< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/05/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ اشتباه المطلق بالنجس\ حكمه
 قال المصنف: ( بخلاف المشتبه بالنجس أو المغصوب )
 يقع الكلام هنا في مقامين :
 الأول: في الماء الطلق المشتبه بالنجس .
 الثاني: في الماء المطلق المشتبه بالمغصوب .
  أمّا بالنسبة للمقام الأوّل:
 فالمعروف بين الأعلام وجوب الامتناع عن الإنائَين ، فإن لم يجد ماءً غيرهما تعيّن عليه التيمم ، وفي "المدارك" هذا مذهب الأصحاب ، وفي "السرائر" بغير خلاف ، وفي "الجواهر" إجماعًا محصّلًا ومنقولًا في الخلاف ، والمعتبر ، وغيرهما .... .
  وفيه: إن كان المراد من الإجماع هو جواز التيمم في هذه الصورة لا تعيّنه فالمسألة حينئذٍ متسالَم عليها بين الجميع ، وإن كان المراد هو تعيّن التيمم فالإجماع المنقول غير حجّة كما عرفت ، لا سيّما أنّه يُحتمل أن يكون مدرَك المجمعِين الروايتين الآتيتين ، ومن هنا كان الأنسب الرجوع مباشرة إلى الروايتين ، لنرى مدى دلالتهما على ما ذهب إليه الأصحاب .
  الرواية الأولى: موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله في حديث ، قال : ( سئِل عن رجل معه إناءان ، فيهما ماء ، وقع في أحدهما قذر ، لا يدري أيّهما هو ، وحضرت الصلاة ، وليس يقدر على ماء غيرهما ، قال : يُهريقهما جميعًا ، ويتيمم ) [1] .
 الرواية الثانية: موثّقة سُماعة عن أبي عبد الله وهي مثلها [2]
 وعن العلّامة في "المنتهى" أنّ الأصحاب تلقّت هذين الحديثين بالقبول ، وعن المحقّق في المعتبر نسبتهما إلى عمل الأصحاب ، وقال المحقّق الهمداني ويدلّ عليه - مضافًا إلى النصّ والإجماع - قضاء العقل بحرمة المعصية ، ووجوب الاجتناب عن النجس الواقعي المعلوم بالإجمال ، المردد بين الإنائين ، فيجب التحرّز عن كلٍّ من المحتملين تحرّزًا من العقاب المحتمل
  وفيه: أنّ الحرمة هنا - أي حرمة استعمال الإنائين المشتبهَين - إن كانت هي الحرمة الذاتيّة فالحقّ معه ، إذ لا يجوز ارتكاب المعصية ، ولا يمكن للعقل أن يرخّص بارتكابها ، وهذا واضح .
  وإن كانت الحرمة تشريعيّة كما هو الانصاف فإنّ الأصل في كلِّ منهيّ عنه وإن كان هو الحرمة الذاتيّة لا التشريعيّة ، إلّا أنّه هنا بعيد جدًا أن يكون المراد منها الحرمة الذاتيّة ، بل لا يوجد عندنا من الحرمة الذاتيّة في العبادات المنهيّ عنها إلّا موردًا واحدًا ، أو موردَين ، على خلاف فيهما أيضًا ، أحدهما صلاة الحائض ، وإن كان الإنصاف عندنا أن الحرمة فيها حرمة تشريعيّة لا ذاتيّة .
 وبالجملة: فإن كان المراد من الحرمة هنا هي الحرمة التشريعيّة - كما هو الواقع - فيمكنه حينئذٍ أن يتوضّأ من كلٍّ منهما احتياطًا ، كما سيأتي توضيحه - إن شاء الله تعالى - وهذا لا تشريع فيه أصلًا .
 والخلاصة : أنّ ما ذكره المحقق الهمداني لم يُكتب له التوفيق
 وقال في "المدارك" - بعد أن ذكر رواية عمّار - : ( وهي ضعيفة السند بجماعة من الفطحية ، واحتجّ عليه في "المختلف" أيضًا بأنّ اجتناب النجس واجب قطعا ، وهو لا يتمّ إلّا باجتنابهما معا ، وما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب ؛ وفيه : نظر ، فإنّ اجتناب النجس لا يقطع بوجوبه إلّا مع تحققه بعينه ، لا مع الشكّ فيه ، واستبعاد سقوط حكم هذه النجاسة شرعًا - إذا لم يحصل المباشرة بجميع ما وقع فيه الاشتباه - غير ملتفت إليه ، وقد ثبت نظيره في حكم واجدِي المني في الثوب المشترك ، واعترف به الأصحاب في غير المحصور أيضا ، والفرق بينه وبين المحصور غير واضح عند التأمّل ، ويُستفاد من قواعد الأصحاب أنّه لو تعلّق الشكّ بوقوع النجاسة في الماء وخارجه لم ينجس الماء بذلك ، ولم يمنع من استعماله وهو مؤيَّد لما ذكرناه ).
  وفيه: أنّه غير موفّق في هذا الكلام على الإطلاق
 أمّا ما ذكره بالنسبة لرواية عمّار فلأنّ الرواية الموثّقة حجّة كالصحيحة ، كما هو معلوم ، فلا حاجة للإعادة ، وقد تقدمت عبارة "المنتهى" أنّ الأصحاب تلقّت هذين الحدَثين بالقبول
  وأمّا إشكاله على العلّامة ، من عدم القطع بوجوب الاجتناب عن النجس إلّا مع تحققه بعينه ، ففيه - بعد التسليم بوجوب الاجتناب عن النجس - : لا فرق في ذلك عند العقل بين العلم التفصيلي والعلم الإجمالي ، فإنّ العلم الإجمالي - كما هو محرّر في محلّه - منجِّز لإطرافه مع الشرائط المعتبرة ، سواء قلنا : إنّ العلم الإجمالي علّة تامّة للتنجيز ، كما ذهب إليه جماعة من الأعلام ، أم قلنا : إنّ التنجيز إنّما هو بعد تعارض الأصول في أطرافه ، وتساقطها ، كما هو المختار .
  وأمّا قوله : ( وقد ثبت نظير في حكم واجدي المني في الثوب المشترك ) ، ففيه : ما لا يخفى ، فإنّه يُشترط في تنجيز العلم الإجمالي أن تكون جميع أطرافه داخلة في محلّ الابتلاء ، فلو كان بعض الأطراف خارجًا عن محل الابتلاء ، بحيث لا يكون لجريان الأصل فيه أثر عملي ، فلا يكون العلم الإجمالي حينئذٍ منجّزا لما عرفت من أن تنجيزه متوقف على تساقط الأصول في أطرافه ، وهنا لا تتعارض الأصول لخروج الطرف الآخر عن محلّ ابتلائه فلا أثر عملي لجريان الأصل فيه ، وعليه فالأصل في حقّ كلّ منهما يجري بلا معارض .
 
 والحمد لله رب العالمين


[1] - الوسائل باب 8 من أبواب الماء المطلق ح14
[2] - الوسائل باب 8 من أبواب الماء المطلق ح2

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo