الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/03/23
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر\ الأدلة
قال المصنف:
( وفي رفع الحدث الأكبر طاهر )
( وفي رفع الحدث الأكبر طاهر )
اِعلم أنّ المراد بالماء المستعمل في رفع الحدث هو الماء المنفصل من بدن المحدِث عند الاغتسال غُسلًا صحيحًا ، والظاهر أنّ المراد به المنفصل عن تمام بدنه ، وإلّا فلو وقع من عضو إلى عضو آخر مثل الرأس ، والجسد ، لا يكون بذلك مستعملًا .
وأمّا القول باختصاص المستعمل بالمنفصل ، بعد تمام الغسل ، فيكون المنفصل من غسل العضو غير مستعمل ، حتى يحصل التمام ، فهو في غير محلّه .
ويتفرّع على ما ذكرنا من كون المستعمل خاصًّا بالمنفصل أنّه لو بقيت لمعة لم يصبّها الماء جاز صرف البلل من العضو الآخر إليها ، لما عرفت من أنّه لا يكون مستعملًا إلّا بعد الانفصال عن البدن .
وقدِ اتضح ممّا ذكرنا اختصاص الحكم بالمستعمل في الغُسل الصحيح ، دون الفاسد ، لعدم رفع الحدث به ، ثمّ إنّ ما ذكرناه مبنيّ على عدم استهلاك المستعمل بالماء غير المستعمل ، وإلّا فمع الاستهلاك فلا مورد للنزاع .
إذا عرفت ذلك فنقول:
لا إشكال في طهارة المستعمل في رفع الحدث الأكبر ، وقدِ ادّعى جماعة كثيرة من الأعلام الإجماع على ذلك .
والظاهر أنّ هناك تسالُمًا بينهم ، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه ، كما لا إشكال في استعماله في إزالة الخبث ، للأصل ، والعمومات ، ولم أرَ من خالف في ذلك ، إلَّا ما حُكِي عن ظاهر "الوسيلة" من عدم رفع الخبث به ، ولا إشكال في ضعفه .
وممّا يدلّ أيضًا على طهارة المستعمل في الحدث الأكبر - مضافا للتسالم بينهم - الأخبارُ المستفيضة عن أهل البيت عليهم السلام :
منها: صحيحة الفُضيل قال : ( سئِل أبو عبد الله عن الجُنب يغتسِل ، فيُنتضح من الأرض في الإناء ، فقال : لا بأس ، هذا ممّا قال الله تعالى : " ما جعل عليكم في الدِين من حرج" )
[1]
ورواها الكليني
[2]
بأدني تغيير ، ولكنّها ضعيفة بطريق الكليني رحمه الله لأنّ محمد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني كثيرًا هو البندقي النيسابوري المجهول ، ووجوده في "كامل الزيارات" غير نافع ، لأنّه ليس من مشايخه المباشرين .
ومنها: صحيحة شهاب بن عبد ربّه عن أبي عبد الله أنّه قال: ( في الجُنب يغتسل ، فيقطر الماء عن جسده في الإناء ، فينُتضح الماء من الأرض ، فيصبّ في الإناء ، أنّه لا بأس بهذا كلّه )
[3]
.
ومنها: موثقة عمّار بن موسى الساباطي قال : ( سألت أبا عبد الله عن الرجل يغتسل من الجنابة وثوبه قريب منه ، فيصيب الثوب من الماء الذي يغتسل منه ، قال : نعم لا بأس به )
[4]
وكذا غيرها من الأخبار الكثيرة .
قال المصنف:
( وفي طهوريته قولان أقربهما الكراهية )
( وفي طهوريته قولان أقربهما الكراهية )
اِعلم أنّه لا إشكال في جواز رفع الحدث ثانيًا ، وثالثًا ، إذا كان الماء كثيرًا بالغًا حدّ الكرّ أو أكثر ، أو كان جاريًا ، وفي "الجواهر" ( الظاهر أنّ النزاع مخصوص في المستعمل إذا كان قليلًا ، أمّا لو كان كثيرا فلا ، بل قد يظهر من بعضهم أنّ المستعمل متى بلغ كرًّا ارتفع المنع منه ... )
وفي "الحدائق" ( هل يختص البحث في هذه المسألة والخلاف فيها بما كان قليلًا فقط ، أو يشمل الكثير أيضًا ؟ ، الظاهر من كلمات جمعٍ من الأصحاب - تصريحًا تارة ، وتلويحًا أخرى - هو الاختصاص بالقليل ... )
وفي كتاب الطهارة للشيخ الأعظم رحمه الله ( لا ينبغي الإشكال في الجواز في الماء الكثير وإن قلنا بالمنع في غيره ، لاختصاص دليل المنع بما يغتسل به ، لا فيه ، قال في "المعتبر" : ولو منع هنا لمنع ولو اغتسل في البحر ... )
أقول: استفاض نقل الإجماع على الجواز ، إلّا أنّ الإنصاف
أنّ هناك تسالُمًا بين الأعلام على الجواز ، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه ، ويدلّ عليه أيضًا سيرة المتشرّعة المستمرّة من زمن المعصوم ع إلى يومنا هذا .
أنّ هناك تسالُمًا بين الأعلام على الجواز ، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه ، ويدلّ عليه أيضًا سيرة المتشرّعة المستمرّة من زمن المعصوم ع إلى يومنا هذا .
ويكشف عن وجود هذه السيرة أسئلة السائلين عن حكم المياه المجتمعة التي يغتسل فيها الجُنب وجوابهم عليهم السلام بالصحة مطلقًا ، سواء اغتسل فيها جُنب قبل ذلك ، أم لا ، وهذا يكشف عن أن الاغتسال فيها كان متعارفًا عندهم .
ويدلّ على ذلك أيضًا بعض الأخبار :
منها: صحيحة صفوان بن مهران الجمّال المتقدّمة قال: ( سألت أبا عبد الله عن الحِياض التي ما بين مكة إلى المدينة ، تردها السباع ، وتلغ فيها الكلاب ، وتشرب منها الحمير ، ويغتسل فيها الجُنب ، ويتوضأ منها ، قال : وكم قدر الماء ، قال : إلى نصف الساق ، وإلى الركبة ، فقال : توضأ منه )
[5]
ومن المعلوم أنّ الماء في الغدران إذا بلغ نصف الساق ، أو الركبة ، يكون فوق الكرّ بكثير .
ومنها: صحيحة ابن بزيع المتقدّمة أيضًا قال: ( كتبت إلى مَن سألته عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء ، ويُستقى فيه من بئر فيستنجي فيه الإنسان من بول ، أو يغتسل فيه الجُنب ما حدّه الذي لا يجوز ؟ ، فكتب لا توضأ من مثل هذا ، إلّا من ضرورة إليه )
[6]
وقد تقدّمت المناقشة في كون المكتوب إليه مجهولًا وأجبنا عنها فراجع ، والاستدلال في هذه الصحيحة مبنيّ على عدم التفصيل بين الضرورة وغيرها .
وعليه
فيكون ذلك قرينة على كون النهي في قوله ع : ( لا تتوضأ ) محمولًا على الكراهة ، وكذا غيرها من الأخبار الكثيرة .
فيكون ذلك قرينة على كون النهي في قوله ع : ( لا تتوضأ ) محمولًا على الكراهة ، وكذا غيرها من الأخبار الكثيرة .
هذا كله فيما لو كان الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر كثيرًا أما لو كان قليلا فيأتي
[1] - الوسائل باب 9 من أبواب الماء المضاف ح 1
[2] - الوسائل باب 9 من أبواب الماء المضاف ح 5
[3] - الوسائل باب 9 من أبواب الماء المضاف ح 6
[4] - الوسائل باب 9 من أبواب الماء المضاف ح 11
[5] - الوسائل باب 9 من أبواب الماء المضاف ح 12
[6] - الوسائل باب 9 من أبواب الماء المضاف ح 15