< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

32/12/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ التغير التقديري \ الأدلة
 
 لا زال الكلام في الأمر السادس وهو أنه هل يشترط التغير الحسي أم يكفي التقديري، وانتهى بنا الكلام إلى ما ذكره صاحب الحدائق رحمه الله من أن التغير الوارد في الروايات أخذ عنوانا ومشيرا إلى السبب الواقعي للنجاسة وهو غلبة النجاسة، فإذا كانت النجاسة غالبة فنحكم بها ولو لم يكن هناك تغيرا.
 فالتغير أخذ عنوانا ومشيرا وطريقا أصلا إلى العلة الحقيقية للنجاسة وهي غلبتها، لا أنه أخذ موضوعا للحكم، وجاء على ذلك بمؤيد هو ما ذكره المحقق الثاني رحمه الله وأنه لو لم يعتبر التقدير للزم أن نحكم بطهارة الماء حتى لو كانت النجاسة أكثر منه تقديرا بأضعاف.
 ويرد عليه
 أولا: هناك قاعدة لا بد من حفظها، وهي أن كل العناوين التي جاءت في الروايات تحمل جميعها على أنها موضوع للحكم إلا إذا ثبت بدليل أو بقرينة أنها أخذت طريقا ومشيرا إلى شيء آخر.
 فإذا قالت الرواية أن الغش حرام فالغش في نفسه حرام لا من باب أنه يلزم منه الكذب والخيانة ونحو ذلك وهكذا كل العناوين الذي جاءت في الروايات وحملها على أنها طريق ومشير لا يصح من دون دليل أو قرينة.
 وفي المقام هذا هو الحال فالتغير في الروايات أخذ موضوعا للحكم لا بما أنه طريق ومشير، واعتباره كذلك خلاف القواعد الموجودة عندنا، وإلا لم يبقى عندنا حجر على حجر لأن كل أحد يمكن أن يدعي أن العنوان الفلاني لم يتخذ موضوعا في الحكم.
 ثانيا: ثم إنني أسأل: هل هناك ملازمة دائما بين التغير وغلبة النجاسة؟ فقد يحصل التغير من دون غلبة النجاسة كما لو كان عندنا كر من الماء ووقع فيه شيء من الدم وغيره دون أن تغلب النجاسة على الماء ، فإذا لم يكن هناك ملازمة وكان وصفا مفارقا كيف جعلته مناطا للحكم بالنجاسة.
 أما ما ذكره من تأييد لمطلبه بما ذكره المحقق الثاني من أنه يلزم من ذلك عدم تنجس الماء حتى ولو كانت النجاسة أكثر من الماء بأضعاف وهو باطل فجوابه:
 أولا: إذا كانت النجاسة أكثر بأضعاف من الماء فإن سلبت الإطلاق عن الماء فلا يصح استعماله في التطهير وإن كنا لا نحكم بنجاسته، وإن لم تسلب عنه الإطلاق نحكم بجواز استعماله بناء على القواعد واستبعادك ليس دليلا والشريعة ليست مبنية على الأدلة وليس على الاستبعاد، إذا فالاستبعاد العرفي لا ينجسه.
 وعليه فالإنصاف لا بد لنجاسة الماء من التغير الحسي.
 يبقى مسألة هنا

وهي ما ذكره صاحب المدارك حيث قال : ( فرع: لو خالفت النجاسة الجاري في الصفات لكن منع من ظهورها مانع كما لو وقع في الماء المتغير بطاهر أحمر ثم وقع فيه دم، فينبغي القطع بنجاسته لتحقق التغير حقيقة،غاية الأمر أنه مستور عن الحس، وقد نبه على ذلك الشهيد في البيان) [1] .
 وفي الحدائق قال: ( أنه قطع به متأخروا الأصحاب من غير خلاف معروف في الباب ) [2] .
 أقول: لا بد هنا من التفصيل وهو:
 إذا كان الماء متلونا بمثل لون النجاسة كما في المثال الذي مر يستحيل انفعال أحدهما بالآخر لامتناع اجتماع المثلين إلا إذا كان لون الصبغة خفيف جدا ولون الماء شديد بحيث لما وقع الدم على الماء أصبح لونه أكثر شدة من الأول فهنا نعم ينجس الماء لحصول التغير الحسي وهو المناط.
 طبعا التغير الحسي عند العرف ولا نقول بالدقة العقلية لأنها غير معتبرة وإلا فالماء بالدقة العقلية يتغير حتى لو وقعت في الكر نقطة دم ليس أكثر.
 ومسألة أخرى

فصل المحقق الشيخ حسين الخونساري رحمه الله بين الصفات الذاتية والصفات العارضيةفقال بالانفعال بالصفات العارضية وبعدمه بالصفات الذاتية حيث فصل بين الصفات العارضة كما بالمصبوغ بطاهر أحمر فاعتبر فيه التقدير، وبين الصفات الأصلية كما في المياه الكبريتية فلا يعتبر فيه التقدير والتزم بعدم نجاسته.
 ويرد عليه:
  أن الدليل الذي دل على التغير إما أن يشمل الصفتين أو لا يشمل فمن أين أتيت بالتفصيل، فلا دليل على هذا وهو مجرد تحليل ونحن لا نأخذ بالتحليل ، وإذا كان الحال كذلك ينبغي العمل بمقتضى الدليل، ومقتضى الدليل ليس فيه فرق بين الصفات الأصلية والصفات العارضية.
 أيضا قالوا : لو ألقي في الماء الكثير مقدار من النجاسة مساوية للماء في الصفات كما إذا ألقي فيه مقدار من البول ففي هذه الصورة حيث لم يتغير الماء و شككنا في خروج الماء عن صفة الإطلاق قبل استحالة البول فيه مثلا، قالوا: نحكم بالطهارة لقاعدة الطهارة.
 بعضهم يقول نستصحب إطلاق الماء قبل أن يستحيل البول فيه، فيجوز حينئذ استعماله، إلا إذا استحال البول فنقول بإطلاقه إلى زمن الاستحالة. بعضهم قد يقول نستصحب بقاء البول إلى زمن خروجه عن الإطلاق، من الممكن أن يكون هذا معارضا بذاك فنرجع إلى قاعدة الطهارة، ففي كل الأحوال حينما نشك في إطلاق الماء نحكم بالطهارة.
 وهذا الأمر قد تبتلى به النساء عادة فلو شكت المرأة مثلا حين تطهير الثياب في إطلاق الماء لوجود رغوة فيه تستصحب إطلاقه.
 هذا تمام الكلام في هذه المسألة.
 
 
 
 


[1] مدارك الأحكام ج 1 ص 38
[2] الحدائق الناضرة ج 1 ص 184

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo