< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/04/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء المضاف\ لا يزيل الخبث
 إذا كان الماء مرًّا وإن لم يبلغ حدًّا يسلبه إطلاق اسم الماء ، لأنّ النبيذ في اللغة هو ما يُنبذ فيه الشيء ، والماء المرّ إذا طُرِح فيه تُميرات جاز أن يُسمّى نبيذًا ، ثمّ استشهد لهذا الحمل الأخير بخبر الكلبي النسّابة
 قال: ( أنّه سأل أبا عبد الله عن النبيذ ، فقال : حلال ، فقال : إنّا ننبذه فنطرح فيه العكر ، وما سوى ذلك ، فقال : شه شه ، تلك الخمرة المنتنة ، قال : قلت : جعلت فداك ، فأيّ نبيذ تعني ، فقال : إنّ أهل المدينة شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله تغيّر الماء ، وفساد طبائعهم ، فأمرهم أن ينبذوا ، فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له ، فيعمد إلى كفّ من تمر فيقذف به في الشن عمنه شربه ومنه ظهوره ، فقلت : وكم كان عدد التمر الذي في الكف ، فقال : ما حمل الكف ، قلت : واحدة أو ثنتين ، فقال : ربما كانت واحدة ، وربما كنت ثنتين ، فقلت : وكم كان يسع الشن ، فقال : ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى فوق ذلك ، فقلت : بأي الأرطال ، فقال : أرطال مكيال العراق ) [1]
 ولا يخفى أنّ هذا المقدار من التمر لا يخرجه عن كونه ماءً مطلقا ، وذكرنا هذه الرواية سابقا ، وقلنا : إنّها ضعيفة بكلا طريقيها :
  الأول: محمّد بن علي معلّى بن محمد ، والأوّل ضعيف ، والآخر غير موثّق .
  الثاني: بسهل بن زياد ، ومحمّد بن علي الهمداني ، كما أنّ عليًّا بن عبد الله الحنّاط مهمل .
 ثمّ إنّه ممّا يؤيّد أنّ المراد من بعض الصادقين في خبر عبد الله بن المغيرة غير المعصوم قوله : ( فإنّي سمعت حريزًا يذكر .... ) ، فإنّ الإمام لا يمكن أن يروي عن حريز ، اللهمّ إلّا أن يُقال : إنّ هذا كلام مستأنف من عبد الله ، لا أن يكون من تتمّة قول بعض الصادقين ، وأمّا ما ذهب إليه ابن أبي عقيل فقد يُستدل له برواية عبد الله بن المغيرة المتقدّمة ، وقد عرفت الجواب عنها ، والله العالم .
 قال المصنف: ( ولا يزيل الخبث خلافًا للمرتضى )
 المشهور بين الأعلام شهرة عظيمة أنّ المضاف لا يُزيل الخبث ، وفي "الجواهر" ( وهو المشهور نقلًا ، وتحصيلًا ، شهرة كادت تبلغ الإجماع ، بل هو الإجماع ... ) ، وخالف في ذلك السيد المرتضى والشيخ المفيد ، إلّا أنّ الظاهر انقراض الخلاف في هذا الزمن ، بل وفي الأزمنة السابقة ، وأمّا ما حُكي من مخالفة المحدّث الكاشاني في هذه المسألة فسيأتي الكلام عنها إن شاء الله في آخر المسألة ، وسوف نبين أنّ مراده شيء آخر ، وعن ابن أبي عقيل جواز التطهير بالمضاف عند الاضطرار .
  ومهما يكن فقد استُدل للمشهور بعدة أدلة :
 منها: ورود الأمر بغسل الثوب والبدن والإناء وغيرها بالماء في جملة من الأخبار :
 منها: خبر بريد بن معاوية عن أبي جعفر أنّه قال: ( يُجزئ من الغائط المسح بالأحجار ولا يُجزئ من البول إلّا الماء ) [2]
 وهو واضح في حصر الغسل بالماء ، ولكنّه ضعيف بالقاسم بن محمد الجوهري ، فإنّه غير موثق .
 ومنها: موثقة عمّار الساباطي عن أبي عبد الله ( أنّه سئِل عن رجل ليس عليه إلّا ثوب ، ولا تحلّ الصلاة فيه وليس يجد ماءا يغسله ، كيف تصنع ، قال : يتيمم ، ويصلي ، فإذا أصاب ماءًا غسله ، وأعاد الصلاة ) [3] وهي ظاهرة في انحصار تطهير الثوب بالماء ، ولو جاز التطهير بغيره لذكره ، لأنّه في مقام بيان جواب السائل
 عن عدم وجدانه الماء للغسل .
 ومنها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى قال: ( سألته عن رجل عريان ، وحضرت الصلاة ، فأصاب ثوبًا نصفه دم أو كلّه دم ، يصلّي فيه أو يصلّي عريانا ، قال : إن وجد ماءًا غسله ، وإن لم يجد ماءًا صلّى فيه ، ولم يصلِّ عريانا ) [4]
 وهي ظاهرة جدًّا في انحصار التطهير بالماء ، إذ لو جاز التطهير بغيره لبيّنه فلمّا أمره بالصلاة فيه مع عدم الماء علمنا أنّ غير الماء ليس بمطهّر ، وكذا غيرها من الأخبار الخاصة .
  إن قلت: هذه الأخبار واردة في موارد خاصة ، والمدّعى أعمّ من ذلك .
 قلت: أنه لا قائل بالفصل .
 إن قلت: إنّه يوجد عندنا أوامر كثيرة بالغسل وهي مطلقة ، حيث لم يقيّد الغسل بالماء ، فتشمل الغسل بالماء وبغيره من المائعات .
  قلت: أجاب جماعة عن ذلك بحمل المطلق على المقيّد .
  لا يقال: إنّه لا منافاة بين المطلق والمقيّد حتّى يُحمل المطلق عليه ، إذ ورد في بعضها الأمر بالغسل مطلقا ، وفي بعضها الأمر بالغسل بالماء ، وكلّ منهما موجب ، كما في قولك : أكرم العالم ، وأكرم العالم العادل .
  فإنّه يُقال:
 أوّلًا: إنّ الأمر بالغسل مطلقًا ليس على نحو الاستغراق لجميع أفراد الغسل ، بل على نحو العموم البدلي ، إذ المطلوب غسل واحد ، فإذا اتّحد المطلوب تحقّق التنافي ، كما في قولك : اَعتق رقبة ، واعتق رقبة مؤمنة ، فإنّ المطلوب واحد ، فيتحقق التنافي بينهما .
  وثانيًا: أنّ في بعض الأخبار المتقدّمة الآمرة بالغسل بالماء دالّة على الانحصار ، وعدم جواز الغسل بغيره ، فلا إشكال حينئذٍ .
  وقد يقال: إنّه لا حاجة لحمل المطلق على القيد ، لأنّ الغسل حقيقة شرعية في استعمال الماء ، فلا يطلق على غير الماء ، كما عن المصنّف ¬ في "الذكرى" ، حيث قال - في جواب أدلة السيد المرتضى - : ( والمطلق يُحمل على المقيّد ، ولأنّ الغسل حقيقة شرعية في استعمال الماء ) .
 ولا يخفى ما فيه ، فإنّ إثبات كون الغسل حقيقة شرعية في استعمال الماء دونه "خَرط القتاد" .
  ومنها: قوله تعالى : { وينزّل عليكم من السماء ماءً ليطهّركم به } .
  وجه الاستدلال: أنّه - تعالى - خصّ التطهير بالماء النازل من السماء ، فلا يكون غيره مطهّرًا ، لأنّه - تعالى - ذكر ذلك في معرض الامتنان ، فلو حصلت الطهارة بغيره كان الامتنان بالأعمّ أولى ، ولم يظهر للتخصيص فائدة .
  ومثلها يقال: في صحيح داود بن فرقد عن أبي عبد الله قال: ( كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض ، وقد وسّع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض ، وجعل لكم الماء طهورًا ، فانظروا كيف تكونون ) [5]
 فإنّه ظاهر في حصر التطهير بالماء ، لأنّه في معرض الامتنان .
  والجواب عنهما: ما ذكرنا سابقًا ، من أنّه يجوز أن يختصّ أحد الشيئين الممتنّ بهما بالذكر إذا كان أبلغ وأكثر وجودا وأعمّ نفعًا ، ومن المعلوم أنّ التخصيص بالذكر لا ينحصر في التخصيص بالحكم .


[1] - الوسائل باب 2 من أبواب المضاف ح 2
[2] -الوسائل باب 9 من أبواب المضاف ح 6
[3] - الوسائل باب 45 من أبواب المضاف ح 8
[4] - الوسائل باب 45 من أبواب المضاف ح 5
[5] - الوسائل باب 1 من أبواب الماء المطلق ح 4

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo