وثاقة علي بن أحمد بن عبد الله ، وأبيه .
ومنها: حسنة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر قال : ( لبن اليهوديّة ، والنصرانيّة ، والمجوسيّة ، أحبّ إليّ من ولد الزنا )
[5]
.
ومنها: رواية عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله قال : ( لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام ، فإنّ فيها غُسالة ولد الزنا ، وهو لا يطهر إلى سبعة آباء ، وفيها غسالة الناصب ، وهو شرّهما ، إنّ الله لم يخلق خلقًا شرًّا من الكلب ، وأنّ الناصب أهون على الله من الكلب )
[6]
وهي ضعيفة بالإرسال ، وبابن جمهور ، وبجهالة محمّد بن القاسم .
وعليه: فإنّ هذه الروايات محمولة على إرادة الخبث الباطني ، ولا نظر لها إلى نجاسته ، وكفره ، وذلك لأنّ التعبير بالشَريّة يناسب الخبث الباطني ، وكذلك عدم طهور أبنائه فإنّ المتولد من ولد الزنا لا إشكال في طهارته ، فضلا عن طهارته إلى سبعة آباء عند جميع الأعلام ، حتّى من حكم بكفرِ ونجاسة ابن الزنا .
[1] - رواه مسلم في صحيحه 2/412 ، والبخاري في صحيحه
[2] - الوسائل باب48 من أبواب جهاد العدو ، وما يناسبه ح3
[3] - الوسائل باب3 من أبواب الأسآر ح2
[4] - الوسائل باب14 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح7 ، وعقاب الأعمال للصدوق ¬ ص 254
[5] - الوسائل باب75 من أبواب أحكام الأولاد ح2
[6] - الوسائل باب11 من أبواب الماء المضاف ح4