< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/03/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء البئر\تغير ماء البئر
 كان الكلام فيما لو وجب نزح الجميع وتعذر قالوا يتراوح عليه أربعة رجال ليوم واستدلوا لذلك بالإجماع واستُدل أيضًا بموثقة عمّار - وهي العمدة في المقام - عن أبي عبد الله - في حديث طويل - قال : ( وسئُل عن بئر يقع فيها كلب ، أو فأرة ، أو خنزير ، قال : تُنزف كلها ، فإن غلب عليه الماء فليُنزف يومًا إلى الليل ، ثمّ يُقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين ، فينزفون يومًا إلى الليل ، وقد طهرت ) [1] .
 قال في "المدارك" : ( والرواية ضعيفة السند ، متروكة الظاهر ، متهافتة المتن ، ومع ذلك فموردها أعيان مخصوصة ، فلا تصلح مستندا لإثبات الحكم على وجه العموم ... ) [2] .
 أقول:
 أولا: لا وجه لرميها بالضعف إلّا لاشتمالها على جماعة من الفطحية ، ولكنّك عرفت أنّ هذا ليس سببًا مقنعًا بعد أن كانوا ثقات ، وقد ذكرنا في علم الأصول أنّ خبر الواحد الثقة حجّة ، خصوصًا في مثل عمّار الذي ادّعى الشيخ في "العدة" إجماع الإمامية على العمل بروايته ، ورواية أمثاله .
 ثانيا: وأمّا أنّها متروكة الظاهر ، من حيث إيجابها نزح الجميع للأمور المذكورة فيها ، مع أنّه مخالف لما عليه الأعلام ، فلا يضرّ ذلك بالعمل بالنسبة لسائر فقراتها ، كما نبّهنا على ذلك في أكثر من مناسبة ، وبالجملة فإنّ ذلك لا يضرّ بحجّتها .
  ثالثا: وأمّا ما ذكره من أنّ (موردها أعيان مخصوصة ) فقد عرفت أنّ خصوص المورد لا يخصص الوارد .
 رابعا: وأمّا قوله : ( متهافتة المتن ) ، من حيث إقحامه لفظة ( ثمّ ) بعد لفظة ( يقام ) بحيث يدلّ على وجوب النزح يومين ، ولم يقل به أحد .
  ففيه:
 

أوّلًا: أنّ المحقّق لم يُورد في "المعتبر" عند نقل هذه الموثقة كلمة ( ثمّ ) ، وكذا صاحب الوسائل .
 وثانيًا: يحتمل أن تكون ( ثمّ ) للترتيب الذكري ، لا الترتيب الخارجي ، ويحتمل أيضًا تقدير ( قال ) بعدها ، بل في بعض النسخ وجودها بعدها .
  والخلاصة أنّه لا إشكال في العمل بهذه الموثقة لا سيّما أنّ المشهور عمل بها.
 ثمّ إنّه ينبغي التنبيه على أمور :
  الأمر الأول: قد عرفت ممّا نقلناه من "الذكرى" المراد من اليوم ، لكن يُشكل على المصنّف - حيث اختار كون المراد منه هو يوم الصوم - أنّه لا يُجتزأ باليوم الذي يفوت من أوّله جُزء وإن قلّ .
  وهو بعيد ، بل ظاهر الموثقة هو اليوم المتعارف عليه عند الناس ، وهذا لا يضرّ بفوات مقدار يسير من أوّله .
  ثمّ إنّه لا يجب أيضًا تحري اليوم الأطول ، بل يكفي ما يصدق عليه اليوم ، وإن كان أقصر يوم في السنة ، نعم لا يكفي الليل ولا الملفق منه من النهار ، اقتصارًا على مورد النص .
 الأمر الثاني: المعروف بينهم أنّ النازح لا بدّ أن يكون رجلًا ، فلا يكفي النساء ، والصبيان ، والخناثى ، لأنّ القوم الوراد في الموثقة لا يشمل غير الرجال ، وقد نصّ جماعة من أهل اللغة على ذلك .
  قال الجوهري : ( القوم الرجال دون النساء ، وكذا غيره ) ، وممّا يؤيّد إطلاق القوم على الرجال ، دون النساء ، قوله تعالى : { لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء } [3] ، حيث قابل القوم بالنساء .
  وكذا قول زهير الشاعر :
 أقوم آل حصن أم نساء
 خلافًا للعلامة في التذكرة ، حيث قطع بإجزاء أربعة صبيان ، وأربع نسوة ، لصدق القوم عليهم ،
 ويؤيّده ما في القاموس .
 الأمر الثالث : المشهور بين الأعلام إجزاء ما فوق الأربعة .
 قال المصنف في "الذكرى" : ( الظاهر إجزاء ما فوق الأربعة ، لأنّه من باب مفهوم الموافقة ، ما لم يتصور بطء بالكثرة . أمّا الاثنان الدائبان فالأولى المنع للمخالفة ) [4] .
  أقول: ما ذكره من إجزاء فوق الأربعة في محلّه إلّا أنّه لإطلاق النص ، حيث لم يُقيَّد بالأربعة ، لا من باب مفهوم الموافقة ، كما ذكره المصنّف ، اللهمّ إلّا أن يكون نظر المصنّف إلى قوله : ( يتراوحون اثنين اثنين ) ، حيث فهم منه الاختصاص بالأربعة ، ولذا التجأ إلى مفهوم الموافقة .
  ولكن لا يخفى عليك ما فيه ، نعم يُفهم من الموثقة عدم الاجتزاء بالأقل من الأربعة وإن نهض الأقل بعد الأربعة ، خلافًا للعلّامة في "التذكرة" حيث استقرب إجزاء الاثنين القَويين إذا نهضا بعمل الأربعة .
  وفيه

أنّه مخالف لظاهر الموثقة .
 الأمر الرابع: قال ابن إدريس: ( وكيفية التراوح أن يُستقى اثنان بدلو واحد ، يتجاذبانه إلى أن يتعبا فإذا تعبا قام الاثنان إلى الاستقاء ، وقعد هذان يستريحان إلى أن يتعب القائمان ، فإذا تعبا قعدا وقاما هذان ، واستراح الآخران ، وهكذا ) [5] .
  وذكر الشهيد الثاني في "روض الجنان" ( أنّ أحد المتراوحين يكون فوق البئر يمتح بالدلو ، والآخر فيها يملؤه ... ) [6] .
 

أقول: بعد خلوّ النص عن كيفية التراوح يكون الإنصاف الرجوع في ذلك إلى ما هو المتعارف عند الناس ، والله العالم .
 
 


[1] - الوسائل باب23 من أبواب الماء المطلق ح1
[2] - مدارك الأحكام ج 1 ص 67
[3] - الحجرات آية 11
[4] ذكرى الشيعة ج 1 ص 90
[5] - السرائر ج 1 ص 70
[6] - روض الجنان ص 148

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo