الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/04/11
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء المستعمل في رفع النجاسة\ حكمه مع عدم التغير
قال المصنف:
(وفي إزالة النجاسة نجس إن تغير ، وإلّا فنجس في الأولى على قول )
(وفي إزالة النجاسة نجس إن تغير ، وإلّا فنجس في الأولى على قول )
وأما الماء المستعمل في غسل الأخباث فلا إشكال في نجاسته مع التغيّر بأحد أوصاف النجاسة ، وفي "المدارك" ( أمّا نجاسته مع التغيّر فبإجماع الناس ، قاله في المعتبر ... ) ، ولا يخفى أنّ المسألة متسالم عليها بين الأعلام ؛ نعم يختصّ الحكم بالتغيّر بالنجاسة ، فلا تشمل ما لو تغيّر بالمتنجس كما تقدّم .
وأمّا إذا لم تتغيّر فقد اختلف الأعلام في حكم الماء المستعمل في إزالة النجاسة الحكميّة - بعد اتفاقهم ظاهرًا على نجاسته في النجاسة العينيّة - على أقوال كثيرة أنهاها بعضهم إلى تسعة ، ونحن نتعرض للأقوال التي ذكرها المصنّف رحمه الله ، ثمّ نذكر ما هو المختار .
القول الأوّل:
- الذي ذكره المصنف رحمه الله - : هو للشيخ في "الخلاف" ، حيث ذهب إلى النجاسة إذا كان من الغسلة الأولى دون الثانية ، في تطهير الثوب ، وأمّا الماء المستعمل في تطهير الآنية فليس بنجس عنده ، سواء كان من الأولى أو غيرها .
- الذي ذكره المصنف رحمه الله - : هو للشيخ في "الخلاف" ، حيث ذهب إلى النجاسة إذا كان من الغسلة الأولى دون الثانية ، في تطهير الثوب ، وأمّا الماء المستعمل في تطهير الآنية فليس بنجس عنده ، سواء كان من الأولى أو غيرها .
وقد استدل الشيخ رحمه الله في "الخلاف" على النجاسة إذا كان من الغسلة الأولى
أولا: بأنّه ماء قليل معلوم حصول النجاسة فيه ، فيجب أن يُحكم بنجاسته ،
ثانيا: وبما رواه عن العِيص بن القاسم ( قال سألته عن رجل أصابه قطرة من طشت ، فيه وضوء ، فقال : إن كان الوضوء من بول ، أو قذر ، فيغسل ما أصابه )
[1]
وزاد بعضهم في آخر هذه الرواية : ( وإن كان وضوء الصلاة فلا يضرّه ) .
واستُدل على عدم النجاسة في الغسلة الثانية
بأنّ الماء على أصل الطهارة ، والنجاسة تحتاج إلى دليل ، وبالروايات المتقدّمة في بحث طهارة ماء الاستنجاء .
واستُدل على أنّ الماء المستعمل في تطهير الآنية ليس بنجس ، سواء في الأولى أو غيرها
بأنّ الحكم بالنجاسة يحتاج إلى دليل ، وليس في الشرع ما يدلّ عليه ، وبأنّه لو حكم بالنجاسة لَمَا طهر الإناء أبدًا ، لأنّه كلّما غسل فما يبقى فيه من النداوة يكون نجسا ، فإذا طرح فيه ماء آخر نجس أيضًا ، وذلك يؤدّي إلى أن يطهر أبدا .
وفيه:
أمّا دليله الأوّل فقد استُفيد من مفهوم قوله في الروايات السابقة ( إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء )
[2]
ولكن قد ذكرنا سابقًا أنّ المفهوم موجبة جزئية ، أي إذا لم يكن الماء قدر كرّ ينجّسه شيء من النجاسات فليس له عموم أفرادي ، ولا إطلاق أحوالي ؛ نعم قد استفدنا العموم من بعض القرائن الخارجية ، حيث لا فرق بين أفراد النجاسات من حيث التنجيس .
وذكر الشيخ النائيني رحمه الله في علم الأصول أنّ السالبة الكلية وإن كان نقيضها موجبة جزئية عند أهل المعقول إلّا أنّ العرف يفهم أنّ نقيض السالبة الكليّة موجبة كليّة ، فمفهوم قوله : ( إذا كان الماء قدر كرّ لا ينجّسه ) هو أنّه إذا لم يكن قدر كرّ ينجّسه كلّ شيء فالعموم الأفرادي مستفاد من نفس القضية ، ولكنّك عرفت عدم صحّة هذا الكلام هناك ، فراجع .
وألحق المشهور بالنجاسات المتنجسات ، إذ كما أنّ النجس ينجّس كذلك المتنجِّس ينجّس ، ولكنّك عرفت في مبحث نجاسة الماء القليل أنّ الماء القليل لا ينفعل بملاقاة المتنجّس ، وذكرنا الدليل هناك ، فراجع .
ومهما يكن فإنّه لا إطلاق أحوالي ، بحيث ينجّس الماء القليل ، سواء كان غسالة أم لا ، وسواء كان واردًا على النجاسة أم لا ، وفي هذه الحالة يُؤخذ بالقدر المتيقن ، وهو فيما لم يكن الماء القليل في مقام إزالة الخبث ، ولم يكن واردًا على النجاسة ، فيحكم بنجاسته حينئذٍ ، وإلّا فلا .
وأمّا دليله الثاني فهو ضعيف السند بالإرسال ، وبالإضمار .
أما الإرسال
فقد أُجِيب عن عنه بأنّ الشيخ رحمه الله أخذ الرواية المذكورة من كتاب العِيص فإنّه نقل في "الفهرست" أنّ له كتابًا ، وطريقه في "الفهرست" إلى الكتاب المذكور حسن ، وقد صرّح أيضًا في كتابي الأخبار بأنّه إذا ترك بعض إسناد الحديث يبدأ في أوّل السند باسم الرجل الذي أُخِذ الحديث من كتابه ، وعليه
فربّما يكون نقله لها في الخلاف جاريًا على تلك القاعدة .
فربّما يكون نقله لها في الخلاف جاريًا على تلك القاعدة .
وفيه: أنّ مجرد احتمال أن يكون الشيخ نقلها من كتاب العيص لا يكفي ما لم نطمئنّ بذلك .
وأما الإضمار
فقد أجيب عن الإضمار أيضًا بأنّه غير قادح ، فإنّه ناشئ من تقطيع الأخبار ، وتبويبها .
وفيه: أنّه لا بدّ من الاطمئنان بأنّ العيص رواها عن الإمام ، وإلّا فمجرد تقطيع الأخبار ، وتبويبها ، لا يكفي في صحة إسنادها إلى الإمام ، كما أنّ جلالة الراوي لا تكفي ما لم يُعلم أنّه لا يروى إلّا عن المعصوم ، كزرارة ، ومحمد بن مسلم ، وأضرابهما .
وقد يُستشكل في دلالة الرواية أيضًا : باحتمال كون الأمر بالغسل لاشتمال ما في الطشت على الغائط ، والبول ، حيث كان المتعارف من أحوال بعض المرضى أنّه يُؤتى له بطشت ، فيبول فيه ويتغوط ، ويستنجى فيه .
وعليه
فلا تدل الرواية على نجاسة ما يُستعمل في التطهير الخالي عن النجاسة .
فلا تدل الرواية على نجاسة ما يُستعمل في التطهير الخالي عن النجاسة .
وفيه:
أوّلًا: أنّ الرواية مطلقة ، فلا تُعنَى بهذا الاحتمال ، لأنّ الوَضوء بفتح الواو - وهو اسم لِمَا يُتوضأ به ، أي يغسل به - كما يطلق في الأخبار على ماء الاستنجاء كذلك يُطلق على ما يغسل به الوجه واليدان ، بل سائر الجسد من نجاسة أو بدونها .
وثانيًا: أنّه لا ملازمة بين التغوط ، أو البول في الإناء ، وبين الاستنجاء فيه ، إذ كثيرًا ما يكون غسل البول ، وغيره ، بعد عدم بقاء عينه ، بحيث لا تكون نجاسته إلا حكميّة .
وقال المصنّف ¬ في "الذكرى" بعد خبر العيص : ( وهو مقطوع ، ويمكن حمله على التغيّر ، أو الندب ) .
وفيه: أنّ حمله على التغيّر خلاف الإطلاق ، كما أنّ حمله على الندب خلاف الظاهر ، يحتاج إلى قرينة ؛ نعم قد أجاد في كونه مقطوعًا .
ثمّ إنّه لو تمّ هذان الدليلان لدلّا على النجاسة في المرّة الثانية أيضًا ، فلا وجه للتخصيص بالغسلة الأولى
والحمد لله رب العالمين
[1] - الوسائل باب9 من أبواب الماء المضاف ح14 .
[2] - الوسائل باب9 من أبواب الماء المضاف ح1 و2 و5 و6 .