< قائمة الدروس

درس فلسفة الأصول - الأستاذ رشاد

34/11/29

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: نظريّة الخطابات القانونية ـ نقد النّظريّة/8.

وأمّا السّادسة:
فأوّلاً: إن کانت الخامسة کالنّتيجة الحاصلة عن المقدَّمات المبحوثِ عنها قبلَها، وهو الظّاهر، فکان ينبغي الإکتفاء بذکرها کحلقة أخيرة للسّلسلة، لأنّ بها حصل الحاصل. أللهم إلّا أن نعنوِن النّظريّة بـعنوان آخر مثل «تصوير الأمر بالأهمّ و المهمّ في عرض واحد»، فننقل بُئرة البحث أيضاً إليه؛ فحينئذٍ يحسن البحث عن المقدَّمات والمکوِّنات حتّی الأخيرتين، و يرتفع أيضاً بعض الإشکالات الّتي أوردناها، ولکنّه حينئذٍ تنحصر نتيجة النّظريّة في مثل التّرتب فقط وتُحدَّدُ معطياتُها، فتأمّل!.
وثانياً: هناک آيات تدلّ علی تقييد الأحکام ببعض القيود المبحوث عنه، مثل «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرينَ»[1] ومثل «لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها»[2] وأيضاً «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُوا وَ أَطيعُوا وَ أَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »[3]
وبل بعضها تدلّ علی نفي ما دون حدّ الوسع، عن الحکم، کالعسر والحرج وغيرهما أيضاً، کماقال عزّ من قائل: «يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُريدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»[4] و «ما يُريدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ»[5] و «ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»[6] کما أنّ هناک أخبارٌ کثيرةٌ أيضاً (مثل حديث الرّفع وأمثاله) يبدو أن تبلغ حدّ التواتر، تدلّ علی التّقييد.
وسيجيئ التأمّل والتّفصيل حول هذه الفِقرة آنفاً، فلتترصّد فضلاً!
وثالثاً: العقل ليس آمِراً مولويّاً، فضلاً عن أن تُعدّ حاکماً في عرض الشّارع، حتّی يلزم التحفّظ علی شؤون کلّ منهما و تمييزها عن غيره، و يجب الإهتمام بتحريس ثغور منطقتي حکومتهما علی حدةٍ! بل هو ليس إلّا طريقاً کاشفاً عن مشيّة الله التّشريعيّة کالوحي؛ کما قارنهما في کتابه العزيز وقال: « وَ قالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا في‌ أَصْحابِ السَّعيرِ»[7] وکما قال الإمام الکاظم(ع): «إنّ لِلّهِ علی النّاسِ حُجّتَين: حجةً ظاهرةً وحجّةً باطنةً؛ فأمًا الظّاهرةُ فالرُّسلُ والأنبياءُ والأئمّهُ[ع]، وأمّا الباطنةُ فالعقولُ.»[8] فالعقل ليس معارِضاً للنقل والشّرع، بل هو ثاني إثنين؛ لأنّ الله عزّ إسمه، هو الّذي ينشِئ ويبلّغ مُنشَئاتِه من طرق مختلفة: تارةً من طريق رسله الظّاهريّةِ، وأخری من طريق رسله الباطنيّةِ، وکما أنّه لابأس بإبلاغِ أصل الحکم من طريق، وإيصالِه تقييداتِه من طريق آخر. وبعبارة أخری: العقل لايتصرّف في حکم الشّارع القدسي، بل هو يکشف عن قيود التکليف الشّرعي فقط.
(علی الطّالب الفحِص، الرّجوع إلی مقالتنا «دور العقل في تحقيق الدّين و تطبيقه»، لتحصيل التّوضيح الوافي حول دور العقل في إطار التّحقيق في الدّين و تحقّقه)
ورابعاً: ليست القيود کلُّها علی وتيرة واحدة بل هي علی أقسام شتّی، و لامحالة توجد بين کلّ واحد منها مع غيره فروق، و لابدّ أن تلاحظ لوازمها في المسئلة؛ لأنّها تارةً ذاتية تکوينيٌّة وهي ليست بيد الجاعل نفياً وإيجاباً کالبلوغ، فتترتب عليها آثارها المناسبة لها ـ شرعيّاً کان الجاعل أو عرفيّاً ـ وأخری عرضيّة غيرتکوينيّة؛ کما أنّ بعضَ القيود نوعيّة وأُخراها شخصيّة؛ فکما أنّ بعضَها تُعدّ قيداً للوجوب و بعضَها للواجب؛ وأيضاً يمکن أن تکون بعضُها قيداً لمقام الجعل، وبعضُها قيداً لمقام الإمتثال؛ وهکذا...؛ فإذا لم تکن هي علی وتيرة واحدةٍ کيف تنبغي المواجهة مع کلّها علی طريقة واحدة؟
وخامساً: إن لم يکن الأحکام مقيّدةً بالقدرة، تتوجّه الخطابات إلی العاجزين ولامحالة تتعلّق بهم، لأنّه لايُتصوّر التّمييز بين «توجّه» الخطاب إلی شخص و«تعلّقه» به؛ وإن شئت فقل: لايمکن التفريق بين توجّه الخطاب إلی شخص وحجّيّته عليه، وإلّا فالتّوجّه يصير لغواً مستهجناً.
وما لم يتعلّقِ الخطاب بشخص ولم‌يکن حجّةً عليه لم يصر فعليّاً بالنّسبة إليه، وهو(قدّ) قدقال بفعليّته إلی کلّ الأشخاص في جلّ الحالات! ؛ و أيضاً وإن لم تکن صحّة الخطاب متوقّفةً على إمکان إنبعاث کلِّ الأفراد[9] و لکن هذا لايُصحّح توجّهَ الخطاب إلی ذوي الأعذار وفعليّةَ الحکم فيهم أيضاً؛ وقبح الفعليّة وإستهجانُها في مَن ليس له إمکانٌ لإمتثال الحکم بالفعل ضروريّ مطلقاً ـ عامّاً کان الخطاب أو خاصّاً ـ لأنّ المناط موجود في کليهما وهو «إمتناع توجّه البعث لغرض الإنبعاث إلى مَن يفتقد إمکانه».
والحاصل: أنّ تعلّق الخطاب بالواجدين صحيح لابأس به، وإن وقع في ضمن العموم؛ ولکن توجُّه الخطاب الجدّيّ إلی الفاقدين و تعلُّقه بهم، وإن أريد في ضمن العام، غيرُصحيح وقبيحٌ جدّاً؛ وإذا لم يُرَد فلايکون فعليّاً، فلايترتّب علی النّظريّة ما أراده و إدّعاه(قدّ) من الآثار و الأثمار.
وسيجيئ زيادة توضيح حول هذه الفِقرة أيضاً، فلتنتظر!
سادساً: وسلّمنا ولکن هذه المقدّمة متوجّهة إلی أحد القيود، وهو شرطيّة القدرة وعدمُها في التکليف؛ فلاتعدّ مبدأً عامّاً للنظريّة کلّها حتی تعود ممهّدةً لعلاج المسائل جلِّها، فهي تعود کمبنی لحلّ بعض المعضلات کالتّرتب فقط.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo