الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/03/01
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء البئر\ موت الفأرة
الكلام كان بالنسبة لاغتسال الجنب وقلنا ما هو الإنصاف في المسألة فهل تلحق به الحائض ونحوها أم لا
قال المصنّف في "الذكرى" : ( إن جعلنا النزْح لاغتسال الجنب لإعادة الطهورية فالأقرب إلحاق الحائض ، والنفساء ، والمستحاضة ، به ، للاشتراك في المانع ، وإن جعلناه تعبّدًا لم تُلحق - ثمّ قال : - ولو نزل ماء الغسل إليها أمكن المساواة في الحكم ، للمساواة في العلّة ، أما القطَرات فمعفوُّ عنها قطعًا ، كالعفو عن الإناء الذي يغتسل منه الجنب )
[1]
، وهو جيد ، والله العالم .
قال المصنف:
( وللفأرة مع التفسخ ، أو الانتفاخ )
( وللفأرة مع التفسخ ، أو الانتفاخ )
هذا هو المشهور بين الأعلام ، وعن "الغُنية" دعوى الإجماع على نزح السبعة ، وعن "مصباح السيد" في الفأرة سبع ، ورُوي ثلاث ، وعن "المقنع" ( إن وقعت فيها فأرة فانزحْ منها دلوًا واحدًا ، وأكثر ما روي في الفأرة - إذا تفسّخت - سبع دلاء )
[2]
.
أقول: أمّا الإجماع المدعى فقد عرفت حاله ، والإنصاف هو الرجوع في المسألة إلى النبع الصافي وهو روايات أهل البيت - عليهم السلام - .
الأخبار
وهذه الروايات الواردة في المسألة كثيرة ، ومختلفة :
منها: صحيحة معاوية بن عمار قال: (سألت أبا عبد الله عن الفأرة ، والوزغة تقع في البئر ، قال يُنزح منها ثلاث دلاء )
[3]
.
ومنها: موثقة سُماعة قال : ( سألته عن الفأرة تقع في البئر ، أو الطير ، قال : إن أدركته قبل أن ينتن نزحت منها سبع دلاء )
[4]
وقد عرفت أن مُضمَرات سُماعة مقبولة .
ولكنّها ضعيفة بـ علي بن أبي حمزة البطائني ، وبجهالة القاسم بن محمد الجوهري .
ومنها: رواية أبي سعيد الْمَكاري عن أبي عبد الله قال:( إذا أوقعت الفأرة في البئر فتسلخت فانزحْ منها سبع دلاء )
[6]
قال في "الوسائل" : ( وفي رواية أخرى فتفسّخت ، وهي ضعيفة بأبي سعيد المكاري : هاشم بن حيان ، وبعثمان بن عبد الملك ، فإنّه مجهول .
ومنها: رواية أبي عيينة قال: ( سُئل أبو عبد الله عن الفأرة تقع في البئر ، قال : إذا خرجت فلا بأس ، وإن تفسّخت فسبع دلاء )
[7]
ولكنّها ضعيفة بجهالة أبي عيينة .
ومنها: صحيحة زيد الشحّام المتقدمة عن أبي عبد الله ( في الفأرة - إلى أن قال : - فإذا لم يتفسّخ أو يتغيّر طعم الماء فيكفيك خمس دلاء ، وإن تغيّر الماء فخذ منه حتى يذهب الريح )
[8]
.
ومنها: موثقة عمّار المتقدّمة عن أبي عبد الله قال : ( سُئل عن بئر يقع فيها كلب ، أو فأرة ، أو خنزير ، قال : تُنزح كلّها )
[9]
.
ومنها: صحيحة أبي خديجة عن أبي عبد الله قال: ( سُئل عن الفأرة تقع في البئر ، قال : إذا ماتت ، ولم تنتن ، فأربعين دلوًا ، وإذا انتفخت فيه ، أو نتنت ، نزح الماء كلّه )
[10]
وهي صحيحة لأنّ عبد الرحمان بن أبي هاشم الموجود في السند متحد مع عبد الرحمان بن محمد بن أبي هاشم الثقة ، كما أنّ أبا خديجة هو سالم بن مكرم الجمال الثقة .
منها: صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال: ( سألته عن فأرة وقعت في بئر ، فماتت ، هل يصلح الوضوء من مائها ؟ ، قال : انزح من مائها سبع دلاء - إلى أن قال : - وسألته عن فأرة وقعت في بئر فأخرجت ، وقد تقطعت هل يصلح الوضوء من مائها ، قال : يُنزح منها عشرون دلوًا ، إذا تقطعت ، ثمّ يتوضأ ولا بأس )
[11]
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لا قائل بالزيادة عن السبع ، فتكون الروايات الدالة على أكثر من ذلك ، كموثقة عمّار ، وصحيحة أبي خديجة ، الدالتين على نزح البئر كله ، وصحيحة علي بن جعفر الدالة على نزح العشرين ، مُعرض عنها عند جميع الأصحاب ، لا المشهور فقط ، وهذا يوجب سقوطها عن الاعتبار من هذه الجهة ، لما عرفت ومن هنا قال المصنّف في "الذكرى" : ( ففي السبع تمام الاحتياط ) ، إذ لو كان هناك قائل بالزيادة لما كان السبع تمام الاحتياط ، وأمّا الروايات الدالة على نزح السبع مع التفسّخ فهما روايتا أبي سعيد وأبي عيينة ، وقد عرفت أنّهما ضعيفتا السند .
ويبقى عندنا الروايات الدالة على نزح الثلاث ، والخمس ، والسبع ، مطلقًا ، وهي معتبرات ، ومقتضى الصناعة العلمية الاكتفاء بالثلاث ، وحمل الزائد على الاستحباب ، إذ لا يمكن التخيير بين الأقل والأكثر ، وممّا ذكرنا نعرف عدم صحّة ما ذكره المحقق في "المعتبر" فإنّه - بعد أن ذكر بعض الروايات المتضمّنة للثلاث مطلقًا ، والبعض المتضمن للسبع كذلك - قال : ( فتُحمل روايات الثلاث على عدم التفسّخ ، والسبع عليه ) ، واستشهد لذلك برواية أبي عيينة ، وأبي سعيد المكاري ، ثم قال : ( وضعف أبي سعيد لا يمنع من العمل بروايته على هذا الوجه ، لأنّها تجري مجرى الأمارة الدالة على الفرق ، وإن لم تكن حجّة في نفسها ) .
وفيه: أنّ الرواية التي يستشهد فيها للجمع بين الأخبار لا بدّ أن تكون حجّة في نفسها ، وقوله : ( إنها تجري مجرى الأمارة الدالة على الفرق ) لا معنى له . وبالجملة
إن شاهد الجمع إذا لم يكن مقبولًا في نفسه لا يصلح للجمع بين الأخبار المختلفة .
إن شاهد الجمع إذا لم يكن مقبولًا في نفسه لا يصلح للجمع بين الأخبار المختلفة .
بقي شيء في المقام هو أنّ الروايات الواردة في المسألة وردت بلفظ التفسخ ، وأمّا الانتفاخ فقد ورد ذلك في صحيحة أبي خديجة ، وقد عرفت أنّ كلّ الأعلام أعرضوا عنها ، والذي يهوّن الخطب أن الروايتين اللتين وردتا بنزح السبع مع التفسخ ضعيفتا السند ، فلا معنى للنزاع حينئذٍ .
[1] - ذكرى الشيعة ج 1 ص 101
[2] - المقنع ص 33
[3] - الوسائل باب 19 من أبواب الماء المطلق ح 2
[4] - الوسائل باب 18 من أبواب الماء المطلق ح 1
[5] - الوسائل باب 18 من أبواب الماء المطلق ح 2
[6] - الوسائل باب 19 من أبواب الماء المطلق ح 1
[7] - الوسائل باب 14 من أبواب الماء المطلق ح 13
[8] - الوسائل باب 17 من أبواب الماء المطلق ح 7
[9] - الوسائل باب 17 من أبواب الماء المطلق ح 8
[10] - الوسائل باب 19 من أبواب الماء المطلق ح 4
[11] - الوسائل باب 19 من أبواب الماء المطلق ح 14