< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

32/11/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطهارة \ طهارة الماء القليل بالكر\الأدلة \
 لا زال الكلام في الدليل الأول على طهارة الماء القليل المتنجس، قلنا أن هذا الدليل يقرر بخمسة وجوه.
 الوجه الخامس:
 صحيحة محمد ابن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السلام قال: (ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأن له مادة ) [1]
 تقريب الاستدلال
 أولا: تدل هذه الرواية على أن ماء البئر لا ينجس بالملاقاة
 ثانيا: كلمة واسع يراد منها واسع الحكم أي لا ينفعل بالملاقاة وليس المراد منها الكثير وإلا لم يعبر بأن له مادة
 ثالثا: التعبير بأن له مادة يجعل الحكم يشمل غير ماء البئر وهذا هو مورد الشاهد في الصحيحة لأنه عندنا قاعدة أصولية تقول أن العلة تعمم وتخصص مثلا تقول لا تشرب الخمر لأنه مسكر ، فعمّمت، أي أن كل مسكر يكون حرام ، وفي موردنا، يقول ماء البئر واسع ... لأن له مادة، فمعنا أن كل ما له مادة فهو واسع. العرف يقول أن العلة هنا عممت وقد بحثنا هذا في الأصول.
 فبناء عليه في هذه الصورة، صحيح أن صحيحة ابن بزيع واردة في ماء البئر لكننا نعممها إلى الجاري والنابع وغيرهما ولذلك فوائد كثيرة.
 الدليل الثاني: مرسلة الكاهلي
 عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الكاهلي ، عن رجل ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) - في حديث - قال: قلت : ( يسيل علي من ماء المطر أرى فيه التغير ، وأرى فيه آثار القذر ، فتقطر القطرات على ، وينتضح علي منه والبيت يتوضأ على سطحه ، فيكف على ثيابنا ؟ قال : ما بذا بأس ، لا تغسله كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر) [2]
 
 أولا: هذه الرواية من جهة السند ضعيفة لأنها مرسلة
 ثانية: من جهة الدلالة ما المراد من قوله ع "كل شيء يراه ماء المطر طهر" هل المراد وقوع الماء عليه وماء المطر لا يقع على جميع الماء النجس، يقع على شيء منه، إلا إذا قلنا أن مجرد إصابته تكفي، كما ينقل الشهيد الثاني عن بعض العلماء، أنظر ماذا يقول الشهيد الثاني رحمه الله، قال حكا الشهيد الثاني في الروض روض الجنان قال في الروض وكان بعض من عاصرناه من السادة الفضلاء يكتفي في تطهير الماء النجس بوقوع قطرة واحدة عليه، إذا سقطت قطرة واحدة من السماء طهر كل شيء نجس، ثوب نجس، الفراش يطهر...، ثم علق الشهيد، قال: وليس ببعيد، لكن العمل على خلافه.
 لكن هذا بعيد إنصافا، بعيد أن يحصل التطهير بقطرة واحد.
 فهذه الرواية إنصافا لا يمكن الاستناد إليها، لكن عندنا بعض الروايات - التي لم أذكرها هنا وستأتي في مبحث ماء المطر قد يستفاد منها أن ماء المطر معتصم بنفسه فلا ينفعل بمجرد الملاقاة ما دام يتقاطر من السماء، وأيضا هو يطهر، إن شاء الله سنتعرض لذلك عما قريب حيث هناك روايتان أو ثلاثة سنأتي على البحث فيها وهي غير هذه الرواية، لكن العمدة عندهم هي هذه الرواية مرسلة الكاهلي.
 الدليل الثالث والرابع:
  قالوا: اتصاله بالنابع والجاري، نحن ان شاء الله قريبا لما نشرع في مبحث الماء الجاري بعد أن ننتهي من بحث الكر ، نفصل هناك ما المراد من الجاري، ثم الفرق بينه وبين ماء البئر وماء العيون.في هذه الأيام في قرانا يوجد في كل قرية عين، فهذه العين ماذا تسمى في الشرع، هي غير البئر مثلا، غير الجاري والنابع، هذا سنتحدث عنه بالتفصيل،إن شاء الله عندما نصل إليه.
 فشاهد الحال، قالوا: إذا اتصل القليل بالماء النابع والجاري يطهر أيضا. لماذا؟ لأن الماء النابع معتصم لا ينفعل بالملاقاة، الماء الجاري كذلك لكن بعضهم قال بشرط دوام النبع، أي يكون له مادة، وإلا لا يوجد دليل على اشتراط كون الماء فيه كرا، عندنا دليل على أنه لا بد لها من مادة، نبع، المراد بالمادة الكر المجتمع بالمياه، ولعله يترشح من الأرض شيئا فشيئا من عروق الأرض ما يدريك؟ وعادة هكذا، لا يكون تحت الأرض نبع هو أكثر من كر متجمع ثم يخرج إلى الخارج، ممكن، أنا لا أقول لا يمكن من أين نعلم، قد يكون هذا الماء يترشح من عروق الأرض شيئا فشيئا. ولذا الجزم بأن المادة كر غير ممكن.
 على العموم الماء النابع والجاري إذا اتصل بالماء القليل يطهره، إن قلت بامتزاج أو بغير امتزاج، نقول: صحيحة ابن بزيع المتقدمة قالت لأن له مادة، وهذه لا يشترط فيها الامتزاج، فالإنصاف الدليل الثالث والرابع يدل على تطهير القليل إذا اتصل بالنابع والجاري.
 هذا تمام الكلام في هذه المسألة، ثم انتقل الشهيد رحمه الله برحمته الواسعة إلى مسألة أخرى، قال:
 (ولا يطهر بإتمامه كرا سواء كانا نجسين أو أحدهما على الأقوى) [3] .
 قلنا أن الماء القليل يطهر بإلقاء الكر عليه أو باتصال ماء المطر به أو باتصاله بالنابع والجاري، فهل يطهر بإتمامه كرا؟ أفرض أن الماء القليل متنجس فتممناه كرا فهل يطهر بتتميمه كرا، سواء كان المتمم طاهرا أم نجسا أم لا؟ اختلف الأعلام في هذه المسألة ذهب كثير منهم إلى عدم طهارته بإتمامه كرا، سواء تممناه بنجاسة أو بمتنجس أو بطاهر، منهم المحقق في المعتبر وفي الشرائع، والعلامة في جملة من كتبه، والمصنف رحمه الله هنا وفي الذكرى، والشيخ في الخلاف، مع تردده في المبسوط، في الخلاف قال: أنه لا يطهر إذا تممناه كرا، بينما تردد في المبسوط، ونسبه المحقق الكركي إلى المتأخرين يعني ذهب المتأخرون إلى أنه لا يطهر، ونسبه الشيخ الأنصاري في طهارته إلى المشهور، وأيضا ممن ذهب إلى ذلك صاحب الجواهر والمحقق الهمداني، والمحقق الخونساري والسيد محسن الحكيم في المستمسك عليهم الرحمة جميعا.
 في المقابل ذهب جماعة من الأعلام إلى القول بالطهارة، وأنه إذا تمم كرا يطهر. منهم السيد المرتضى وابن البراج و سلار الديلمي ويحي ابن سعيد صاحب الجام ونسبه المحقق الكركي لأكثر المحققين، - القول الأول نسبه المحقق الكركي إلى المتأخرين وهنا نسبه إلى المحققين ومختار ابن ادريس في السرائر ولم يفرق هناك بين كونه متمما طاهرا أو نجسا، وحكا المصنف في الذكرى عن بعض الأصحاب اشتراط كون المتمم الذي يتمم الماء النجس - طاهرا ، ونسب ذلك إلى ابن حمزة في الوسيلة.
 إنصافا لم أر من صرح بالاكتفاء بالإتمام بالنجاسة كالبول ونحوه، وإن كان من حيث الصناعة العلمية قد يؤدي الدليل إلى الطهارة لكن أنا لم أر من صرحا تصريحا أنه إذا تم بعين النجاسة ابريق من البول مثلا فهو يؤدي إلى طهارة.
 أنا رأيت شيئا، من يذهب إلى تطهيره بالمتمم، ينبغي أن لا يكون لديه فرق بين أن يكون المتمم ماء طاهر أو متنجس أو عين النجاسة لأن الدليل واحد، إما أن يذهب إلى النجاسة أو الطهارة، وسآتي على ذكر هذا إن شاء الله.
 طبعا يجب أن نرى الأدلة، أدلة من ذهب إلى الطهارة، أدلة من ذهب إلى النجاسة.
 أدلة الطهارة
 أما من ذهب إلى الطهارة، فقد استدل بأدلة عدة
 الدليل الأول: ما حكاه السيد المرتضى رحمه الله برحمته الواسعة، أو ما حكي عن السيد المرتضى بأن البلوغ يستهلك النجاسة فيستوي ملاقاتها قبل إلقاء كر وبعد هذا.
 عجيب ما يقوله السيد مرتضى رحمه الله، يقول أنه إذا بلغ كر استهلكت النجاسة، وإذا استهلكت النجاسة يكون حاله حال ما لو وقعت النجاسة بعد الكر، اذا وقعت النجاسة بعد الكر لا ينجس يقول الأمر نفسه قبل الكر في ما لو استهلكت النجاسة.
 هذا الكلام إنصافا أنا لم أكن أترقب صدوره من السيد مرتضى ، لماذا؟ لأن هذا قياس، يقول بأنه إذا استهلكت النجاسة فلا فرق في الطهارة قبل الكر وبعده. يعني سبق لنا سيدنا أن تعلمنا من عندك أن القياس نفر منه فرار الغنم إذا شد عليه الذئب. هذا أولا:
 ثانيا: هناك فرق إذا كان الماء كثيرا ثم عرضت النجاسة فكثرته تكون قاهرة للنجاسة، أما إذا كان الماء قليلا فكيف يطهر؟ قد يكون الماء مقهورا. فهناك فرقا بينهما، حتى في الخارج فضلا عن الدليل الشرعي.
 فهذا الدليل الذي ذكره السيد المرتضى لم يكتب له فيه التوفيق.
 الدليل الثاني: لولا الحكم بالطهارة مع بلوغ الماء كرا لما حكم بطهارة الماء الكثير إذا وجدت فيه نجاسة لإمكان صبه على كثرته، يقول السيد المرتضى نحن لو لم نحكم بطهارة الماء القليل النجس إذا تمم كرا، لوقعنا في إشكال قوي، وهو: لو رأينا ماء كثيرا وفيه نجاسة، أفرض كان عندنا النقيع والغدران يجتمع فيها الماء، ورأينا فيها النجاسة والماء كرا -، أنتم ماذا تحكمون على هذا الماء، تقولون طاهر، لماذا؟ فعلى مبناكم يحتمل أن تكون النجاسة قبل الكرية، لا أنها وقعت بعد الكرية، فكيف حكمتم على هذا الماء بأنه طاهر مع احتمال حدوث النجاسة قبل بلوغ الكر.
 والجواب: سيدنا إنما حكمنا بالطهارة لا لهذا السبب وإنما لشيء آخر حاصله أننا نطبق الأصول، - قلنا أن دراسة الأصول ليس محبة به وإنما لأجل تطبيقه على الفقه، لذا قنا أن الأصول مبدأ تصديقي لعلم الفقه، نقول في هذه الصورة، عندنا أمران حادثان: ملاقاة النجاسة، وحدوث كر، كلاهما مسبوق بالعدم، حتما لم يكن كرا ولم يكن نجسا، والآن رآينا كرا فيه عين النجاسة، هنا يوجد خلاف حاصله، بعضهم يقول: استصحاب عدم حدوث الكرية إلى زمن الملاقاة فنحكم بالنجاسة، بعضهم قال: استصحاب عدم حدوث الملاقاة إلى زمن الكري فنحكم بالطهارة، كل منهما مسبوق بالعدم فاستصحاب عدم حدوث الكرية إلى زمن الملاقاة يعارضه استصحاب عدم حدوث الملاقاة إلى زمن الكرية.
 هنا يقول صاحب الكفاية رحمه الله: إن كلا الاستصحابين هنا لا يجريان في حد ذاتهما، لكن لا لأجل التعارض، بل لأنه يشترط في الاستصحاب اتصال زمن الشك باليقين وهنا لم نحرز الاتصال، فإذا لم نحرز الاتصال يكون لدينا شبهة، إذا كان لدينا شبهة وهي شبهة مصداقية -، لا يشمله لا تنقض اليقين بالشك. لماذا لم يحرز هنا؟ يقول لأن عندنا يقينا سابقا بالملاقاة ويقينا بالكرية، فكيف استصحب عدم حدوث الملاقاة وعندي يقين بالكرية فلعله فاصل بين العدمين، وكيف استصحب الكرية وعندي يقين بالملاقاة فلعل هو الفاصل.
 نحن سابقا قلنا أن هذا الكلام في غير محله، قلنا أن المهم عندنا أن يتصل زمن المشكوك بزمن المتيقن، هذا، وهنا زمن المشكوك متصل بزمن المتيقن، ليس المهم أن يتصل زمن الشك بزمن اليقين، المهم أن يتصل زمن المشكوك بزمن اليقين، يعني لم يكن بين المشكوك والمتيقن يقين أجنبي.
 الطالب: لا ننظر إلى عامود الزمان.
 الشيخ: الزمن لا بد منه، زمن المتيقن والمشكوك، فيكون زمن المشكوك متصل بزمن المتيقن، وعليه إنصافا زمن المشكوك متصل، لماذا، أنا على يقين بعدم حدوث الملاقاة في السابق فأشك إلى زمن حدوث الكرية فأستصحب العدم، أيضا أنا على يقين بعدم حدوث الكرية ... فأستصحب العدم، إذا كل منهما متصل بالآخر.
 الإنصاف أن الاستصحاب يجري هنا لكنه يتعارض، هذا الاستصحاب: عدم حدوث الكرية إلى زمن الملاقاة معارض باستصحاب عدم حدوث الملاقاة إلى زمن الكرية، وإذا تعارضا تساقطا.
 فما العمل هنا، نحن قلنا أن الفقيه لا يتحير أبدا، الفقيه هو دليل المتحيرين، وبناء عليه عندهم قاعدة: الطهارة: كل شيء لك طاهر...، وحتى على مبنى صاحب الكفاية يجري نفس الكلام، إذا لم يجري الاستصحاب فهناك قاعدة الطهارة، فنقول سيدنا نحن عندما حكمنا بالطهارة لا من باب أنه لو لم يتمم كرا لا يمكن الحكم بالطهارة وإنما من باب آخر.
 على العموم إنصافا نحن نقول استصحاب عدم حدوث الكرية إلى زمن الملاقاة يعارضه استصحاب عدم الملاقاة إلى زمن الكرية، يتعارضان يتساقطان فنرجع إلى قاعدة الطهارة. لذلك إنصافا هذا الدليل الثاني الذي استدل به السيد المرتضى على طهارة الماء المتمم كرا، حاله حال الدليل الأول لم يكتب له التوفيق.
 ابن إدريس عندما رأى الأمر هكذا قال أنا آتي بدليل لا يمكن لأحد أن يرده، ما هو هذا الدليل يأتي إن شاء الله.


[1] - الوسائل الباب 3 من أبواب الماء المطلق ح12
[2] - الوسائل، الباب 6 من أبواب المطلق ح5.
[3] - ذكرى الشيعة ج 1 ص85

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo