< فهرست دروس

درس خارج اصول

استاد علی اکبر رشاد

91/11/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 موضوع: تقسيمات دلالت
 
 الأمر الثّاني: لا إشكال في أنّ المعاني المرادة من الألفاظ على قسمين: منها ما تكون «إخطاريّة»، کمعاني الأسماء حيث إنّ إستعمال ألفاظها في معانيها يوجب إخطار معانيها في ذهن السّامع و إستحضارها لدَيه؛ و منها ما تكون «إيجاديّة» كمعاني الحروف حيث إنّ إستعمال ألفاظها موجب لإيجاد معانيها من دون أن يكون لمعانيها نحو تقرّر و ثبوت مع قطع النّظر عن الإستعمال، فواقعيّة هذا المعنى و هويّته تتوقّف على الإستعمال، و به يكون قوامه،کالمعاني الإنشائيّة الّتي يكون وجودها بعين إنشائها، مثل إيجاد الملكيّة بقوله بعت. ثم إنتمیٰ إلیٰ ظاهر كلام المحقّق صاحبِ الحاشية إختصاص ذلك ببعض الحروف.
 ( قال صاحب الهداية: «الثانية: الغالب في أوضاع الألفاظ ان تكون بإزاء المعاني الّتي يستعمل اللفظ فيها، كما هو الحال في معظم الألفاظ الدائرة في اللغات، و حينئذ فقد يكون ذلك المعنى امرا حاصلا في نفسه مع قطع النّظر عن اللفظ الدال عليه، فليس من شأن اللفظ إلاّ إحضار ذلك المعنى ببال السامع، و قد يكون ذلك المعنى حاصلا بقصده من اللفظ من غير ان يحصل هناك معنى قبل أداء اللفظ، فيكون اللفظ آلة لإيجاد معناه و أداة لحصوله و يجري كل من القسمين في المركبات و المفردات.» إلى ان قال: «و النوع الأوّل من المفردات معظم الألفاظ الموضوعة، فانها انّما تقضى بإحضار معانيها ببال السامع من غير ان تفيد إثبات تلك المعاني في الخارج فهي أعم من ان تكون ثابتة في الواقع أولا. و النوع الثاني منها كأسماء الإشارة و الأفعال الإنشائية بالنسبة إلى وضعها النسبي، و عدة من الحروف كحروف النداء و الحروف المشبّهة بالفعل و نحوها، فانّ كلا من الإشارة و النسبة الخاصّة و النداء و التأكيد حاصل من استعمال هذا، و اضرب، و يا، و انّ، في معاينها...»/هداية المسترشدين في شرح معالم الدين؛ الفائدة الثانية من الفوائد التي وضعها في تتمة مباحث الألفاظ. ص 22)
  و أکّد بأنّ الّذي يقتضيه التّحقيق أنّ معاني الحروف كلّها إيجاديّةٌ و ليس شي‌ء منها إخطاريّةً، و أضاف في بيان ذلك: بأنّ الألفاظ بما لها من المفاهيم متباينة بالهويّة و الذات، و لفظ السّير مثلاً مباين للفظ الكوفة و البصرة بما لها من المعنى؛ و أداة النّسبة انّما وضعت لإيجاد الربط بين جزئي الكلام بما لهما من المفهوم، على وجه يفيد المخاطب فائدة تامّة يصح السّكوت عليها، فكلمة «من» و «إلىٰ» إنّما جي‌ء بهما لإيجاد الرّبط، و إحداث العلقة بين السّير و البصرة و الكوفة الواقعة في الكلام، بحيث لو لا ذلك لما كان بين هذه الألفاظ ربط و علقة أصلاً.
 ثمّ بعد إيجاد الرّبط بين جزئيّ الكلام بما لهما من المفهوم، يلاحظ المجموع من حيث المجموع، أي يلاحظ الكلام بما له من النّسبة بين اجزائه، فان كان له خارج يطابقه يكون الكلام صادقاً، أي كانت النّسبة الخارجيّة على طبق النّسبة الكلامية، و إلاّ يكون الكلام كاذباً. و فرق واضح بين كون النّسبة الكلاميّة حاكية عن النّسبة الخارجيّة و مخطرة لها في ذهن السّامع و بين أن تكون النّسبة موجدة للرّبط بين اجزاء الكلام، و يكون المجموع المتحصّل من جزئيّ الكلام بما لهما من النّسبة له خارج يطابقه أو لايطابقه، فظهر: انّ الحروف النّسبية أيضا تكون معانيها إيجاديّة لا إخطاريّة.
 الأمر الثّالث: الحروف وضعت لإيجاد معنىً في الغير، على وجه لايكون ذلك الغير واجداً للمعنى من دون إستعمال الحرف، كما لايكون زيد منادى من دون قولك «يا زيد». و قول النّحاة: من أنّ «من» وضعت للإبتداء لا يخلو عن تسامح، بل حقّ التّعبير أن يقال: انّ لفظة «من» وضعت لإيجاد النّسبة الإبتدائية، و تلك النّسبة الإبتدائية الّتي توجِدُهما لفظة «مِن» لايكاد يمكن أن يكون لها سبق تحقّق في عالم التّصوّر. فتحصل: أنّ النّسبة بين المعاني الحرفية و المعاني الإسمية، هي النّسبة بين المصداق و المفهوم، و كم بين المفهوم و المصداق من الفرق، بداهة تغاير المفهوم و المصداق بالهويّة، و بالأثر و الخاصّية، إذ المفهوم لا موطن له إلّا العقل، و موطن المصداق هو الخارج، و لايعقل إتحاد ما في العقل مع ما في الخارج إلّا بالتجريد و إلقاء الخصوصيّة، و لا يمكن إلقاء الخصوصيّة في الحرف، لأنّ موطنه الإستعمال و هو قوامه، فالتّجريد و إلقاء الخصوصيّة يوجب خروجه عن كونه معنى حرفيا، هذا بحسب الهويّة. و كذا الحال في الآثار و الخواصّ، فانّ الرّافع للعطش مثلاً مصداق الماء، لا مفهومه، و المحرق هو مصداق النّار، لا مفهومها.
 و حاصل الكلام: إنّ الحروف بأجمعها، و ما يلحق بها ممّا يتكفل معنى نسبيّا رابطيا، انّما وضعت لإيجاد مصاديق الرّبط و النّسبة، على ما بين النّسب و الرّوابط من الاختلاف من النّسبة الابتدائية و الانتهائية و الظّرفيّة و غير ذلك، و الأسماء وضعت بإزاء مفاهيم تلك الرّوابط، فلا ترادف بين لفظة (ياء) النّداء و بين لفظة (النّداء) بما لهما من المعنى، و لا يصحّ حمل أحدهما على الأخر، لأنّ لفظة (يا) موجدة لمعنى في الغير، و لفظة (النّداء) حاكية عن معنى متقرّر في وعائه.
 الأمر الرّابع: قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ قوام المعنى الحرفيّ يكون بأمور أربعة:
 الأوّل: أن يكون المعنى إيجاديّا، لا إخطاريّا.
 الثّاني: أن يكون المعنى قائماً بغيره لا بنفسه.
 الثّالث: أن لايكون لذلك المعنى الإيجاديّ نحو تقرّر و ثبوت بعد إيجاده، بل كان إيجاده في موطن الإستعمال، و يكون الإستعمال مقوّماً له، و يدور حدوثه و بقائه مدار الإستعمال.
 الرّابع: أن يكون المعنى حين إيجاده مغفولاً عنه غيرَملتفَت إليه، و هذا لازم كون المعنى إيجاديّا و كون موطنه الإستعمال، إذ لايمكن الإلتفات إلى شي‌ء من دون أن يكون له نحو تقرّر في موطن.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo