< قائمة الدروس

درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

35/01/14

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: نظريّة الخطابات القانونية ـ مقترحاتنا في تحسين تقرير النّظريّة وتنسيقها في قوالبها القشيبة / 22.

أمّا تقرير نظريّة الخطابات القانونيّة علی الأسلوب الرّابع: و هو مقترحنا المختار لتقرير «نظريّة الخطاب الشّرعي»؛ وهي تبيين المبادئ الحُکميّة في ضوء نظريّة الإبتناء:
تمهيد: ينبغي البحث عن المبادئ الحکميّة، لتنسيق نظريّة الخطاب الشرعيّ وَفق أسلوب نظريّة الإبتناء، من خلال أمور، وهي:
أ) البحث عن المبادئ التّصوريّة للخطاب والحکم وما يتعلّق بهما.
ب) البحث عن الأفروضات الأسس لنظريّة الخطاب، وهي أربعة.
ت) البحث عن أطراف الخطاب الخمسة وخصائلِ وخصائصِ کلّ منها ؛ وهي کالآتي:
الأوّل: « مخاطِب الخطاب » ( وهو مصدر الخطاب وجاعل الحکم ).
الثّاني: « مخاطَب الخطاب » ( وهو متلقّی الخطاب والمکلَّف بالحکم ).
الثّالث: « وسائطُ الخطاب » ( وهي طرائق إبلاغ الخطاب ووسائلُ إيصال الحکم ).
الرّابع: « متعلَّق الخطاب » ( وهو مايتعلّق به الخطاب بالمعنی الأعمّ، من أنواع الخبر و الإنشاء وأصنافِهما ).
الخامس: « مـادّة الخطاب » ( وهي مضمون الخطاب ومحتواه ).
ث) تبيين أحوال الشّؤون الأربعة للخطاب والحکم، النّابعة من خصائل وخصائص أطراف الخطاب، کحصائل لتلک الخصائل والخصائص، وهي کالآتيّ:
الأوّل: في مايتعلّق بمقام إعتبار الحکم و تصدير الخطاب .
الثّاني: في مايتعلّق بمقام إبلاغ الحکم وتيسير الخطاب، من جانب المشرِّع، و إحرازه من ناحية المتشرّع.
الثّالث: في مايتعلّق بمقام إبراز الحکم وتفسير الخطاب.
الرّابع: في مايتعلّق بمقام إمتثال الحکم وتطبيق الخطاب.
فهناک ثلاثة مستويات في البحث عن مباني الخطاب والحکم، و هي: 1. الأفروضاتُ الأساس الأربع، وهي تعدّ کالمبادئ البعيدة لمباحث الخطاب الشّرعي؛ 2. خصائص أطرافِ الخطاب الخمسة، وهي تعدّ کالمبادئ الوسيطة له؛ 3. الجهات المتعلّقة بالشّؤون الأربعة للخطاب، الحاصلة عن تلک الخصائص، وهي تعدّ کالمبادئ القريبة للخطاب؛ و بعد البحث عن المستويات المزبورة تصل النّوبة إلی تأسيس القواعد الأصوليّة وضوابطها؛ وهي تعدّ کحصائل علميّة مترتّبة علی المستويات الثّلاث حسب الموارد، وهي الّتي تُنسَّق منها حاقّ مسائل علم الإصول في الحقيقة، فتأمّل.
فذلکة : بيان إجمال نظريّة الخطاب الشّرعي کالفذلکة لنتائج المباحث المذکورة.
أ‌) فأمّا البحث عن المبادئ التّصوريّة، فمنها مايأتي:
معاني «الكلام» و «الخطاب» و «الحكم»، و فرق کلّ منها مع غيره؟
1. الكلام کما قيل: «هو ما أُنتظم من حرفين فصاعداً من الحروف المسموعة المتواضع عليها إذا صدرت من ناظم واحد»[1] وقد يقوم مقامَهما حرف واحد کـ«قِ» و«فِ» في قولک «قِ نفسَک» و «فِ بعهدک».
2. الخِطاب هو ما صدر عن «مخاطِبٍ» في ظروف مناسبة، يُوجَّه إلی «مخاطَب» أو من هو فى حكمه، بـتوسّط «وسائط»، يحمل «رسالةً»، حاويةً علی متعلّق ومادّةٍ مّا. فماهيّةُ الخطاب(وهي ما تحمل ذاتيّاته) وهويّتُه( وهي ما تحمل صفاتِه) تتقوّم بأطرافه الخمسة و ظروفِه.
3. الحكم الشّرعي، هو «خطاب اللّه، المتعلِّقُ بأفعال المكلّفين(علی المشهور)، والمترتَّبُ علی فعله الثوابُ وترکِه العقاب» مثل: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»[2]، فالكلام أعمّ من الخطاب اللفظي، والخطاب أعمّ من الحكم؛ وإن کان الخطاب أعمّ من الکلام من جهة أخری، وهي إذا أستعمل بمعنی الرّسالة المتوجّهة من الرّبّ إلی العبد، من أيّ طريق من طرائق النزول و الوصول.
فالحكم هيهنا غير الحكم فى مصطلح المناطقة، لأنّ الحكم فى إصطلاح المنطق عبارة عن «النسبة» المستقرّة بين المحكوم عليه والمحكوم به فى القضيّة الخبريّة، بينما أنّ الحكم عند الإصوليّين والفقهاء هو خطاب إنشائى يحمل طلباً مّا ؛ وإن کان هنالک تشابه وتناسب بين المصطلحين في أصل الوضع، لأنّ کلَيهما يحتويان نوعاً من القطعيّة والإلزام.
أخرجنا من الحکم بقيد «المتعلِّق بأفعال المكلَّفين»، خطابَ اللّه الغيرَ المتعلِّق به، مثل: «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبيناً»[3]، والمراد من الفعل هيهنا مايصدر عن الإنسان منبعثاً عن مبادئ الإرادة مطلقاً؛ فهو يعمّ الفعل و الترک الإرادي؛ لأنّ الترک غير الإنتراک (إن صحّ التعبير).
و أخرجنا منه، بقيد «ترتّب الثواب والعقاب» الأحکامَ الأخلاقيّة، مثل: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا قيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَ إِذا قيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبيرٌ»[4] فأنّها لايترتّب علی ترکها عقاب، ولو ترتّب فمن جهة تعلّق حکم تکليفي بها لا بما أنّها أحکام تهذيبي؛ وعندنا الإستحباب و الکراهة أيضاً أحکام أخلاقيّة في الحقيقة وملاکاً، فينبغي أن يبحث عنهما في علم الأخلاق؛ والبحث والدّراسة حول هذا المدعی الغريب موکول إلی محلّه.
إن قلت: الحدّ ليس بجامع، لأنّه أوّلاً: لايشمل الحكم الوضعى، فأنّه ليس متعلِّقاً بفعل المكلّف مباشراً؛ وإن قلنا بتعلّقه بالواسطة، فلايترتّب عليه، غيرُ مايترتّب علي الفعل والترک السّببيّين من الثواب والعقاب. وثانياً: هو لايطّرد علی الإباحة، لأنّه لايترتّب علی فعله ثواب وترکِه عقاب قطعاً.
قلنا: أوّلاً: لقائل أن يقول: ليس الوضعىُّ حكماً بالمعنی الأخصّ في الحقيقة، بل هو، کما يُلمِح إليه عنوانه، أثر قهري يترتّب علی فعل المکلّف. و تقسيم الحکم إلی التکليفيّ والوضعيّ لايؤول إلی مقسم واحد ماهوي، ولعلّه طُرح وشاع لتسهيل تعليم المتعلّمين. (قد أنکر الشّيخ الأنصارى (قدّ) الحكم الوضعى من إساس، حتى فى السببية والشّرطيّة والمانعيّة. مستدلّاً بأنّه يُكتفی فى المكلّف به بإيجاب المشروط و المسبّب عن جعل الشّرطيّة و السّببيّة له.) وثانياً: إن سلّمنا، فهو أيضاً مجعول بجعل الشّارع ويتعلّق بفعل المکلّفين، ويمکن فرض ترتّب العقاب علی نقضه؛ ويؤيّده مثل « الَّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ميثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ»[5] وتدلّ عليه آية «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»[6] علی أحد معنييها.
وأمّا الإباحة فيمکن أن يقال: أوّلاً: إنّها ليست حکماً بالمعنی الأخصّ، بل هو تفريغ الفعل عن أيّ حکم بعثيّ و زجري؛ وثانياً: إن سلّمنا، فيمکن أن يُترتَّب علی فعله ثوابُ وترکِه عقاب، و هو إذا وقع بقصد التشريع المناقض للتّشريع العزيمي الإلهيّ.
4. أدلّة الأحكام غير نفس الأحكام؛ إذ يجوز إقامة دليل و نصبُ أمارة لمن هو معدوم حينهما، و لكن لا يجوز تكليف المعدوم؛ فالأدلة الشّرعية بالنسبة إلينا ليست أحكاماً، بل هي أدلة على الأحكام، مالم تحصل شرائط التّكليف و الإطّلاع علی الشّرائط و علی أسبابها كالدّلوك لصلاة الظّهر و الإستطاعة للحجّ مثلاً؛ و أيضاً الدّليل يمكن أن يكون مفادّاً للقضيّة الخبريّة، و الحكم هو مفادّ الإنشاء. و أيضاً قد يُدَلُّ بأدلة كثيرة على حكم واحد كالعامّ و الخاصّ و المطلق و المقيّد و المجمل و المبيّن؛ و لذلك لا نسمّي أصالة عدم التّخصيص و أصالة عدم التّقييد أصالةَ برائةٍ، بل نعدّهما من الأصول اللفظية.
جدير بالذّکر: أنّ الحکم بالمعنی الأخصّ، يطلق: تارةً علی «نفس الإرادة المولويّة»، وهذا إذا أستعمل بمعني المصدر؛ و أخری علی «المعنى المُنشَأ بسبب إرادة المولی»، وهذا إذا أستعمل بمعني المفعول أي ماحُکِم به؛ وثالثةً علی «المعنى المنتزع من المعنى المُنشأ»، وهذا إذا أستعمل بمعني إسم المصدر.
وعلی أيّ حال: کما ألمحنا إليه في التعريف، قد يُستعمل الخطاب في الأعمّ ممّا يَحمِل الحکم بالمعني الأخصّ؛ وقد يُستعمل الحکم أيضاً في الأعمّ ممّا يتعلّق بفعل المکلّفين؛ فحينئذٍ يکون الخطاب و الحکم بمعنيً. والخطاب الدّينيّ بهذا المعنی، يحمل قضايا إخباريّةً تارهً، وقضايا إنشائيّةً أخری؛ والإخباريّة منها تنقسم إلی قضايا عقائديّة وإلی قضايا علميّة؛ والإنشائيّة منها أيضاً تنقسم إلی الحُکميّةِ التّکليفيّة (بمعنی ما يوجب الکلفة، لا بمعنی مايقابل الحکم الوضعيّ) و الحُکميّةِ التهذيبيّة(وتسمّی بالأخلاق)؛ وکلّ من القسمين أيضاً ينقسم بإعتبارات شتّی إلی أصناف مختلفة. و مصبّ البحث في ما نحن فيه، هو الحکم بالمعنی الأخصّ، أي التّکليفي؛ ولهذا نجتزّ هيهنا بالبحث عن أحواله فحسْب.
5. کما مرّ آنفاً ينقسم الحكم بإعتبارات شتّی إلی أنواع مختلفة:
ـ فمنها إلى التّكليفي و الوضعي.
ـ ومنها إلى المطلق و المشروط .
(وقد قسّم صاحب الفصول الواجب الّذى يتراءى كونه مشروطاً على قسمين: مشروط و معلّق، فالمعلّق هو المتوقَّف على مقدمة غير مقدورة شرعاً أو عقلاً، و المشروط هو المتوقف على مقدمة مقدورة شرعاً و عقلاً، و الوجوب فى المعلًق حاصل قبل المقدمة، و فى المشروط بعدها. و أما الواجب الّذى لا يتوقّف على مقدمة أصلاً فسمّاه منجَزّاً.)
ـ ومنها إلى الإرشاديّ و المولويّ: الحکم الإرشاديّ هو ما لا يترتب على تركه تبعة إلّا عدم حصول الفائدة الذّاتية فى الفعل(علی المبنی المشهور)، و المولويّ هو ما يترتّب عليه مع ذلك، تبعة أخرى من حيث مخالفة الأمر.
ـ ومنها إلى التعبّدي و التوصّلي.
ـ ومنها إلی الواجب النفسيّ و الغيري.
ـ ومنها إلی الإلهيّ و الولائي.
ـ ومنها إلی الأوّليّ و الثّانويّ.
ـ ومنها إلى الظّاهري و الواقعي.
ـ و هکذا...
6. «الإبلاغ»، هو إيصال الخطاب بالمخاطَب وتيسيره له من ناحية المخاطِب والمتکلّم؛ فهو عمل المکلِّف لا المکلَّف. «الإحراز»، هو وصول الخطاب إلی المخاطَب وثبوته عنده، فهو منسوب إليه لا المخاطِب، وهما غير «الإبراز»؛ لأنّه عبارة عن تلقّي الخطاب وتفهّمه، لأنّ الأخيرة هي العمليّة الّتي تنتهي إلی إنکشاف الحکم للمحکوم عليه. وأيضاً الثّلاثة غير «الإعتبار» والجعل؛ لأنّ الثّلاثةَ کلَّها ترتبط بمقام الإثبات، بينما الجعل يرتبط بمقام الثبوت. تندرج تحت عنوان «الإبلاغ»، البحث عن طرائق الإيصال؛ وتندرج تحت عنوان«الإحراز»، البحث عن صيانة الوحي، وأکثر قواعد الرّواية والرّجال، وحجّيّة الخبرِ الواحد، والإجماع، و قواعد کلّ منها، و حجّيّة الظواهر، و...؛ وتحت الثّالث، البحث عن قواعد و ضوابط تفهّم الطّرائق وإستعمالها .
7. الإحراز و الإعراض:
8. الإبراز و التلقّي:
9. الإمتثال هو الإطاعة؛ الإطاعة يتحقّق بفعل المكلّف[بل غيره کالمميّز] أو ترکه، وَفقاً لما أراده المولى إنقياداً. و الأصل فى ذلك أنّ المَثَل أو المثال صورةٌ مجسّمةٌ ينصبها المصوِّرون بين أيديهم و ينقشون على القرطاس أو البساط أو غيرِهما على حَذو ما نصبوه من المثال؛ ثم يُتوسّع فى ذلك و يُطلق على كل شىء يجب أن يكون أفعال الفاعلين على حَذوه، مثل خطٍ جيّد و كتابٍ حسن و كلمةِ حكمة و الوقائعِ الماضية التى هى عبرة لمن تأخّر. و قد يطلق المثال على أمر المولى و الإمتثال مطاوعةً له، فهي تطبيق العمل على المثال. والمراد من «التطبيق»، هو تحقّق الأحکام التّکليفيّة و التّهذيبيّة، في ساحات حياة الإنسان مع لحاظ الظّروف والطّوارئ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo