< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/04/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ المستعمل في الاستنجاء\ حكمه
 قال المصنف:

( والمستعمل في الاستنجاء طاهر ما لم يتغير أو تلاقه نجاسة أخرى ، وقيل هو عفو )

 المشهور بين الأعلام أنّ الماء المستعمل في الاستنجاء طاهر ، وقيل : إنّه نجس معفوّ عنه
 قال المصنّف رحمه الله في "الذكرى": ( وفي "المعتبر" ليس في الاستنجاء تصريح بالطهارة ، إنّما هو بالعفو ، وتظهر الفائدة في استعماله ، ولعلّه أقرب ، لتيقن البراءة بغيره ... )
  وظاهر المصنّف في "الذكرى" ( أنّه قائل بالعفو ) ، وكذا العلّامة رحمه الله في "المنتهى" .
  ثمّ إنّ ما نقله عن "المعتبر" يغاير ما هو الموجود
 قال في "المعتبر" : ( أمّا طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشيخين ، وقال علم الهدى في "المصباح" : لا بأس بما ينضح من ماء الاستنجاء على الثوب والبدن ، وكلامه صريح في العفو ، وليس بصريح في الطهارة ، ويدلّ على الطهارة ما رواه الأحول عن أبي عبد الله - ثمّ ساق الرواية الآتية ، ورواية عبد الكريم بن عتبة الهاشمي الآتية أيضًا ، ثمّ قال : - ولأنّ في التفصي عنه عسرًا فشُرّع العفو دفعًا للعسر ... ) .
  ومقتضى قوله ( ويدلّ على الطهارة ) هو اختيار الطهارة ، ومقتضى قوله : ( ولأنّ في التفصي عنه عسرًا فشرّع العفو ) هو اختيار العفو .
  وعليه فكلام المحقّق رحمه الله في "المعتبر" مضطرب ، ومن هنا اختُلف في نقل مذهبه ، ولعلّ المصنّف رحمه الله نظرًا إلى قوله : ( ولأنّ في التفصي ... ) فاستظهر منه القول بالعفو ، ومهما يكن فإنّ عبارة "المعتبر" ليست كما نقلها المصنّف في "الذكرى" ، ولعلّ النسخة عنده تختلف عن النسخ الموجودة اليوم .
  ثمّ إنّ معنى العفو عبارة عن أنّه نجس عفى الشارع عن ملاقيه بمعنى عدم سراية نجاسته إليه ، وإن شئت فقل : إنّه عفى عن بعض أحكامه ، دون البعض الآخر ، فبالنسبة إلى ذاته يعامل معه معاملة النجس ، فيحرم شربه ، ولا يجوز استعماله في إزالة الحدث والخبث ، ولكنّه لا يؤثّر في ملاقيه أصلًا ، فلو وقع منه شيء على الثوب أو البدن فلا نحكم بالنجاسة ، ولكنّ الذي يظهر من المصنّف في "الذكرى" أنّ العفو هنا إنّما هو بمعنى سلب الطهورية دون النجاسة ، وعليه فيجوز شربه ، ويستعمل في الغسل المستحب غير الرافع للحدث ، كما أنّه يجوز استعماله في وضوء الجنب ، والحائض ، ونحو ذلك ، ولا يخفى عليك أنّ تفسير العفو بسلب الطهورية بعيد عن الصواب .
  ومهما يكن فقد تسالم الأعلام على طهارة الملاقي لماء الاستنجاء ، وإنّما وقع الخلاف في أنّ طهارته هل هي لأجل طهارة ماء الاستنجاء ، أو لأجل تخصيص ما دلّ على منجسيّة النجاسات والمتنجّسات ، فماء الاستنجاء وإن كان في نفسه متنجّسًا إلّا أنّه لا ينجّس ملاقيه .
  ولا بدّ من ذكر الروايات الواردة في المقام ، لنرى ماذا يُستفاد منها ، وهي مستفيضة :
  منها: ما رواه الصدوق رحمه االله في "العلل" عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن يونس بن عبد الرحمن عن رجل من أهل المشرق عن العنزا عن الأحول ، قال: ( دخلت على أبي عبد الله ، فقال : سل عما شئت فارتجت عليّ المسائل ، فقال لي : سل ما بد لك ، فقلت : جعلت فداك الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي يستنجي به فقال : لا بأس به ، فسكت ، فقال : أو تدري لِمَ صار لا بأس ، قلت : لا ، واللهِ ، جعلت فداك ، فقال : لأنّ الماء أكثر من القذر ) [1] .
  والموجود في الوسائل هكذا : عن يونس بن عبد الرحمان عن رجل عن الغير ، أو عن الأحول ... إلخ ، ولكنّ الصحيح ما نقلناه عن "العلل" .
  ومهما يكن فالرواية ضعيفة بالإرسال ، وبجهالة العنزا ( العيزار ) ،
 وأمّا القول بأنّ يونس هو المرسل ، وهو من أصحاب الإجماع ،
 ففيه ما تقدّم من عدم قول مراسيل ابن أبي عمير فكيف بمراسيل يونس ، وغيره ، وذكرنا الوجه في ذلك في أكثر من مناسبة .
  ويُستفاد من ذيل الرواية أنّ ( الماء أكثر من القذر ) أنّ نفي البأس - الذي هو عبارة عن الطهارة - راجع إلى الماء المستعمل في الاستنجاء ، إذ لولا طهارة الماء لما صحّ تعليل نفي البأس عن ملاقيه بأكثريّته ، والأكثريّة توجب استهلاك القذر في الماء ، فلا يؤثّر في تنجيس الماء ، حتى يتنجّس به الثوب .
  والخلاصة أنّ هذه الرواية لولا ضعف سندها لكانت دالّة على طهارة ماء الاستنجاء .
 ومنها: حسنة الأحول - يعني محمد بن النعمان - قال: ( قلت : لأبي عبد الله أخرج من الخلاء فأستنجي بالماء ، فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به ، فقال : لا بأس به ) [2]
  والذي يظهر من هذه الحسنة أنّ الضمير في قوله : ( لا بأس به ) راجع إلى الثوب ، ومعنى نفي البأس عن الثوب هو عدم تنجّسه ، وعليه

فيكون ماء الاستنجاء مسكوتًا عنه .
  ومنها: صحيحة الأحول عن أبي عبد الله قال: ( قلت له: أستنجي ، ثم يقع ثوبي فيه ، وأنا جنب ، فقال : لا بأس به ) [3]
 وهي كالحسنة في رجوع الضمير إلى الثوب ، وتدلّ على عدم تنجّسه مع عدم تعرّضها لماء الاستنجاء .
 هذا إذا كان الاستنجاء مختصًّا بغير المني ، ويكون ذكر الجنابة إنّما لتوهم سراية النجاسة المعنوية الحدثية إلى الماء
  وأمّا إذا قلنا : إنّ الاستنجاء هنا من المني بقرينة قوله : ( وأنا جنب ) فتكون خارجة حينئذٍ عن محلّ الاستدلال .
  ومنها

: صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال: ( سألت أبا عبد الله عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به ، أينجّس ذلك ثوبه ؟ ، قال : لا ) [4]
 وهي ظاهرة جدًّا ، إن لم تكن صريحة في عدم تنجّس الثوب الملاقي لماء الاستنجاء ، وساكتة عن نفس ماء الاستنجاء .
  ثمّ إنّ هذه الروايات وإن دلت على عدم تنجس الثوب إلّا أنّه لا خصوصية للثوب ، فيُتعدى إلى غيره ، من باب تنقيح المناط القطعي .
  ثمّ إنّه لا يُعارض ما ذكرناه - من عدم تنجّس الثوب بملاقاته لماء الاستنجاء - ما رواه المصنّف رحمه الله في "الذكرى" ، وغيره ، عن العِيص بن القاسم قال: ( سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء ، فقال : إن كان من بول ، أو قذر ، فيغسل ما أصابه ) [5]
 وذلك لضعفه :
 

أوَّلًا: بالإضمار ، وبالإرسال .
  وقد أُجِيب عن الإرسال بأنّ الشيخ رحمه الله أخذ الرواية المذكورة من "كتاب العيص" فإنّه نقل في "الفهرست" أنّ له كتابًا ، وطريقه في "الفهرست" إلى الكتاب المذكور حسن ، وقد صرّح أيضًا
 في كتابي الأخبار بأنّه إذا ترك بعض إسناد الحديث يبدأ في أوّل السند باسم الرجل الذي أخذ الحديث من كتابه .
  وعليه

فربّما يكون نقله لها في الخلاف جاريًا على تلك القاعدة .
  وفيه: أنّ مجرد احتمال أن يكون الشيخ نقلها من"كتاب العيص" لا يكفي ما لم نطمئن بذلك.


[1] - الوسائل باب 13 من أبواب الماء المضاف ح1 .
[2] - الوسائل باب 13 من أبواب الماء المضاف ح4 .
[3] - الوسائل باب 13 من أبواب الماء المضاف ح5 .
[4] - الوسائل باب 13 من أبواب الماء المضاف ح5 .
[5] - الوسائل باب 9 من أبواب الماء المضاف ح 14 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo