< قائمة الدروس

درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

35/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: في أسماءالإشارة
تقرير القول المختار:
تَذکار وتحضير: قلنا في مامرّ (في بداية البحث عن الوضع والدّلالة، في الدّرس 227 ـ 5/7/91) :
بما أنّ الغايةَ القُصوی في النّشاطات اللفظية کلّها هي التّفاهم، أي «إفادة المعني المراد» و«إستفادته»، باستثمار من العلاقة الدّلاليّة الموجودة بين الّلفظ والمعني، وهما ترتبطان بأمورٍ، أساسيّاتها هي:
1. الواضعُ وجاعل العُلقة بين الّلفظ والمعني،
2. حقيقةُ عمليّةِ الوضع وميکانيکيةُ إعطاء المعني(وإن شئت فقل: حقيقةُ التمعني=تکوّن المعنی)،
3. اللفظُ ( آلة إلقاء المعني وأداة إبرازه ورميه من ضمير اللافظ إلی المخاطب بواسطة اللسان) کما قيل: «إنّ الکلام لفي الفؤاد وإنما / جُعل اللسان علی الفؤادِ دليلاً»
4. الموضوعُ له الذهني(المعني المتصوَّر في الذّهن)،
5. الموضوعُ له الخارجي(متعلَّقُ المعني في الخارج)،
6. عمليّة الإستعمالُ وإفادة المعني.
فنقول الآن وفق ما أشرنا اليه أنّه:
أوّلاً: توجد هناک عناصر مختلفة ترتبط بالإشارة وهي: 1. الأدوات الإشاريّة ومنها أسماء الإشارة، 2. الموضوعُ له الأدوات الإشاريّة في الذّهن (المعني المتصوَّر)، 3. الموضوعُ له الآلات في الخارج (متعلَّقُ المعني) کائن ما کان، 4. عمليّة وضع هذه الآلات وميکانيکيّةُ إعطاء المعني لها، 5. إستعمالُ الأدوات الإشاريّة ـ خاصّة اللفظيّة منها ـ وإفادة المعني.
ثانياً: للإشارة کفعل إنساني في إبراز ما في نفسه کفاعل، علامات و أدوات شتّی؛ لأنّها تارةً تقع بالجوارح، من اليد أو الرّأس أو الطّرْف أو غيرها، وأخری بالألفاظ و الألحان أو الأصوات بل قد يکون بسکوت وصمت، وثالثةً بالألوان والأضواء، ورابعةً بالأشکال والتماثيل، وخامسةً بالصُّوا والأحجام، وسادسةً بالألواء والأشياء، و سابعةً بسکون أو حرکة، وثامنةً بسائر الرّموز والعنوانات. بل والحقّ عندنا أنّ کلَّ شيئٍ له إستعداد لصيرورته کأداة إبرازيّة بل الکائنات کلّها دلالت رمزيّة! کما أجاد امير الشّعراء احمد شوقي في إنشاده: «نظرةٌ، فابتسامةٌ، فسلامٌ، فکلامٌ، فموعدٌ، فلقاءٌ...». و بل ما من لفظة أو هيئة إلّا ويوجد له عديل في العلاميّة وزميل في الرمزيّة، و«ربَّ إشارة خير من عبارةٍ»، و « ثُمَّ سَوَّاهُ وَ نَفَخَ فيهِ مِنْ رُوحِهِ وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ قَليلاً ما تَشْكُرُونَ »[1] ونجتزّ الآن بهذه الإشارة ونحوّل الشّرح إلی محلّه، فلتترصّد!
ياايها الامّي حسبک رِفعةً/ في العلم، أن دانت لک العلماء / فإذارحمتَ فأنت أمٌ أو أب /هذان في الدنيا هما رحماء
ثالثاً: کلّ واحدة من هذه الأدواة، علامات مستقلّة للإشارة إلی المشار اليها، ولهذا قديستعمل کلّ منها، من دون إستخدام أيّة آلة إشاريّة أخری معه، حسب الحاجة و المناسبة فيحصل القصد؛ فمثلاً حينما يجيئ شخص يُترَصّد مجيئُه، فيقول أحد المترصّدين عند رُأيته: «هذا» فحسب، من دون إستخدام آلةٍ إشاريّة أخری، بل وحتّی من دون رفع رأسه والنّظر إليه، أو بالعکس: فيشير بإصبعه إليه مثلاً من دون إستخدام لفظة «هذا»، فيَفهم المترصِّد الآخَر من کلتيهما الإشارة إليه (الشخص المترصَّد) و يمتلک السامعُ المعرفةَ به. و عليه نصّ أهل الأدب والعربيّة، کقول محمد بن مالک:
بــ«ذا» لمفــرد مـذكّـر أشـِـر / بـذي، وذه، تي، تا، على الأنثىٰ اقتصر.
إن کان مراده من المفرد المذکر هو معناه لا مصداقه الخارجي، وإلا للزم الترادف.
ولقد أجاد الشّاعر إذ قال:
أشارتْ بطرْف العينِ، خيفةَ أهلِهـا / إشـارةَ مَذعُـورٍ، ولم تَتَکلّمي،
فأيقنتُ أنّ الطرْف قد قال:«مرحباً» / و«أهلاً» و«سهلاً»بالحبيب المتيّمي!
مَذعُور: شديد الخوف، و المتَـيَّم: أشرف علی الموت من شدة الهَوی.
رابعاً: الواضع (کائن من کان)،فقد وَضَع الألفاظ الإشاريّة ( ماذا کان معنی الوضع و کيفما کانت عمليّته)، لإبراز قصد الإشارة من جانب المستعمِل وانتقالِ السّامع إلی هذا القصد، بنحو عامّ. أي: لأیّ إشارة، من جانب أیّ مشير، لإنتقال أيّ سامع، و إلی أيّ مشارٍ اليه ؛ فحينما يستخدمها قاصد ويتلفّظ بها، تحضر بسببه في بال السّامع صورةٌ ذهنيّة، فيَنتبه إلی القصد، فيتوجه إلی المشاراليه الخارجي الخاصّ فيعرفه، فتتحقّق الإشارة.
والحاصل: أنّه علی ما قرّرناه: يکون الموضوع له في أسماء الإشارة کوضعها عامّاً، وإن کان المستعمل فيه فيها خاصّاً؛ لأنّ الموضوع له هو «الإشارةُ» مطلقاً. وإن شئت فقل: وُضعت هذه الأسماء لإيجاد «الصّور» و «الإنتقال»، من جانب أيّ مشير، عند أيّ سامع، في الإشارة إلی أيّ مشار اليه؛ فتكون مفاهيمها عامّةً (مشترکة بين أذهان ابناء اللغة کلِّها؛ کأنّه وُضّع قاموس غيرمطبوع علی الجميع وکلٌ يفيد من هذا المفردات والتراکيب حسب ظروف القول )، و مصاديقها المستعملة فيها جزئيّةً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo