< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

القواعد الفقهية

42/07/03

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: القواعد الفقهية/ مقدمات عامّة في القواعد الفقهية/ المقدمة الثانية: الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟ (المحاولة السادسة):

-هناك مجموعة من المقدمات التي يجب البحث فيها قبل الشروع في البحث عن القواعد الفقهية، وهي:

المقدمة الأولى: ما المقصود من القاعدة؟

المقدمة الثانية: ما الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية؟

المقدمة الثالثة: في تقسيم القواعد الفقهية وترتيبها بشكلٍ منطقي وهندسي بحيث تتناسب مع البحث في الأبواب الفقهية دون تداخل بينها.

لازال الكلام في البحث التمهيدي في المقدمة الثانية: ما هو الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟

-المقدمة الثانية: ما هو الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟

يوجد مجموعتين:

المجموعة الأولى: تفضّل بها علماء الطائفة.

المجموعة الثانية: أهمّ ما توصلت إليه مدرسة الخلافة.

 

-المجموعة الأولى: ما تفضل به علماء الطائفة:-المحاولة الخامسة: للمحقق الصدر (قده):

ما يمكن أن يُستفاد من كلمات المحقق الصدر (ره)، و حاصله:

أن يقال بأنّ الفرق بين القاعدتين هو عنصر (الاشتراك).

قال مقرره الأستاذ الهاشمي (قدهما): " الميزان في أصولية القاعدة عدم اختصاص مجال الاستفادة والاستنباط منها، ببابٍ فقهي معين... لأنّ قاعدة الطّهارة أو القواعد الفقهية الاستدلالية، وإن كانت عامّة في نفسها، و لكنّها لا تبلغ درجة من العمومية، تجعلها مشتركة في استنباط الحكم في أبوابٍ فقهيةٍ متعددة، و هذا هو الّذي يبرّر أن يكون البحث عن كلّ واحدةٍ منها في المجال الفقهي المناسب لها، بخلاف القواعد الأصولية المشتركة في أبوابٍ فقهيةٍ مختلفة، فإنّه لا مبرّر لجعلها جزءاً من بحوث بابٍ فقهي معيّن دون سائر الأبواب"[1] .

-و توضيحه: فقد ذكر هذا المائز للتفرقة بين القاعدة الأصولية و غيرها مطلقاً، سواء كانت فقهية أو لغوية أو رجالية أو ...أنّ القاعدة الأصولية يستفيد منها الفقيه في أبوابٍ فقهيةٍ مختلفةٍ، و لا اختصاص لها ببابٍ دون باب، فالقاعدة الأصولية عنصرٌ مشتركٌ في عملية الاستنباط بينما القاعدة الفقهية عنصرٌ خاصٌ في عملية الاستنباط، و وضّح مراده من الاشتراك؛ بأنّ القاعدة الأصولية تصلح لأن يُستنبط منها أحكامٌ كثيرةٌ في أبوابٍ فقهيةٍ كثيرةٍ و مختلفةٍ، بينما القاعدة الفقهية لا تصلح إلاّ لاستنباط أحكام بابٍ واحدٍ أو بابين، و يقدّم مثالين:

-المثال الأول: (قاعدة حجّية خبر الثّقة) و العموم، و الإطلاق، و المفهوم... تصلح لاستنباط أحكامٍ في باب الصلاة، و أيضاً في باب الصوم، و أيضاً في باب الحجّ... فصحّ لنا أن نقول القاعدة الأصولية ما يُستنبط منها أحكامٌ من أبوابٍ كثيرةٍ، و الشاهد أنّ هذه القواعد الأصولية لا يمكن أن ندرسها في بابٍ دون باب؛ لذلك قرّروا هذه القواعد لأنّها مشتركة لكثيرٍ من الأبواب، بخلاف القاعدة الفقهية، فإنّها تختصُ ببابٍ معين.

-المثال الثاني: (قاعدة الطّهارة)، فإنّها و إن اُستفيد منها حكمٌ كلّي أحياناً، إلاّ أنّها تختص بباب الطّهارة فقط، و لا تشترك في إنتاج حكمٍ غيره، هل تصلح لاستنباط أحكام العقود في باب الطلاق؟ لا تصلح أبداً إلاّ للأحكام المرتبطة في باب الطّهارة.

و هكذا الحال بالنسبة إلى قاعدة الضمان، فإنّها ناظرةٌ إلى خصوص العقود، و لا تصلح لاستنباط حكم مسألةٍ أخرى منها.

إذن القاعدة الفقهية عنصرٌ خاص لا قابلية لها ولا قدرة لها لاستنباط أحكامٍ كثيرةٍ في أبواب كثيرة، بينما القاعدة الأصولية لها قابلية استنباط أحكامٍ كثيرة في أبوابٍ كثيرة.

-و يرد عليه:

-أولاً: هذا الإشكال سيّال، فالاشتراك و عدمه ليس فارقاً ذاتياً ماهوياً في القاعدة، فإنّ صلاحية القاعدة له و عدمه من الآثار و اللوازم لماهية القاعدة، و لا يُشكّلُ مائزاً ماهوياً لها، فإنّ صلاحية القاعدة للجريان في الموارد ليس مائزاً حقيقياً ثبوتياً، أي لا يدخل في حقيقة القاعدة و ماهويتها؛ لأنّ الصلاحيات بحثٌ أخر بعد ثبوت حقيقة الشيء، بحيث بعد ثبوت الحقيقة، نقول هذه الحقيقة تصلح لأي شيء؟ أي صلاحية القاعدة بحثٌ متأخرٌ عن بيان حقيقتها، فهذا يعتبر مائزاً عرضياً، خصوصاً على مثل المحقق الصدر (قده) الذي يبحث دائماً عن الفارق الذاتي.

-ثانياً: لو سلّمنا أنّ الاشتراك مائزٌ حقيقي للقاعدة الفقهية عن القاعدة الأصولية، لكن هذا المائز ضبابي (مصطلح الاشتراك) ضبابي جدّاً؛ لأنّه في المسألة الواحدة قد تكون مشتركة من جهة، و خاصّة من جهة أخرى، فمثلاً: (ظهور صيغة إفعل في الوجوب) من جهة إنطباقها على كلّ موردٍ فيه الصيغة، كالطّهارة و الصّلاة و الصوم...فهي بلحاظ هذه الجهة مشتركة، و لكن من جهة عدم جريانها في أدلّة الواجبات اللبّية أو في غير الواجبات ليس مشتركة، بل هي خاصّة، و هكذا الحال بالنسبة إلى حجّية الخبر، فبلحاظ جريانها في الأخبار التي تكشف عن الأحكام الشرعية في باب الطّهارة و الصلاة و الصوم... مشتركة، و لكن بلحاظ الأحكام الثابتة بتوسط غير حجّية الخبر خاصّة.

فالسؤال هل أنّ مصطلح الإشتراك الذي جعله المائز الحقيقي بين القاعدة الأصولية و القاعدة الفقهية، يراد به الاشتراك من جميع الجهات؟ أو يكفي الاشتراك في استفادة أحكامٍ مختلفةٍ من القاعدة الأصولية، و إن كانت من جهة أخرى خاصّة؟فإن كان المراد الاشتراك من كلّ الجهات.

فيرد عليه: عدم انطباقه على أيّ قاعدةٍ أصولية؛ لأنّ لكلّ قاعدة أصولية موضوعٌ اختصاصي، لا تجري أحكامه على موضوعٍ آخر.

و إن كان المراد اشتراك موضوع القاعدة في استنباط أحكام فقهية مختلفة – كما هو الظاهر- فموضوع قاعدة حجّية خبر الثّقة هو الخبر، و هو مشتركٌ في استنباط أحكامٍ متعددة في أبوابٍ فقهيةٍ مختلفة، كباب الطّهارة و الصّلاة ونحوها.

فيرد عليه: أنّ هذا المعنى يمكن تحقّقه في جملة من القواعد الفقهية، كقاعدة الضرر، فإنّها تجري لرفع الأحكام الأولية في مختلف الأبواب الفقهية، و هكذا قاعدة الحرج و قاعدة القرعة، بناءً على جريانها في تشخيص الأحكام التكليفية، و تقديمها على الأصول العملية، و هكذا قاعدة الاستخارة... فما الفرق بينها و بين قاعدة حجّية خبر الثّقة أو قاعدة المفهوم أو قاعدة الظهور؟!

-إذن: هذه المحاولة ليست صحيحة.

-المحاولة السادسة: ذكرها بعض الفضلاء المقاربين لعصرنا، و حاصله: أنّ القواعد الأصولية ما كانت رافعة للتّحير بلا أن تكون بمفادها ناظرة إلى نفس الحكم المحتمل بتعيين أحد طرفيه، بل هي إمّا أن تكون بمفادها ناظرة إلى:

مقام التردد و التّحير بحمل ما يرفعه بلا ارتباطٍ بكيفية الواقع، كمسائل الأصول العملية و الأمارات، بناءً على جعل المنجّزية و المعذّرية أو الحكم المماثل.أن تكون نتيجتها رافعة لأساس التردد، و هو الاحتمال إمّا تكويناً كالملازمات العقلية؛ لأنّها تستوجب العلم بالحكم، فيرتفع التردّد بارتفاع منشأه، و لا نظر لها إلى نفس الحكم المحتمل ثبوتاً، و إمّا تعبّداً كالأمارات بناءً على جعل الطريقية و تتميم الكشف، فإنّه بها يتحقق العلم تعبّداً بالحكم بلا أن يكون النظر إلى نفس الحكم و ثبوته حقيقةً في واقعه.فالجامع بينهما هو ارتفاع التّردد بها إمّا ابتداءً أو بواسطة رفع منشأ التّحير، بلا أن يكون لها نظرٌ إلى تعيين الحكم المحتمل بأحد طرفيه.

و هذا بخلاف القواعد الفقهية فإنّها ناظرةٌ إلى المحتمل، بمعنى أنّ مفادها نفس الحكم المحتمل، و هي بذلك لا ترفع التّردد، إذ نفس الحكم لا يرفع التّردد، و إنّما الذي يرفعه دليله، و دليله هو مسألةٌ أصوليةٌ، و عليه فمقام أحدهما يختلف عن مقام الآخر، فالفرق بينهما حقيقي و ذاتي[2] .

و لتوضيح المطلب أكثر، نقول: إنّ المكلف إذا احتمل ثبوت الحكم الشرعي واقعياً كان أو غيره، يحصل في نفسه التّردد و الحيرة بالنسبة إلى وظيفته العملية تجاه ذلك الحكم المحتمل.وهنا يوجد مقاماتٌ ثلاثة:أحدها: مقام الحيرة و التّردد.ثانيهما: مقام الاحتمال الموجب للتّردد.ثالثها: مقام واقع الحكم المحتمل من ثبوت ونحوه.و القواعد الأصولية دورها أن ترفع الحيرة والتّردد دون أن تكون ناظرةٌ إلى نوع الحكم المحتمل من وجوبٍ و تحريمٍ ونحوهما، سواء برفع نفس التّردد أو برفع الاحتمال الموجب التّردد، بينما القواعد الفقهية فلا نظر لها إلى رفع التّردد، بل ناظرةٌ إلى الحكم المحتمل.

0.1- -و يرد عليه:

أنّ جملةٌ من القواعد الفقهية ناظرةٌ أيضاً إلى رفع التّردد دون النظر إلى نفس الحكم المحتمل، فإنّ قاعدة القرعة بالنسبة إلى تشخيص الحكم المحتمل غير ناظرةٌ إلى نوع الحكم المستخرج بالقرعة، و إنّما دورها رفع التّردد فحسب، فمثلاً: إذا تردّد موضوعٌ معين بين الوجوب و الحرمة، فإنّ القرعة لا نظر لها في تحديد أحد هذين النوعين على وجه الخصوص، و إنّما دورها رفع الاحتمال الموجب للتّردّد بينهما، و هكذا غيرها.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo