< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

32/11/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ طهارة الماء القليل المتمم كرا \الأدلة \
 كان الكلام في مسألة إتمام الماء القليل النجس كرا.
 الخلاصة بعد أن تكلمنا كثيرا في هذه المسألة وبناء على عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي - لأنه يتعارض استصحاب المجعول مع استصحاب الجعل
 نقول:
 تارة نتمم الماء القليل النجس بماء طاهر وأخرى بماء نجس وثالثة بعين النجاسة وهذه المسألة قد انتهينا منها. ففي حال كان المتمِم طاهرا يبقى على طهارته لأننا نذهب إلى عدم انفعال الماء القليل بالمتنجس وإنما ينفعل بالنجاسة فقط إذا ليس عندنا مشكلة في المتمِم -.
 وأما المتمَم فإما أن يمتزج بالماء الجديد المتمِم، وإما أن يتصل به فقط. إذا حصل الامتزاج فهناك قاعدة عندنا تقول أن الماء الواحد في سطح واحد لا يختلف حكمه في الطهارة والنجاسة. وبما أن الماء المتمِم طاهر نحكم بطهارة الجميع، وأما استصحاب النجاسة فبعيد.
 أما إذا تممناه بالماء المتنجس - فيكون لدينا ماء متنجس متمم بماء متنجس -، هنا وبما أن استصحاب النجاسة لا يجري في المقام - لما ذكرناه من التعارض بين استصحاب النجاسة واستصحاب عدم جعل النجاسة الذي ينتج عنه تساقط الاستصحابين معا- نرجع إلى أصالة الحل فنحكم بطهارة الماء.
 إذا الماء القليل المتنجس حكمه الطهارة إذا بلغ كرا سواء تمم بماء نجس أو بماء طاهر.
 أما إذا تممنا الماء القليل المتنجس بعين النجاسة، وصار كرا وهذا الفرض الثالث فر منه العلماء فلم يشاؤوا التعرض إليه إلا القليل منهم -، فأضفنا إليه إبريق من البول مثلا فتممه كرا طبعا الكلام هنا في ما لو لم يتغير الماء بأوصاف النجاسة الثلاثة وإلا فمن الواضح أنه محكوم بالنجاسة حينئذ -:
 أيضا في هذه الصورة نذهب إلى الطهارة بناء على المبنى الذي نحن عليه من عدم جريان الاستصحاب في الحكم الكلي، لماذا؟ لأننا أيضا نشك في طهارة الماء بعد ما تمم كرا، ولا يمكن في المقام استصحاب النجاسة (المستصحب ) لأنه معارض باستصحاب عين النجاسة فيتعارضان ويتساقطان فنرجع إلى أصالة الطهارة.
 ولذا لولا الاستيحاش من الانفراد لذهبت إلى القول بالطهارة عملا، لكن هذا الاستيحاش خصوصا وأن المسألة فيها حساب وكتاب دعاني إلى القول بالاحتياط الوجوبي في مقام العمل رغم أن حكمه الطهارة وفق الأصول والقواعد.
 هذا تمام الكلام في ما لو تمم الماء القليل كرا.

 الآن انتقل الشهيد رحمه الله إلى مسألة الماء الراكد الكثير وهي مسألة عويصة وفيها كلام كثير
  قال الماتن : " وثانيها : الواقف الكثير وهو ما بلغ ألفا ومائتي رطل ، أو ثلاثة أشبار ونصفا في أبعاده الثلاثة ، أو ما ساواها في بلوغ مضروبها ، ولا ينجس إلا بتغير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة تغيرا محققا لا مقدرا ، ويطهر بما مر ، ولو تغير بعضه وكان الباقي كرا طهر بتموجه ، وإلا نجس . ولا فرق بين مياه الحياض والآنية وغيرهما على الأصح " [1]
 وهنا مسألتان: بيان الكر من حيث الوزن ومن حيث المساحة، ثم كيف نوفق بين الكر الوزني والكر المساحتي.
 أولا: من المعروف أن للعلماء في تحديد الكر طريقان: الوزن والمساحة.
 أما الوزن: فالمشهور بينهم قديما وحديثا انه ألف ومائتي رطل، وفي الحدائق: أنه لا خلاف بينهم في هذا المقدار. وظاهر المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى أنه متفق عليه. وفي الجواهر أنه إجماع منقولا، بل محصلا وسنة.
 لكن حكي عن الراوندي وهو شيء غريب حكي عنه في تحديد مجموع مساحة الكر أنه قال: ما بلغ مجموع أبعاده الثلاثة عشر أشبار ونصف ليس المضروب بل المجموع -، وإذا كان هذا النقل صحيح يكون أقل بكثير مما حدد به الكر وزنا، وهو في غير محله على كل حال.
 وقد اختلفوا في تعيين الرطل هنا - طبعا الاختلاف في الرطل العراقي والرطل المدني وليس في الرطل المكي-، اختلفوا في تعيين الرطل فهل هو العراقي أو المدني؟
 الرطل العراقي وزنه مئة وثلاثون درهما، وهو ثلثا الرطل المدني، فالرطل المدني مئة وخمسة وتسعون درهما.
 إن قلت من أين عرفت أن الرطل العراقي أقل من الرطل المدني؟ نقول: استفدنا ذلك من روايتين بالإضافة إلى السيرة -:
 أولا: خبر جعفر ابن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: " كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام على يد أبي فقلت له: جعلت فداك إن أصحابنا اختلفوا في الصاع بعضهم يقول : الفطرة بصاع المدني ، وبعضهم يقول : بصاع العراقي ، قال : فكتب إلي : الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي ، قال : وأخبرني أنه يكون بالوزن ألفا ومأة وسبعين وزنة" [2] .
 إذا الرطل العراقي ثلثا الرطل المدني لأن الصاع بالمدني ستة أرطال وبالعراقي تسعة أرطال. وبما أن الصاع ثلاثة كيلو فيكون الرطل العراقي ثلث كيلو والرطل المدني نصف كيلوا.
 لكن هذه الرواية ضعيفة لعدم وثاقة جعفر ابن إبراهيم ابن محمد الهمداني.
 ثانيا: عن بعض أصحابنا ، عن محمد بن عيسى ، عن علي بن بلال قال : كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الفطرة وكم تدفع ؟ قال : فكتب عليه السلام : ستة أرطال من تمر بالمدني ، وذلك تسعة أرطال بالبغدادي " [3]
 وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال
 مهما يكن فما هو المراد بالرطل بالكر الوزني حينما يقولون أنه ألف ومائتا رطلا -؟ فهل المراد الطل العراقي أو الرطل المدني؟
 المشهور بين الأعلام أن المراد هو الرطل العراقي.
 منهم الشيخ في النهاية والمبسوط، والشيخ المفيد في المقنعة. وذهب جماعة من الأعلام إلى أنه مدني منهم السيد المرتضى في المصباح، والشيخ الصدوق في الفقيه.
 قبل أن نستدل على أنه ألف ومائتان نسأل ما هو دليلهم على ما ذهبوا إليه من أنه بالمدني أو أنه بالعراقي؟ -بعد الاتفاق على أنه ألف ومائتان وليس أقل
 أما من قال بأنه رطل عراقي - وهو المشهور بين العلماء-، فقد استدلوا بعدة أدلة:
 الدليل الأول : مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال:" الكر من الماء الذي لا ينجسه شيء ألف ومائتا رطل " [4] .
 فقد استفاد العلماء من عدة نقاط جعلت من هذه الرواية دليلا عندهم على أن المراد بالرطل هنا الرطل العراقي.
 أولا: الراوي ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا، وهو كوفي، وبالتالي المقصود من أصحابنا هنا الكوفيين.
 ثانيا: إن عرف المخاطب مقدم على عرف المتكلم حال الدوران. فصحيح أن الإمام بالمدينة والرطل في عرفهم أي في عرف أهل المدينة غيره في عرف أهل العراق، لكن عرف المخاطب مقدم على عرف المتكلم عند الدوران، لذلك قالوا أن المراد بالرطل هنا الرطل العراقي.
 ويرد عليه :

  أولا: من قال أن عرف المخاطب مقدم على عرف المتكلم، فلا دليل عليه!
 ثانيا : من قال أن الإمام سلام الله عليه حينما تكلم كان في المدينة فلعله كان في مكان آخر
 فإن قلت: حتى لو سلمنا بأن عرف المتكلم غير مقدم وأن الإمام لم يكن في المدينة، لكن هناك انصراف لأنه شائع بين الناس أن المراد بالرطل حين استعماله هو العراقي.
 قلت : أفرض أنه شائع بين الناس، فهذا انصراف خارجي لا قيمة له ولا يضر بالإطلاق.
 قالوا: عندنا بعض الروايات أيضا تشير إلى هذا الأمر.
 الدليل الثاني: عن سماعة بن مهران ، عن الكلبي النسابة ، أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن النبيذ ، فقال : ( حلال ، فقال : إنا ننبذه فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك ، فقال : شه شه تلك الخمرة المنتنة ! قلت : جعلت فداك فأي نبيذ تعني ؟ فقال : إن أهل المدينة شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تغير الماء وفساد طبائعهم ، فأمرهم أن ينبذوا ، فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له ، فيعمد إلى كف من تمر فيقذف به في الشن فمنه شربه ومنه طهوره . فقلت : وكم كان عدد التمر الذي في الكف ؟ قال : ما حمل الكف ، فقلت : واحدة أو اثنتين ؟ فقال : ربما كانت واحدة ، وربما كانت اثنتين . فقلت : وكم كان يسع الشن ماء ؟ فقال: ما بين الأربعين إلى الثمانين ، إلى ما فوق ذلك فقلت: بأي الأرطال؟ فقال : أرطال مكيال العراق " [5] وجه الدلالة: قالوا: قبل أن يسأل السائل عن أي الأرطال لم يوضح الإمام المراد بالرطل بل أطلق الكلام مع أنه عليه السلام كان يريد بالرطل الرطل العراقي، وهذا يدل على أن المراد بالرطل حين إطلاقه الرطل العراقي.
 وإلا لو لم يكن يراد بالرطل حين إطلاقه الرطل العراقي لاقتضى الحال عدم الإطلاق في كلام الإمام بل لا بد له حينئذ من تعيين مراده!
 سند الرواية :
 لكن هذه الرواية رواها الكليني رحمه الله بطريقين كلاهما ضعيفان.
 الأول ضعيف بمحمد بن علي، كما أن معلىّ بن محمد غير موثق.
 والطريق الثاني فيه سهل بن زياد ومحمد بن علي الهمداني، كما أن علي بن عبد الله محمد الخمار مهمل.
 إذا هذه الرواية لا يمكن الاعتماد عليها، وإنما يمكن أن تكون مؤيدة ليس إلا.
 الدليل الثالث: صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( و الكر ستمائة رطل ) [6] .
 قطعا المراد هنا هو الرطل المكي، لأن الرطل المكي ضعفي الرطل العراقي، فيكون الستمائة رطل مكي ألفا ومائتي رطل عراقي. ولو حملناه على الرطل المدني يصبح تسعمائة رطل بالعراقي فيكون أقل من ألف رطل، وليس عندنا كر أقل من ألف رطل فيتعين أن يكون المراد بالرطل هنا الرطل المكي.
 وبناء عليه تكون صحيحة محمد بن مسلم قرينة على أن المراد بالرطل في البين الرطل العراقي، وهي قرينة واضحة.
 الدليل الرابع :
 خبر حماد بن عثمان قال: ( الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر ) [7] .
 قالوا علمنا بدليل خارجي - أن الماء إذا كان دون الألف ومائتا رطل عراقي يقذر بالنجاسة، أما الأف ومائتا رطل - عراقي وما فوق من الماء فلم نعلم ذلك فيبقى داخلا تحت عموم " الماء كله طاهر ".
 وهذا الاستدلال فيه ما فيه:

 أولا: بالنسبة للسند فالرواية ضعيفة بجهالة جعفر بن محمد، وكذلك هناك طريق آخر رواه الصدوق في الفقيه مرسلا وهو ضعيف بالإرسال. نعم عندنا رواية موثقة هي موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (الوسائل الباب 37 من أبواب النجاسات ح4) قال:
 كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك شيء.
 موثقة عمار معروفة والفقهاء يستدلون فيها في الشبهة الحكمية
 هنا " كل شيء لك طاهر ..." تشمل الألف ومائتا رطل، علمنا أن الأقل من ألف ومئتي رطل عراقي ينجس أما الألف ومائتي رطل لم نعلم فلا ينجس.
 هنا عندي كلام (التفت): كي نعلم إن كان هذا الكلام صحيحا أو غير صحيح علينا الرجوع إلى علم الأصول.
 أن تقول أن علمنا أن الأقل من ألف ومائتي رطل ينجس. وهذا غير موجود في الروايات، الموجود في الروايات هو أن الماء إذا لاقى نجسا ينجس، كما دلت عليه الأخبار الكثيرة من غير تقييد بالماء القليل.
 هذا العام خصص بمخصص منفصل مجمل دائر بين الأقل والأكثر، خصص بالكر.
 إذا فكل ماء ينجس إلا الكر والكر مجمل فرد دائر بين الأقل المدني وهو القدر المتيقن والأكثر وهو ما يشمل العراقي، فكيف نتعامل مع هذا التخصيص وهل إجمال الخاص يصل إلى العام؟ وكيف يكون ذلك؟ هذا ما سنوضحه غدا إن شاء الله.


[1] الدروس ج 1 ص 118
[2] - الوسائل الباب السابع من أبواب إذا كان كرا ح1
[3] - الوسائل الباب السابع من أبواب زكاة الفطرة ح 2
[4] - الوسائل الباب الحادي عشر من أبواب الماء المطلق ح1
[5] - الوسائل الباب الثاني من أبواب الماء المضاف ح 2
[6] - الوسائل الباب الحادي عشرمن أبواب الماء المطلق ح3
[7] - الوسائل الباب الأول من أبواب الماء المطلق ح1

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo