الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/05/25
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ الأسئار\ السؤر يتبع الحيوان طهارة ونجاسة
قال المصنف: ( والسؤر يتبع الحيوان طهارة ونجاسة وكراهة ) .
أمّا تبعيّته من حيث النجاسة فلا إشكال لأن السؤر من آثار نجاسة الحيوان ، وأمّا تبعيّته من حيث الطهارة فلا إشكال فيها أيضا .
ويدلّ عليه جملة من الأخبار التي سنذكرها قريبًا - إن شاء الله تعالى - والتي يفهم منها طهارة سؤر كلّ ما كان طاهر الجسد ، نعم سنذكر - إن شاء الله تعالى - عند قول المصنف الآتي وسؤر غير مأكول اللحم على الأقرب أنّ بعض الأعلام منع من استعمال سؤر غير المأكول ، وإن كان طاهر العين ، ونذكر - إن شاء الله تعالى - ما هو الصحيح ، وأما كراهة سؤر بعض الحيوانات فنذكرها تباعًا لذكر المصنف لها ، والله العالم .
قال المصنف: ( ويكره سؤر الجلال )
المراد بالجلال المتغذّي بعذرة الإنسان محضًا ، أي أن ينبت عليه لحمه ، ويشتدّ عظمه ، بحيث يسمّى في العرف جلّالا قبل أن يستبرأ ممّا يزيل الجَلَل .
واعلم أنّه لا إشكال في طهارة سؤر كل حيوان طاهر العين ، نعم حكي عن الشيخ ¬في النهاية استثناء سؤر آكل الجيَف من الطير ، ونقل عن السيد المرتضى وابن الجنيد استثناء الجلّال ، ونقل عن ظاهر الشيخ في كتابَي الأخبار المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه ، ونقل عن ابن إدريس أنّه حكم بنجاسة سؤر ما لا يُؤكل لحمه من حيوان الحضر من غير الطير ممّا يمكن التحرّز عنه .
أقول: سنذكر - إن شاء الله تعالى - دليل من استثنى سؤر ما لا يؤكل لحمه عند قول الماتن الآتي وسؤر غير مأكول اللحكم على الأقرب ، وسنبيّن طهارته ، وبطلان دليل من استثنى
وأمّا دليل من استثنى الجلال عن الحكم بطهارة سؤره فدليلهم منحصر بعدم خلوّ لُعابه عن النجاسة ، وبأنّ لعابه ينشأ منها .
ففيه:
أوّلًا: أنّ لُعابه ينشأ من غيرها ، كالماء مثلا ، فإنّه حين الشرب يكون لُعابه منه .
وثانيا: لو سلّمنا أنّ لعابه ينشأ منها إلّا أنّه يُستهلك ، أو يستحيل ، وبعد الاستحالة لا يبقى النجاسة ، ولا الحكم .
وثالثا: أنّه لا دليل على نجاسة داخل الفم بعد زوال عين النجاسة ، ومن هنا نقض ببصاق شارب الخمر ما لم يتغيّر بالنجاسة ، فإنّه محكوم بالطهارة .
ورابعا: لو تمّ ما ذكر فإنّما يقتضي نجاسة سؤر الجلال فيما إذا باشر النجاسة بالفم ، دون ما إذا باشرها سائر أعضائه ، وقد عرفت أنّ السؤر بحسب الاصطلاح يُطلق على ما باشره جسم الحيوان وإن كان بغير فمه .
وأمّا مستند مَن استثنى سؤر آكل الجيف من الطير من الطهارة فغير واضح ، اللهم إلّا أن يتمسك لذلك بما ذكر في الجلّال ، وقد عرفت ما فيه ، أو يُتمسك بما سيأتي من الدليل على استثناء سؤر ما لا يؤكل لحمه ، وستعرف ما فيه أيضا .
والخلاصة: أنّه لا إشكال في طهارة سؤر الجلال وسؤر آكل الجيَف .
وأمّا كراهة سؤر الجلال فقد يُستدل لذلك بثلاث روايات :
ولكنّها ضعيفة بالإرسال مضافًا إلى احتمال انصرافها إلى ما لا يُؤكل لحمه ذاتًا لا بالعرض .
الثانية: موثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد الله قال : ( سئِل عمّا تشرب منه الحمامة ، فقال : كل ما أُكِل لحمه ، فتوضأ من سؤره ، واشرب ؛ وعن ماء شرب منه باز ، أو صقر ، أو عقاب ، فقال : كلّ شيء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه ، إلا أن ترى في منقاره دمًا فإن رأيت في منقاره دمًا فلا توضّأ منه ، ولا تشرب )
[2]
.
وفيه: أنّ الاستدلال متوقّف على ثبوت المفهوم للوصف ، وقد عرفت أنّه لا مفهوم له ، فلا يدلّ على انتفاء الحكم عند الانتفاء ، وممّا يؤيّد أنّ السائل لم يفهم الانتفاء عند الانتفاء هو أنّه سأله بعد ذلك ( عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب ، فقال : كلّ شيء من الطير يتوضّأ من سؤره ) ، ولو كان الوصف دالّا على المفهوم لحصل التنافي بينهما .
الثالثة: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال : ( لا بأس أن تتوضّأ ممّا شرب منه ما يؤكل لحمه )
[3]
.
وفيه: أنّه متوقّف على ثبوت المفهوم للوصف ، وقد عرفت أنّه لا مفهوم له
قال المصنف: ( وأكل الجيف، مع الخلو عن النجاسة، والحائض المتهمة )
قد عرفت أنّه لا دليل لِمَن حكم بنجاسة سؤره ، وأمّا من ذهب إلى الكراهة فأيضًا لا دليل له ، إلّا أن يُدخله فيما لا يؤكل لحمه .
وفيه:
أوَّلًا: أنّ آكل الجِيف قد يكون مأكول اللحم .
وثانيا: قد تقدّم أنّه لا دليل على كراهة سُؤر ما لا يُؤكل لحمه .
هذا القيد يعود إلى آكل الجيف ، وإلى الجلال ، ويدلّ على هذا القيد ذيل موثّقة عمّار المتقدّمة إلّا أن ترى في مِنقاره دمًا ، فإن رأيت في مِنقاره دمًا فلا تتوضّأ منه ، ولا تشرب وهي ظاهرة جدًّا في دوران المنع مدار وجود عين القذر في مِنقاره ، فلو لم يكن في المِنقار قذر فلا بأس بسُؤره .
[1] - الوسائل باب 5 من أبواب الأسئار ح 2
[2] - الوسائل باب 4 من أبواب الأسئار ح 2
[3] - الوسائل باب 5 من أبواب الأسئار ح 1