< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

القواعد الفقهية

42/07/02

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: القواعد الفقهية /مقدمات عامّة في القواعد الفقهية/ المقدمة الثانية: الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟ (المحاولة الخامسة):

-هناك مجموعة من المقدمات التي يجب البحث فيها قبل الشروع في البحث عن القواعد الفقهية، وهي:

 

المقدمة الأولى: ما المقصود من القاعدة؟

 

المقدمة الثانية: ما الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية؟

 

المقدمة الثالثة: في تقسيم القواعد الفقهية وترتيبها بشكلٍ منطقي وهندسي بحيث تتناسب مع البحث في الأبواب الفقهية دون تداخل بينها.

 

لازال الكلام في البحث التمهيدي في المقدمة الثانية: ما هو الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟

 

-المقدمة الثانية: ما هو الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟

 

يوجد مجموعتين:

 

المجموعة الأولى: تفضّل بها علماء الطائفة.

 

المجموعة الثانية: أهمّ ما توصلت إليه مدرسة الخلافة.

 

-المجموعة الأولى: ما تفضل به علماء الطائفة:

 

-المحاولة الرابعة: ما ذكره المحقق الخوئي (قده)، وقد ذكره مقرر بحثه في كتاب (محاضرات في علم الأصول)، يقول: " من أنّ استفادة الأحكام الشرعية من المسألة الأصولية على نحو الاستنباط، بخلاف الاستفادة من القواعد الفقهية فإنّه يكون على نحو تطبيق الكلّي على الجزئي"[1] .

-وتوضيح ذلك: إنّ هناك فرقٌ بين مصطلح (الاستنباط) و مصطلح (التطبيق)، فإنّ المصطلح الأول (الاستنباط) يقتضي التغاير الذاتي بين المستنّبط و المستنّبط منه، أي مغايرة القاعدة المستنبط منها للشيء المستنبط.

-وقد أورد عليه المحقق الصدر (قده) كما نقل عنه مقرر بحثه السيد محمود الهاشمي الشهرودي (قده) عدم تماميته، وذلك:

-أولاً: "لعدم اختصاص القواعد الفقهية بالقواعد التطبيقية بل منها ما يستنبط به الحكم بنحو التوسيط"[2] ، فأنّ هناك بعض القواعد الفقهية استنباطية، وليست فقهية فقط. و هذا يعتبر إشكال نقضي.

-وأشكل عليه شيخنا الفاضل اللنكراني (قده): بأنّه (قده) لم يذكر له مثالاً[3] ، مع العلم أنّ المحقق الصدر (قده) أردف بالقول، وكتب هكذا: " كما سيأتي قريبا"[4] ، ثمّ بعد صفحة ونصف من تقريرات السيد الشهرودي (قده): ذكر المحقق الصدر (قده) تقسيماً للقواعد الفقهية في خمسة أقسام: أحدها، و هو القسم الخامس أطلق عليه (القواعد الفقهية الاستدلالية) مثالاً للقواعد الفقهية الاستنباطية و التوسيطية؛ كقاعدة ظهور الأمر بالغسل من شيءٍ في الإرشادٌ إلى النجاسة، فإنّه بتوسط ظهور الأمر بالغسل نثبت الإرشادية.

فهل القاعدة نفس المستنتج منها، القاعدة تقول: (وجوب غسل هذا الشيء) و هي حكم تكليفي، نستفيد منها (النجاسة) وهي شيءٌ آخر (حكم وضعي).

و طبعاً الشيخ الفاضل اللنكراني (قده) لم يتابع ما كتبه الشهيد الصدر (ره).

مثال آخر: قاعدة مشروعية عبادات الصبي، فإنّه على القول بأنّها مشروعة نستفيد منها جواز إجارته في الفوائت العبادية، المستفاد هو (الإجارة) والقاعدة (مشروعية عبادات الصبي)، فلا اتحاد بين القاعدة و ما يُستفاد منها.

-وهذا الإشكال الذي ذكره المحقق الصدر (قده) على المحقق الخوئي (قده) صحيح 100%.

-ثانياً: أنّ التمييز بين المسألة الأصولية و القاعدة الفقهية على أساس التطبيق و الاستنباط، ينتج أنّ كثيراً ما يكون الأمر مرتبطاً بكيفية صياغة القاعدة، فيمكن أن تكون قاعدة واحدة بصيغةٍ أصولية؛ لأنّها تستبطن الاستنباط، وبصيغةٍ أخرى فقهية؛ لأنّها تستبطن التطبيق.

بناءً على هذه التفرقة، فبإمكاننا في مسألةٍ واحدةٍ أن نعتبرها أصولية بصياغةٍ، و فقهية بصياغةٍ أخرى.

بعبارةٍ أخرى: تغيّر الصياغة يؤثر في مفهومها، فهو فارقٌ غير واقعي، أي فارقٌ بالصياغة فقط، فإنّنا إذا غيّرنا صياغة القاعدة، فقد تخرج عن مفهوم الاستنباط، و تدخل في مفهوم التطبيق، وبالتالي تُصبح فقهية.

-مثال: من القواعد العريقة في الأصول: (قاعدة اقتضاء النهي عن العبادة للبطلان)، إذا كانت صياغة البحث تحت عنوان الاقتضاء، فنقول: هل أنّ النهي عن العبادة يقتضي البطلان، فتكون القاعدة أصولية؛ لأنّ البطلان يصبح مستنبطاً من الاقتضاء، و لا يكون هناك أي تطبيق.

و أمّا إذا كانت صياغة البحث تحت عنوان: ( أنّ العبادة المنهي عنها باطلة) فلا تكون أصولية؛ لأنّ إجرائها على العبادات المنهي عنها يكون بالتطبيق لا بالاستنباط، و بالتالي يجب أن تتحول إلى فقهية.وأنت خبيرٌ بأنّ روح المسألة الواحدة وإن اختلفت صياغتها، وهذا يكشف عن أنّ المائز الحقيقي بين القاعدتين ليس مجرد عدم انطباق القاعدة الأصولية على الحكم المستخرج انطباق الكلّي على فرده، و انطباق القاعدة الفقهية كذلك، بل المائز أمرٌ آخر، و لكن من المحتمل أن يكون من مظاهره و تجلّياته، أنّ النسبة بين القاعدة الأصولية و الفقهية نسبة الاستنباطية و التطبيقية.

 

-و توضيح ذلك: وقع كلامٌ بين الأصوليين أنّ النهي إذا تعلّق بالعبادة يقتضي فسادها، من باب مبغوضيته للشارع، فهل أنّه يقتضي الفساد أو لا يقتضي الفساد؟ فإن كان لا يقتضي الفساد فصلاته صحيحة، لكنّه ارتكب حراماً. مثلاً: لا تصلي في الأرض المغصوبة، أو في الكنيسة.

يقول المحقق الخوئي (قده) أنّ القاعدة بهذه الصياغة أصولية (النهي عن العبادة يقتضي الفساد)؛ لأنّه هناك مغايرة بين القاعدة (الاقتضاء) و المستفاد منها (بطلان الصلاة)، فلا بدّ أن تكون أصولية.

ثمّ يقول (قده) أنّ نفس القاعدة لو أعدنا صياغتها بشكلٍ آخر (بطلان العبادة المنهي عنها) و أطبّقها على الصلاة المنهي عنها، فأقول الصلاة باطلة، هنا المغايرة بين النهي و أجزاءه فيلزم صدق عنوان التطبيق، و هذا بلا ريب غير صحيح، فلا يمكن أن نبني على أنّ التغاير في الصيغة، يخرج القاعدة من كونها أصولية إلى فقهية، روح القاعدة يجب أن يتغير لا الصياغة.

إنّ التمايز بين المسألة الأصولية و القاعدة الفقهية على أساس التطبيق و الاستنباط، يُنتج أنّ كثيراً ما يكون الأمر مرتبطاً بكيفية صياغة القاعدة، فيمكن أن تكون قاعدة واحدة بصياغة أصولية؛ لأنّها تستنبط (الاستنباط)، وبصياغة فقهية؛ لأنّها تطبيق.

وأنت خبيرٌ بأنّ روح المسألة واحدٌ، فكيف يقول المحقق الخوئي (قده) أنّ هذا التمييز لا يصلح أن يكون مائزاً بين القاعدة الفقهية و القاعدة الأصولية.

و لكن من المحتمل أن يكون من مظاهره و تجلّياته... وهذا ما ذكره (قده).

-و ما أورده عليه:

 

-أولاً:

 

-نحن نقول: إشكاله الأول قبلناه، صحيحٌ بلا ريب؛ إذ لا تخلو جملة من القواعد الفقهية عن حقيقة الاستنباط و التوسيط، و ليست مجرد تطبيق، فإنّ هناك قواعد فقهية يصدق عليها مصطلح الاستنباط؛ للمغايرة بينها و بين ما يُستفاد منها.

-ثانياً: ما ذكره ثانياً فيه تأملٌ واضح؛ فلا يرد على المحقق الخوئي (قده)، فهو غير صحيح حتى مع تغيّر الصياغة، لا تتحول القاعدة من أصولية إلى فقهية؟ لأنّه من المستهجن جدّاً أنّ تبديل صياغة القاعدة يؤثر في لعب دور الاستنباط و التطبيق، بحيث إذا صغنا القاعدة بشكلٍ يجري في مقام الاستنتاج منها مفهوم الاستنباط و حقيقته، بينما لو صغناها بشكلٍ آخر يجري مفهوم التطبيق؛ لماذا؟ لسببين:

-السبب الأول: أنّنا نتعبّد بالصياغة الفقهائية للقواعد، ورد عند علمائنا صياغة خاصّة، هذه الصياغة نتعبّد بها، و الشاهد أنّ كلّ علمائنا الذين كتبوا بالأصول يدرسون كلّ قيدٍ من العناوين، و يكفي أن ننظر إلى الكفاية، فهذه الدراسة الدقيقة تكشف عن أنّ هناك تعبّد بصياغة هذه القاعدة، و لا يمكن لأحدٍ أن يصوغها.

ذلك لعدم ارتباط حقيقتها بالصياغة، بل متجذران في واقع القاعدة و روحها، و لهذا فمسألة اقتضاء النهي الفساد قاعدة تحمل في روحها التوسّط و الاستنباط، و لا يمكن أن تكون تطبيقية مهما كانت الصياغة المنتجة للتعبير في مقام البحث عنها، فقولنا: (النهي عن العبادة موجبٌ للبطلان)، لا يكون تطبيقاً على الصّلاة المنهي عنها و الصّوم المنهي عنه و الزكاة المنهي عنها و هكذا، بل هنا نجعل النهي واسطة في استنباط البطلان سواء سقناه بلفظ الإيجاب أو بلفظ الاقتضاء،

-السبب الثاني: نعم يبقى أنّه بعد تحقيقها و إثبات التلازم يستخرج منها حكمٌ فقهي كلّي يطبّق على مصاديقه، و لا يوجد أي مشكلة في أنّ القاعدة الأصولية بعد تحقيقها يُستنتج منها حكماً كلّياً، فحتى لو بدّلنا القاعدة محل البحث فيها، هناك تلازم بين النهي و البطلان، إذن دليل الملازمة على البطلان، فيصدق عليه مفهوم الاستنباط لا التطبيق، و هذا الإشكال واردٌ جدّاً على المحقق الصدر (ره)؛ لأنّه أقام تحول في علم الأصول، هذه القاعدة عادةً ما تُدرس في الأوامر (في الدليل اللفظي)، المحقق الصدر (ره) استشكل بأنّ هذا البحث من مباحث الدليل العقلي، رغم أنّ من سبقه ذكره في الدليل اللفظي (هل النهي عن العبادة موجب لبطلان العبادة)، فحتى لو غيّرت الصياغة لا ينفع.

-الإشكال الذي يرد على المحقق الخوئي (قده): ولكن يمكن أن يُشكل عليه إضافةً إلى الإشكال الأول الذي ذكره (قده)، بأنّ اتكال القواعد الأصولية في مقام الاستنتاج منها على الاستنباط، و اتكال القواعد الفقهية على التطبيق، ليس مائزاً حقيقياً ثبوتياً ماهوياً ذاتياً بين القاعدتين، و نحن لا نبحث عمّا يميزها كيفما اتفق، و بأي وجهٍ حصل، و إلاّ لأمكن الاكتفاء بأيٍ وجهٍ ذكر، و إن كان غير مطرد، و إنّما نبحث عن المائز الحقيقي إن أمكن، و الضابط الماهوي بينهما، فهذا التفريق بمرحلة الإثبات وكلامنا في مرحلة الثبوت.

-المحاولة الخامسة: للمحقق الصدر (قده):

ما يمكن أن يُستفاد من كلمات المحقق الصدر (ره)، و حاصله:

أن يقال بأنّ الفرق بين القاعدتين هو عنصر (الاشتراك).

قال مقرره الأستاذ الهاشمي (قدهما): " الميزان في أصولية القاعدة عدم اختصاص مجال الاستفادة والاستنباط منها، ببابٍ فقهي معين... لأنّ قاعدة الطّهارة أو القواعد الفقهية الاستدلالية، وإن كانت عامّة في نفسها، و لكنّها لا تبلغ درجة من العمومية، تجعلها مشتركة في استنباط الحكم في أبوابٍ فقهيةٍ متعددة، و هذا هو الّذي يبرّر أن يكون البحث عن كلّ واحدةٍ منها في المجال الفقهي المناسب لها، بخلاف القواعد الأصولية المشتركة في أبوابٍ فقهيةٍ مختلفة، فإنّه لا مبرّر لجعلها جزءاً من بحوث بابٍ فقهي معيّن دون سائر الأبواب"[5] .

-و توضيحه: فقد ذكر هذا المائز للتفرقة بين القاعدة الأصولية و غيرها مطلقاً، سواء كانت فقهية أو لغوية أو رجالية أو ...أنّ القاعدة الأصولية يستفيد منها الفقيه في أبوابٍ فقهيةٍ مختلفةٍ، و لا اختصاص لها ببابٍ دون باب، فالقاعدة الأصولية عنصرٌ مشتركٌ في عملية الاستنباط بينما القاعدة الفقهية عنصرٌ خاصٌ في عملية الاستنباط، و وضّح مراده من الاشتراك؛ بأنّ القاعدة الأصولية تصلح لأن يُستنبط منها أحكامٌ كثيرةٌ في أبوابٍ فقهيةٍ كثيرةٍ و مختلفةٍ، بينما القاعدة الفقهية لا تصلح إلاّ لاستنباط أحكام بابٍ واحدٍ أو بابين، و يقدّم مثالين:

-المثال الأول: (قاعدة حجّية خبر الثّقة) و العموم، و الإطلاق، و المفهوم... تصلح لاستنباط أحكامٍ في باب الصلاة، و أيضاً في باب الصوم، و أيضاً في باب الحجّ... فصحّ لنا أن نقول القاعدة الأصولية ما يُستنبط منها أحكامٌ من أبوابٍ كثيرةٍ، و الشاهد أنّ هذه القواعد الأصولية لا يمكن أن ندرسها في بابٍ دون باب؛ لذلك قرّروا هذه القواعد لأنّها مشتركة لكثيرٍ من الأبواب، بخلاف القاعدة الفقهية، فإنّها تختصُ ببابٍ معين.

-المثال الثاني: (قاعدة الطّهارة)، فإنّها و إن اُستفيد منها حكمٌ كلّي أحياناً، إلاّ أنّها تختص بباب الطّهارة فقط، و لا تشترك في إنتاج حكمٍ غيره، هل تصلح لاستنباط أحكام العقود في باب الطلاق؟ لا تصلح أبداً إلاّ للأحكام المرتبطة في باب الطّهارة.

و هكذا الحال بالنسبة إلى قاعدة الضمان، فإنّها ناظرةٌ إلى خصوص العقود، و لا تصلح لاستنباط حكم مسألةٍ أخرى منها.

إذن القاعدة الفقهية عنصرٌ خاص لا قابلية لها ولا قدرة لها لاستنباط أحكامٍ كثيرةٍ في أبواب كثيرة، بينما القاعدة الأصولية لها قابلية استنباط أحكامٍ كثيرة في أبوابٍ كثيرة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo