< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/02/30

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء البئر\ وقوع الجنب في البئر
 كان الكلام لو وقع الانسان الجنب في البئر قلنا ينزح
 ثمّ إنّ النزْح هل هو لنجاسة البئر ، أم لسلب الطهورية ، أم تعبّد شرعي ؟
  ذهب الشهيد الثاني إلى الأوّل في "المسالك" ، وصرّح المحقق في "المعتبر" ، والعلّامة في "المختلف" بالثاني ، ويظهر من جماعة من الأعلام لا سيّما متأخري المتأخرين الثالثُ .
  وقد يُستدل لما ذهب إليه الشهيد الثاني بأمرين :
  الأمر الأول: الأمر بالنزح ، فإنّه ظاهر في الإرشاد إلى النجاسة .
  وفيه: أنّ الأمر بالنزْح أعمّ من ذلك ، إذ من المعلوم عدم انحصار سببه بالنجاسة ، ولذا ورد الأمر بالنزْح بموت العقرب ، والوزغة في البئر ، مع أن مِيتتهما طاهرة .
  أضف إلى ذلك أنّه لم نشترط الاغتسال للنزْح ، واخترنا سابقًا أنّ النزْح لمجرد الدخول ، والنول .
  وعليه

، فلو قلّنا إن ّالنزْح لأجل نجاسة البئر للزم أن يكون ماء البئر أسوء حالًا من القليل ، والمضاف ، لأنهما لا يُنجَّسان بدخول الجُنب فيهما بالاتفاق ، مع أنّ ماء البئر له خصوصية يمتاز بها عن كثير من المياه .
  وبالجملة

، فإنّه لا يمكن الحكم بالنجاسة إلا بدليل واضح ، يدلّ على أنّ ماء البئر ينجس بوقوع الجنب فيه ، الخالي بدنه عن النجاسة ، بل حتى لو دلّ الدليل على نجاسة البئر بوقوع الجُنب فيه ، ولم يصرّح بسبب النجاسة لحملناه على وجود النجاسة في البدن ، فينجس لأجل هذه النجاسة العارضة على البدن ، لا لأجل النجاسة الحُكمية .
  الأمر الثاني: الذي ذُكر دليلًا للشهيد الثاني قوله - عليه السلام - في صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة ( ولا تقعْ في البئر ، ولا تفسدْ على القوم ماءهم ) [1] .
 وفيه: ما تقدم من أنّ هناك عدة احتمالات للنهي عن الإفساد:
 الأول: الإفساد الذي يحصل من إثارة التراب ، ونحوه بسبب النزول .
 الثاني: خوف الموت إذا وقع فيها ، فيفُسد عليهم الماء .
 الثالث: احتمال أن يكون ذلك من جهة سلب طهورية الماء ، فيحصل الإفساد .
 الرابع: احتمال نجاستها ، بوقوعه فيها .
  ومع هذه الاحتمالات لا يبقَ الظهور الذي هو المناط في الحجية .
  والخلاصة: أنّ ما ذهب إليه الشهيد الثاني لم يُكتب له التوفيق ، وأمّا ما ذهب إليه المحقق ، والعلامة في "المختلف" من أنّ النزْح لسلب الطهورية ، فيَرد عليهما أنّ الأمر بالنزح أعمّ من ذلك .
  أضف إلى ذلك أنّ سلب الطهورية متوقف على تحقق الاغتسال ، وقد ذكرنا سابقًا أنّ النزْح لا يُشترط فيه الاغتسال ، بل يكفي فيه مجرد النول ، والوقوع في البئر .
  ثمّ لو تنزّلنا عن ذلك ، واشترطنا الاغتسال ، إلّا أنّ سلب الطهورية مبنيّ على أنّ الماء المستعمل في رفع الحدث رافع لطهوريته ، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - أنّ الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر، ومطهّر من الخبَث والحدَث .
  فالإنصاف هو القول الثالث ، أي النزح لأجل التعبد الشرعي ، فيكون مستحبًّا ، والله العالم .
  بقي الكلام في أنّه هل يرتفع حدث الجنابة بالغسل في البئر ، أم لا ؟ ، قد يقال : إنّه لا إشكال في ارتفاع الحدث ، بناء على كون النزح تعبديًّا ، وكذلك على القول بكون النزح لسلب الطهورية ، إذ لا يصير مستعملًا في الحدث الأكبر إلا بعد أن يتم الغسل ، فإذا تمّ سُلبت الطهورية .
  هذا

إذا كان الغسل ارتماسيا ، وأمّا إذا كان الغسل ترتيبيا فلا إشكال في صحة غسل الجزء الذي غسله قبل وصول ماء الغسل إلى البئر ، وأمّا بعد وصوله فإن كان هذا الخليط قليلًا غير قادح ، واعتقد أنّ الماءَ ، غيرَ المستعمل أوّلًا ، قد جرى عليه ، فلا إشكال في ارتفاع الحدث أيضًا ، وأمّا إذا كان الخليط قادحًا بأن كان ماء البئر قليلًا فيشكُل القول بارتفاع الحدث ، لكنّك عرفت أنّ سلب الطهورية إنّما تكون بعد إتمام الغسل لا قبله ، كما أنّ هذا الكلام متوقف على سلب طهورية المستعمل في رفع الحدث ، وقد عرفت ما هو الصحيح .
  هذا

كله على القول بكون النزح لسلب الطهورية ، وأمّا إذا قلنا بكون النزح للنجاسة ، فإن قلنا : إنّ الموجب للنجاسة تمام الغسل فحينئذٍ ارتفع حدثه ، وإن تنجس بدنه بعد ذلك ، فيكون المرتمس حينئذٍ ارتماسة واحدة يرتفع حدثه ، وينجس بدنه ، وإن قلنا : إنّ النجاسة تحصل بمجرد وصول ماء الغسل ، فلا يمكن ارتفاع الحدث حينئذٍ ، هذا غاية ما يمكن أن يُقال في المسألة .
  ولكنّ الإنصاف

أن يُقال - في غير الصورة الأخيرة - : إنّه لا موجب لبطلان الغُسل إلا النهي عن العبادة الموجود في صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة ، حيث ورد فيها ( ولا تقعْ في البئر ، ولا تفسِدْ على القوم ماءهم ) ، والنهي عنها يوجب الفساد ، كما تقرر في علم الأصول .
  ولكن أشكَل الشهيد - رحمه الله - في "روض الجنان" بأنّ النهي ليس ( عن العبادة ، بل عن الوقوع في الماء ، وإفساده ، وهو إنّما يتحقق بعد الحكم بطهر الجُنب ، لا بمجرد دخوله في البئر ، فلا يضرّ هذا النهي ، لتأخّره ، وعدم كونه عن نفس العبادة ) ، قال : ( إلّا أن يُقال الوسيلة إلى المحرم محرّمة ، وإن كانت قبل زمانه )
  وفيه

، أنّه لا معنى لتأخّر الإفساد عن الغسل ، وعدم كون النهي متعلقًا بالغسل ، لأنّ الإفساد عين الغسل ، نعم الفساد لا يكون مترتبا على الغسل ، ويحصل عقيبه .
  ثم لو سلّمنا أن الإفساد غير الغسل إلا أنّه لا يوجد بعد الغسل فِعْل يمكن توجه النهي إليه ، بل الموجود - كما عرفت - هو أثر ذلك الفعل ، وهو الفساد .
  وأمّا في الصورة الأخيرة ، فيكون الموجب للبطلان ، زيادة عن النهي عن العبادة ، هو نجاسة الماء ، نعم في صورة كون الموجب للنجاسة تمام الغسل يكون الموجب للبطلان منحصرًا بالنهي عن العبادة ، والله العالم .
 
 
 
 
 
 


[1] - الوسائل باب 14 من أبواب الماء المطلق ح 22

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo