< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

32/12/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ التغير اللوني \تحقق النجاسة \ الأدلة
 استدلوا على أن التغّير باللون موجب للنجاسة بالنبوي المشهور ، نقله صاحب الوسائل عن المحقق في المعتبر والسرائر لابن إدريس، وهي: ( خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه ) [1]
  وهو متفق على روايته بحسب السرائر، وعن ابن أبي عقيل أنه متراتر عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، وفي الذخيرة أن عمل الأمة بمدلوله وقبلوه أيضا.
 والرواية من حيث المدلول واضحة ولا تحتاج إلى نقاش، لكن الكلام في سند الرواية، فهي رواية ضعيفة. أما القول بتواترها فأين هو هذا التوار؟
 والقول بأن الحديث متفق عليه، وأن الأمة عملت بمدلوله فهذا تهويل والإنصاف أن الرواية مرسلة ولا يمكن الاستناد إليها.
 (نعم ذكرنا في السابق صحيحة شهاب ابن عبد ربه.)
 قال: البعض أن السر في عدم تعرض الكثير من الأخبار للتغيّر اللوني هو وجود ملازمة بين التغيّر الريحي والطعمي وبين التغير اللوني، فلم يحتاج الشارع إلى ذكره.
 بعضهم استدل على أن التغيّر اللوني موجب للنجاسة باطلاقات نجاسة الكثير بالتغير،حيث إن مقتضى الاطلاق يشمل التغيّر اللوني.
 وإلى هنا نقول أن النجاسة تثبت بالتغيّر اللوني.
 الأمر الرابع:
  معروف بين الأعلام أنه يشترط أن يكون التغير بأوصاف النجاسة دون أوصاف المتنجس.
 فلو كان عندنا دبس متنجس، فوقع في الماء فتغير لونه بلون الدبس، فإن هذا الماء غير محكوم بالنجاسة عند أغلب العلماء ، وحكي عن الشيخ في المبسوط بنجاسة الماء أيضا فيما لو تغير لونه بأوصاف المتنجس، قيل وربما ظهر من العلامة في التحرير موافقته على ذلك، قال ويحتمله كلام المعتبر.
 لكن إنصافا لم يظهر لا من عبارة الشيخ ولا من عبارة العلامة أن الماء ينجس بتغيره بأوصاف المتنجس، وكذلك بالنسبة للمحقق في المعتبر.
 ومن هنا يمكن القول أن هناك تسالم بين العلماء بعدم نجاسة الماء بتغيره بأوصاف المتنجس، بل يمكن القول بعدم وجود مخالف في المقام.
 ولذا قال صاحب الجواهر أنه يمكن استنباط الإجماع عند التأمل على عدمه، أي على عدم تنجس الماء بأوصاف المتنجس.
 وخلاصة الكلام لا دليل على تنجس الماء بأوصاف المتنجس لأن الروايات المذكورة خصصت المسألة بأوصاف النجاسة فالتعدي منها إلى أوصاف المتنجس يحتاج إلى دليل.
 قيل لا نحتاج إلى التعدي وإلى تنقيح المناط، بل عندنا روايتان يظهر منهما أنه إذا تغير الماء بأوصاف المتنجس ينجس أيضا.
 الرواية الأولى: فهي النبوي المتقدم، الذي جاء فيه (... إلا ما غير لونه...) ، وهو مطلق فيشمل التغير بأوصاف المتنجس كما التغير بأوصاف النجس.
 لكننا قلنا أن الرواية ضعيفة، فإن قلت أن المشهور عمل بها قلنا:
 أولا: عمل المشهور عندنا ليس جابرا.
 ثانيا: لو سلمنا جدلا بالكبرى، فالمشهور لم يعمل بها حتى يكون عمله جابرا لها بل أعرض عنها.
 ثم إن التغير منصرف إلى التغير بأوصاف النجاسة، لأنك تلاحظ في الروايات وفي لسان العرف أن هذا الاستعمال إنما هو في النجاسة وقلما يستعمل في المتنجس مما يوجب الانصراف إليه.
 الرواية الثانية: فهي صحيحة ابن بزيع المتقدمة عن الرضا عليه السلام حيث ورد فيه: ( ... ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأن له مادة) [2] .
 الشاهد فيها قوله: "لا يفسد شيء إلا أن يتغير ريحه أو طعمه"وهو مطلق وليس مختصا بأوصاف النجاسة.
 والجواب في المقام أن هذا الاستعمال منصرف إلى خصوص النجاسة، بل هناك قرينة على ذلك وهي أنه قال ينزح حتى يطيب طعمه، والمتنجس قد يكون فيه رائحة طيبة كالدبس مثلا، فالذي يكون رائحته نتنة وطعمه كريه هو النجاسة عادة، مما يشكل قرينة في المقام.
 إذا لا يوجد دليل على هذا المدعى، وما جئتم به من رواية لا يدل على ما ذهبتم إليه ولذلك الإنصاف يقتضي القول بالطهارة لا النجاسة.
 تبقى مسألة وهي تغير الماء بأوصاف النجاسة في ضمن المتنجس، كما لو تنجس الماء القليل بالدم حتى تغير لونه فصار أصفرا مثلا ثم لاقى الكثير فتغير لون الكثير بذلك، فهل ينجس الكثير أم لا؟
 قالوا: ينجس للروايتين السابقتين.
 لكن، أما الرواية الأولى لا يمكن الاستدلال بها لضعفها.
 نعم الرواية الثانية يمكن الاستدلال بها لأن التغير المذكور فيها يشمل التغير بالنجاسة وبالمتنجس المتغير بها.
 ولا يقال هنا أنه منصرف لأن هذا المتنجس المتغير بالنجاسة صار حاله حال النجاسة في ما خص نتانة الطعم وكراهة الريح.
 وعليه فلو تغير الماء الكثير بالماء المتنجس المتغير بأوصاف النجاسة ينجس خلافا للكثيرين.
 الأمر الخامس:
  ذهب الأعلام إلى أن التغير لا بد أن يكون مستندا إلى وقوع النجاسة فيه، فلو تغير بعض أوصاف الماء بالمجاورة لم ينجس، كما لو تغير الماء بالمجاورة ببعض أوصاف الجيفة مثلا فلا ينجس.
 فلا دليل على أنه يجنس بل هناك تسالم على ذلك بين العلماء، قال صاحب الجواهر: ( فلو تغيرت أحد أوصاف الماء بالمجاورة لم ينجس ، ولعله لا خلاف فيه بل مجمع عليه للأصل بل الأصول والعمومات ، ولا شمول في النبوي المتقدم ونحوه لظهور تبادره في الملاقاة كما هو واضح ) [3]
 أضف إلى ذلك أن أكثر الأخبار وردت في خصوص ملاقاة الماء لعين النجاسة، وبعضها وإن كان ظاهره مطلقا لكنه منصرف للملاقاة.
 الأمر السادس:
 هل يعتبر أن يكون التغير حسيا أم يكفي التقديري؟ وهذه مسألة مهمة: فهل يشترط فعلية التغير أم يكفي التقديري حين توافق الماء والنجاسة بالصفات بحيث لو كانت النجاسة بصفات أخرى لظهرت وتغير الماء بها؟
 المشهور بين الأعلام الأول أي اشتراط التغير الحسي، حيث ذكروا أن الماء إذا كان على صفاته الأصلية وكانت النجاسة مسلوبة الأوصاف لم يؤثر في نجاسة الماء وإن كثرت النجاسة، ونسبه المصنف في الذكرى إلى ظاهر المذهب، وكذا الشهيد الثاني في الروض. ونقل عن العلامة القول الثاني في كتبه أي كفاية التقديري، وتبعه ابن فهد في موجزه، ورجحه المحقق الثاني في شرح القواعد، ونفى عنه البعد الشيخ البهائي في الحبل المتين ، والصحيح هو القول الأول وهو أنه يشترط التغير الحسي.
 الأدلة
 أولا: الظاهر من الروايات أن المناط هو التغير والمتبادر من التغير هو التغير الفعلي لأن العناوين المأخوذة في لسان الأدلة ظاهرة في الفعلية عرفا.
 إن قيل: إن التغير أخذ طريقا للموضوع في الواقع، والمؤثر في الواقع في الماء ليس التغير وإنما غلبة النجاسة عليه والتغير كاشف عن غلبة النجاسة فكان طريقا إلى المؤثر الواقعي.ولا يقال إن سبب النجاسة هو التغير ، بل الغلبة هي السبب والعلة والتغير طريق لها كاشف عنها، وعليه فالتغير بما هو تغير لا مدخلية له في النجاسة، وإنما الذي ينجس غلبة النجاسة على الماء وهي حاصلة حتى في الوسط التقديري، وقد ذهب إلى ذلك صاحب الحدائق رحمه الله الشيخ يوسف البحراني حيث قال: ( ويمكن أن يقال : إن التغير حقيقة في النفس الأمري لا فيما كان محسوسا ظاهرا ، فقد يمنع من ظهوره مانع ، كما اعترفوا به فيما سيأتي مما إذا خالفت النجاسة الجاري في الأوصاف لكن منع من ظهورها مانع ، فإنهم قطعوا هناك بوجوب التقدير ، استنادا إلى أن التغير حصل واقعا وإن منع من ظهوره مانع ، والمناط التغير في الواقع لا الحسي ، والفرق بين الموضعين لا يخلو من خفاء . ويؤيد ذلك أن الظاهر أن الشارع إنما ناط النجاسة بالتغير في هذه الأوصاف لدلالته على غلبة النجاسة وكثرتها على الماء واقعا ،) [4]
 وللكلام تتمة تأتي إن شاء الله


[1] الوسائل باب 1 من أبواب الماء المطلق ح9
[2] الوسائل باب 3 من أبواب الماء المطلق ح12
[3] - جواهر الكلام ج 1 ص 83
[4] - الحدائق الناضرة ج 1 ص 182

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo