< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

33/02/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء البئر\ موت الإنسان
 كان الكلام حول نزح سبعين دلو للإنسان واستدلينا على ذلك بموثقة عمار الساباطي
 ثمّ إنّه هناك بعض الأخبار تعارض موثقة عمار الساباطي :
  منها: خبر زرارة المتقدّم ( قال : قلت لأبي عبد الله - عليه السلام - : بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر ، قال : الدم والخمر والميت ، ولحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منه عشرون دلوا ... ) [1]
 منها: خبر محمد بن مسلم قال: ( أنه سأل ابا جعفر ع عن البئر يقع فيها الميتة فقال ان كان لها ريح نزح منها عشرون دلوا ) [2]
  وفيهما
  أوَّلًا: أنهما ضعيفا السند :
  أمّا الأول:

فلأنّ الظاهر أنّ المراد من نوح بن شعيب الوارد في السند هو الخراساني المجهول ، بقرينة رواية أبي إسحاق عنه ، والتي هي كنية إبراهيم بن هاشم ، ولو لم نسلم الظهور فيبقى مرددًا بينه وبين البغدادي الثقة ، وحيث لا مميّز في البين فيكون مجهولا ، أضف إلى أنّه ضعيف أيضًا بجهالة بشير الواقع في السند .
  وأمّا الثاني

فلأنّ في طريق "الصدوق" إلى محمدِ بن مسلم عليَّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه ، وهما غير مذكورين .
 وعليه

فالتعبير عن هذه الرواية بالحسنة كما عن "كشف اللثام" ، و"صاحب الجواهر" في غير محلّه .
  ثانيا: ما ذكره "العلّامة" في "المنتهى" من ( أنّ أصحابنا لم يعملوا بالعشرين ، فيكون الاستدلال بهما ساقطا )
 وفيه : ما قد عرفت من أنّ الاستدلال بهما ساقط لضعفهما ؛ نعم إعراض المشهور يزيدهما وهنًا .
  ثمَّ إنّ المشهور بين الأعلام عدم الفرق بين المسلم والكافر ، وخالف في ذلك "أبو علي" ، و"ابن إدريس" ، فأوجبا في الكافر نزح الجميع ، بناء على وجوبه بملاقاته حيًّا ، إذ لا نص فيه ، وحال الموت أشدّ نجاسة .
  قال "ابن إدريس": ( وأيضًا فقد ثبت بغير خلاف بيننا أنّ الكافر إذا نزل إلى ماء البئر ، وباشره ، وصعد منه حيًّا ، أنه يجب نزح مائها أجمع ، فأيّ عقل أو سمع ، أو نظر ، أو فقه ، يقضي أنه إذا مات بعد نزوله إليها ، ومباشرته لمائها بجسمه ، وهو حي ، فقد وجب نزح جميعها ، فإذا مات بعد ذلك ينزح سبعون دلوًا ، وقد طهرت ! ، وهل هذا إلا تغفيل من قائله ، وقلّة تأمل ، أتُراه عنده بموته انقلب جنسه ، وطهر ؟! ، ولا خلاف أنّ الموت ينجّس الطاهر ، ويزيد النجس نجاسة ... إلخ ) [3] .
  وفيه:
  أوّلًا: ما ذكرناه سابقًا من عدم ثبوت نزْح الجميع لما لا نص فيه .
 وثانيا: أنّ الإنسان الوارد في الموثّقة مطلق يشمل المسلم ، والكافر ، ودعوى الانصراف إلى خصوص المسلم في غير محلها .
  وعليه

، فهو ظاهر في ملاقاة الإنسان للبئر ، وهو حيّ ، ثمّ يموت فيها ، ومع ذلك اكتفى فيه بالسبعين ، فبدون الموت يكون كذلك بطريق أولى .
 وبالجملة

إن ما ذكره اجتهاد في مقابل النص ، أضف إلى ذلك أنّ أحكام الطهارة أو النجاسة أحكام تعبديّة لا يعلم ملاكاتها إلا الله سبحانه وتعالى ، فمن أين نعلم بالمساواة فضلا عن الأولوية ؟! .
  وأمّا قوله : ( ولا خلاف أن الموت ينجس الطاهر وزيد النجس نجاسة ) ، ففيه

ما قد عرفت من عدم تنجّس البئر ، فضلًا عن عدم الخلاف ، كما أنه لا معنى لزيادة النجاسة إن سلمناها .
  ثمَّ إنَّ "المحقق الكركي" و"الشهيد الثاني" ذهبا إلى الاكتفاء بالسبعين بالكافر ، إن وقع في الماء ميتًا ، لعموم النص ، وأوجبا نزح الجميع إن وقع حيًّا ، ثم مات لثبوت ذلك قبل الموت ، والموت لا يزيله .
  وفيه

ما لا يخفى ، فإنّ مورد موثقة عمار المتقدمة موت الإنسان ، وهي ظاهرة في ملاقاته للماء حيًّا ، لقوله - عليه السلام -: ( فيموت فيه ) ، وبما أنّ الإنسان مطلق فيشمل الكافر ، فيُكتفى حينئذٍ بالسبعين مطلقة .
  وعلى القول بالانصراف إلى المسلم فيجب نزح الجميع مطلقًا أيضًا ، بناء على وجوب نزح الجميع لما لا نص فيه ، وعلى كل حالٍ فالتفصيل في غير محله ، والله العالم .
 قال المصنف : (وخمسين للعذرة الرطبة ، وإن كانت مبخرة ، أو الذائبة ) .
 المراد بالعذرة فضلة الإنسان لما في "تهذيب اللغة" و"الغريب" و"مهذّب الأسماء" ، وقال المصنف - رحمه الله - في "الذكرى" : ( الظاهر أن العذرة فضلة الآدمي لأنّهم كانوا يلقونها في العذرات ، أي الأفنية ، وأطلقها "الشيخ" في "التهذيب" على غيره ففي فضلة غيره احتمال ... إلخ ) ؛ ثمَّ إنّ المراد بالذوبان تفرّق أجزائها في الماء ، وشيوعها فيه .
  ومهما يكن فالحكم بالخمسين هو المشهور بين الأعلام كما في "الذكرى" ، حيث قال : ( خمسون للعذرة الذائبة في المشهور ... إلخ ) ، وفي "المعتبر" ( إنّي لم أقف له على شاهد ... إلخ ) ، وأوجب "الشيخ" في "المبسوط" خمسين للعذرة الرطبة وعشرة لليابسة ، والشيخ "المفيد" في "المقنعة" أوجب عشرًا لليابسة ، وخمسين للرطبة أو الذائبة .
  وجعل المصنف في "الذكرى" ( عشرة ليابس العذرة .. إلخ ) .
 أقول: المستند في هذه المسألة رواية أبي بصير ، (قال : سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن العذرة تقع في البئر ، فقال : ينزح منها عشر دلاء ، فإن ذابت فأربعون أو خمسون دلوا ) [4]
  ولكنها ضعيفة بعبد الله بن بحر ، ومثلها رواية علي بن أبي حمزة [5] ، ولكنّها ضعيفة بعلي بن أبي حمزة ، وبجهالة القاسم بن محمد الجوهري .
  أضف إلى ذلك أنّ التخيير بين الأقل والأكثر غير معقول ، فيُحمل الزائد عن الأربعين على الاستحباب ، بناء على اعتبار الرواية .
  هذا ، إذا كان الترديد من الإمام - عليه السلام - ، كما هو ظاهر الرواية ، وإن كان الترديد من الراوي ، فذكر بعض الأعلام أنّه يتعيّن إرادة الخمسين لاستصحاب النجاسة ، وعدم حصول اليقين إلّا بذلك .
  وفيه: أنّ هذا الاستصحاب من استصحاب الحكم الكلي ، وقد عرفت الإشكال فيه .
  ثمّ إنّه مع قطع النظر عن كلّ ما ذكرناه فلا تعارضها صحيحة علي بن جعفر - عليه السلام - المتقدمة ، حيث سأله فيها ( عن بئرِ ماء وقع فيها زبيّل من عذرة رطبة يابسة أيصلح الوضوء ، قال : لا بأس ) [6] ، وذلك لأنّ الكلام على تقدير نجاسة البئر ، أو وجوب النزح تعبّدًا ، وإن لم ينجس .
  والصحيحة الأولى قد استُدل بها على طهارة البئر ، فبناء على القول بالنجاسة لا بدّ من طرحها ، أو تأويلها بأن يجمع بينها ، وبين رواية أبي بصير بالحمل على التقييد لأنّها مطلقة ، ورواية أبي بصير مقيِّدة لها .
 ويبقى الكلام في رواية كردويه المتقدمة أيضًا عن أبي الحسن - عليه السلام - ( في بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة - إلى أن قال : - يُنزح منها ثلاثون دلوًا ، وإن كانت مُبخِرة ) ، حيث أوجب فيها نزح الثلاثين للعذرة .
  وفيه: أنّه مضافًا لضعفها سندًا بجهالة كردويه ، قد يقال : إنّ ماء المطر ، المخلوط فيها، له أثر في تحقّق النجاسة فلا يتعدّى منها إلى غيرها، والله العالم .


[1] - الوسائل باب 15من أبواب الماء المطلق ح 3
[2] - الوسائل باب 22 من أبواب الماء المطلق ح 1
[3] - السرائر ج 1 ص 73
[4] - الوسائل باب عشرين من أبواب الماء المطلق ح 1
[5] - الوسائل باب عشرين من أبواب الماء المطلق ح 2
[6] - الوسائل باب 8 من أبواب الماء المطلق ح 8

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo