< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

القواعد الفقهية

42/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: القواعد الفقهية/ مقدمات عامّة في القواعد الفقهية/ المقدمة الثانية: الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟

 

-هناك مجموعة من المقدمات التي يجب البحث فيها قبل الشروع في البحث عن القواعد الفقهية، وهي:

 

المقدمة الأولى: ما المقصود من القاعدة؟

 

المقدمة الثانية: ما الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية؟

 

المقدمة الثالثة: في تقسيم القواعد الفقهية وترتيبها بشكلٍ منطقي وهندسي بحيث تتناسب مع البحث في الأبواب الفقهية دون تداخل بينها.

وصل الكلام في البحث التمهيدي إلى المقدمة الثانية: ما هو الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟

 

-المقدمة الثانية: ما هو الفارق المنطقي والضابط الماهوي بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية؟

 

تعرفون أنّ كلا النوعين من القواعد يدخلان في استنباط الأحكام الشرعية، فالمجتهد كما يحتاج إلى القواعد الأصولية للاستنباط هو بحاجةٍ أيضاً للقواعد الفقهية، فينبغي أن نوجد المائز الموضوعي الذي به نقول تلك القاعدة أصولية وهذه فقهية، فما هي الطرق التي ذُكرت للتمييز بينهما؟

طبعاً، إذا رجعنا إلى كتب فقهائنا وكتب مدرسة الخلافة، نجد طرقاً كثيرةً جدّاً، ولكن أكثرها منقودٌ أو مخدوشٌ، ولا يعطي المائز الحقيقي الماهوي بين القاعدتين؛ لذلك سنقتصر على مجموعتين:

 

المجموعة الأولى: تفضّل بها علماء الطائفة.

 

المجموعة الثانية: أهمّ ما توصلت إليه مدرسة الخلافة.

 

-المجموعة الأولى: ما تفضل به علماء الطائفة: تصدّى العلماء لذكر فوارق عديدة بين القاعدتين، بعضها تامٌّ، والآخر فيه خللٌ، ونحن نتعرّض لأهمّ هذه المحاولات:

-المحاولة الأولى: ما ذكره الشيخ الأعظم الشيخ الأنصاري (قده) على ما حُكي عنه " من أنّ نتيجة المسألة الأصولية نافعةٌ للمجتهد فقط، بخلاف القاعدة الفقهية، فإنّ نتيجتها نافعةٌ للمقلِد أيضاً"[1] .

مثال للتقريب: القاعدة الأصولية ( حجّية خبر الثّقة)، فإذا توصلنا إلى نتيجة (خبر الثّقة حجّة) كما هو المشهور بين المتأخرين، فنطبق مثلاً مضمون القاعدة على خبر زرارة، ونفتي به، كذلك نطبقه على خبر محمد بن مسلم، فيصبح مضمون خبره حجّة فنفتي به.

أمّا العامّي فلا شغل له بذلك، حتى لو ثبت لديه حجية خبر الثّقة، فلا يستطيع العمل به؛ فلو أنّ إنساناً عامّيّاً قرأ كتب الأصول، وثبت له (حجّية خبر الثّقة) وعمل بذلك، فهل يجوز له أن يفتي بمضمون الخبر؟ قطعاً لا يجوز له ذلك؛ لأنّه من مختصات المجتهد.

كذلك الحال في (قاعدة تساقط المتعارضين) فإذا تساوى المتعارضين بالحجية، ولا يوجد مرجّحات، فالحكم هو التّساقط، هذا المعنى يستفيد منه المجتهد، فيرجع إلى الأصول العملية أو العمومات الفوقانية، ويفتي بمضمونها بعد سقوط المتعارضين.

هذه النتيجة لا يستطيع العامّي أن يطبقها، فنتيجتها تنفع المجتهد، بينما القاعدة الفقهية كما يمكن للمجتهد أن يطبقها، كذلك يمكن للعامّي أن يطبقها.

مثالٌ آخر: قاعدة ( ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) فالفقيه يطبّقها على عقد البيع مثلاً، فالبيع بصحيحه ضمان، فإذا وقع فاسداً ففيه ضمان.

والعامّي يطبّق هذه القاعدة، فيأتي العامّي إلى عقد الإجارة مثلاً، فيرى في صحيحه ضمان، ففي فاسده ضمان ويطبّقها.

مثال آخر: عقد الهبة المعوضة -وإن وقع فيها كلامٌ بين الفقهاء- لأنّ الهبة المعوضة مضمونة، فيقول مثلاً (بعتك هذا الكتاب على أن تعطيني ألف ليرةٍ) ففي صحيحها ضمان، كذلك في فاسدها ضمان، فكما ينتفع المجتهد فيها يمقام الإفتاء، ينتفع العامّي بها في التطبيق.

هذا ما جادت به يراع شيخنا الأعظم (قده).

-استشكل عليه المحقق الخوئي (قده)، بقوله: " بأنّا نسلم كون نتيجة المسألة الأصولية نافقعةٌ بحال المجتهد، ولكن لا نسلم اشتراك النتيجة بين المجتهد والمقلِد في القاعدة الفقهية، فمثلاً قاعدة (ما يضمن بصحيحه يُضمن بفاسده) من أيّ طريقٍ يعلم المقلِد أنّ البيع مثلاً من العقود التي يكون في صحيحها ضمان حتى يستفيد من القاعدة تطبيق الضمان على فاسده؟ أو مثلاً قاعدة (الصلح جائزٌ بين المسلمين إلاّ ما خالف كتاب الله) فمن أين له أن يعلم بأنّ هذا الشرط مخالفٌ لكتاب الله تعالى.[2]

أي أنّ هذا ليس مطّرداً، فهو لا يجري في جميع القواعد الفقهية؛ لأنّه من يقدم مائزاً يجب أن يكون مطّرداً، بحيث لا تتخلف قاعدة واحدة؛ لأنّ نقيض الموجبة الكلّية سالبة جزئية. فالمائز بين حقيقتين يجب أن يكون فيصلاً، بحيث لا تتداخلان حتى في موردٍ واحد، فليس كلّ قاعدةٍ فقهيةٍ يمكن للعامّي أن ينتفع بها أو بنتيجتها، فبعض القواعد الفقهية لا يستطيع المقلِد أن ينتفع بنتيجتها، ويذكر لذلك نموذجين:

-النموذج الأول: نأخذ نفس مثال الشيخ الأنصاري (ره) (قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده)، من أين يعلم العامّي مصاديق العقد الصحيح؟ وكيف يحدد ذلك؟ وكيف يستطيع أن يشير إلى عقدٍ وأن يقول أنّ في صحيحه ضمان ليقول أنّ في فاسده ضمان.

-النموذج الثاني: (قاعدة الصلح بين المسلمين جائزٌ إلاّ ما خالف كتاب الله) فهي من القواعد المهمّة جدّاً لإنتاج مجتمعٍ مسلمٍ واحد. فمن أين للعامّي أن يعرف ما الذي يخالف كتاب الله، فيجب عليه أن يكون مطّلعاً على كلّ أحكام القرآن وتفاصيله، حتى يعرف ما يخالف كتاب الله، وهذا ليس شغله، ولن يتمكن منه، فكيف ينتفع به.

-أضيفُ نموذجاً ثالثاً: (قاعدة القرعة)، والتي لها نمطان:

 

-النمط الأول: في استكشاف الموضوعات المشتبهة، مثلاً: هذا المال إمّا لي أو لك، فإذا لم ترضى بالصلح، فيقول الفقهاء بالقرعة، فلا كلام لنا في هذا النمط فالعامّي ينتفع به كما هو واضحٌ.

 

-النمط الثاني: تطبيق بعض الفقهاء القاعدة لمعرفة حكم الله، يقولون إذا عيينا عن الوصول إلى الحكم هذا حلالٌ أم حرام، فأي طريق لمعرفة حكم الله، الجواب: (أقترع)، بل بعضهم قدّمها على الأصول العملية؛ لأنّ الأصول العملية تنتج وظيفة، أمّا لسان القرعة فينتج حكم، (القرعة لكلّ أمر) إطلاقها شاملٌ للحكم الشرعي، فكيف للمكلف (المقلِد) أن يجري القرعة والاشتباه بالحكم من اختصاصات المجتهد، فهل اشتباه المكلف حجّة؟

طبعاً، لا؛ لأنّنا نعطل التقليد.

يقول المحقق الخوئي (قده) للشيخ الأنصاري (قده) هذا الضابط غير موضوعي؛ لأنّ هناك مجموعةٌ من القواعد لا يستطيع العامّي تطبيقها؛ لعدم قدرته على التشخيص.

يأتي الشيخ اللنكراني (قده) يُشكل على السيد الخوئي (قده) بأنّ الظاهر عدم ورود الإشكال على الشيخ الأعظم (ره)؛ لأنّ مقصوده من كون النتيجة نافعة للمقلِد، أنّه قادرٌ على التطبيق، ومعنى هذا أنّ المقلِد بعد السؤال والفحص عن أنّ البيع من العقود التي يكون في صحيحها الضمان يقدر على تطبيق القاعدة ويحكم بأنّ في فاسدها أيضاً الضمان"[3] .

أي مقصود الشيخ الأنصاري (قده) من انتفاع العامّي بالقاعدة الفقهية هو بعد الفحص وبعد دراسة المورد وبعد السؤال عن كلّ المعطيات، حينئذٍ يستطيع أن يطبّق.

 

پ-مثلاً: في قاعدة (ما يضمن وما لا يضمن) ففي بداية الأمر لا يستطيع أن يطبّق، ولكنّه يسأل ما هي العقود الصحيحة نذكر له العقود التي في صحيحها ضمان، حينئذٍ يستطيع أن يطبّق، فلا يقصد الشيخ الأنصاري (قده) من انتفاع العامّي من نتيجة القاعدة الفقهية انتفاعه بها من دون السؤال والتدقيق فإذا عرفها يطبّقها.

أمّا في القاعدة الأصولية فلا يستطيع أن ينتفع بها.

 

أقول: في الثلاثة أقوال نظر:

    1. في ما أشكله الشيخ اللنكراني (قده) على المحقق الخوئي (قده).

    2. في ما أشكله المحقق الخوئي (قده) على الشيخ الأعظم الأنصاري (قده).

    3. في أصل الفارق والمائز الذي ذكره الشيخ الأنصاري(قده).

 

-أمّا الإشكال على الأستاذ اللنكراني (قده) نقول له:

هناك قواعد فقهية حتى لو أُلقيت التفاصيل بيد العامّي، لا يمكنه أن يطبّقها؛ لأنّ تشخيص موضوعها وموردها يحتاج إلى رأي اجتهادي، ولا يكفي مجرد الفحص والاستعلام، مثلاً قاعدة تكليف الكفّار في الفروع تحتاج إلى رأي اجتهادي في تحديد الكافر الفقهي، ولا يكفي مجرد الاستعلام والفحص، وكقاعدة الغرر فإنّ موضوعها وهو الغرر من المواضيع الشائكة التي تحتاج إلى رأيٍ اجتهادي في تطبيقها وتشخيص موضوعها، بل حتى في قاعدة ما يضمن بصحيحه هناك خلافٌ في بعض العقود؛ لشبهة الضمان في صحيحها كانكاح الذي يحمل شبهة الضمان في صحيحه، بل هناك جملةٌ من العقود التي في صحيحها ضمان ومع ذلك لا يوجد في فاسدها ؛ لدليلٍ خاص، فكيف يمكن للمقلِد أن يستعلم كلّ ذلك" [4]

البعض قد يظنّ أنّ الأراء الاجتهادية فقط في معروض الموضوع (المحمول)، والمجتهد دوره استنباط الحكم الشرعي والموضوعات ليس له دورٌ في اكتشافه و تشخيصه؛ لأنّه يستوي بين العامّي والمجتهد.

مثلاً: (تجب الصّلاة) دور المجتهد استنباط (تجب) أمّا الصّلاة (الموضوع) فلا.

هذا الكلام خاظئ، فهناك جملةٌ من الأحكام والموضوعات يحتاج تشخيصها إلى رأي اجتهادي، ولا يكفي الفهم العرفي للعامّي.


[4] كما أنّ هناك بعض القواعد الفقهية الاستدلالية كقاعدة الطهارة في الشبهات الحكمية، والتي يتوصل بها إلى الحجّية على الحكم الشرعي، أو كقاعدة ظهور الأمر بالغسل في الإرشاد إلى النجاسة التي تشبه ظهور الأمر بشيءٍ في وجوبه التي هي قاعدة مختصّة بالمجتهد، وهي أصولية، فكيف ينتفع المقلِّد بهذه القواعد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo