< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

القواعد الفقهية

42/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: القواعد الفقهية/ مقدمات عامّة في القواعد الفقهية/ المقدمة الأولى: ماذا نعني بالقاعدة.

 

هناك مجموعة من المقدمات التي يجب البحث فيها قبل الشروع في البحث عن القواعد الفقهية، وهي:

 

المقدمة الأولى: ما المقصود من القاعدة؟

 

المقدمة الثانية: ما الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية؟

 

المقدمة الثالثة: في تقسيم القواعد الفقهية وترتيبها بشكلٍ منطقي وهندسي بحيث تتناسب مع البحث في الأبواب الفقهية دون تداخل بينها.

وقد وسّع العلماء من مختلف المذاهب مقدمات القواعد الفقهية، فذكروا مثلاً: الفرق بين القاعدة الفقهية والضابطة، والفرق بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية...إلى غيرها من المقدمات التي لا يترتب عليها أثر؛ ولذا سنبحث فقط في المقدمات التي يترتب عليها أثر عملي، وهي:

 

-المقدمة الأولى: ماذا نعني بالقاعدة؟

 

-في اللّغة: أُطلقت كلمة القاعدة على إسّ الشيء، والإسّ يعني ما جعل قواماً للشيء بحيث يضمحلُ الشيء باضمحلاله، ويزول بزواله، فالقاعدة: هي الأساس الذي ترتكز عليه الأشياء، بحيث إذا زالت زالت الأشياء، ويطلق على الأسس سواء كانت ماديةكأساس البيت أو معنوية كأساس العلم.

 

يقول (ابن منظور) في (لسان العرب): " القاعدة أصل الإُسّ، والقواعد الإساس، وقواعد البيت إساسه، وفي التنزيل: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ﴾[1] ، أي الأساس، وفي التنزيل أيضاً: ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ﴾[2] ، أي دكدك قواعده فانهار البناء...

قال الزجّاج: القواعد أساطين البناء التي تعمده، (أي تجعله ذا عمدٍ)، وقواعد الهودج: خشباتٍ أربع معترضة في أسفله تركب عيدان الهودج فيها"[3] .

إذن نقصد من القاعدة: أساس الشيء وقوام الشيء بحيث لولاه زال الشيء.

-وأمّا في الاصطلاح: فقد جاء في (موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون): "القاعدة: تطلق على معانٍ مرادفة (الأصل- القانون-المسألة-الضابطة-المقصد)، وعرّفت بأنّها أمرٌ كلّيٌ منطبقٌ على جميع جزئياته عند تعرّف أحكامها منه"

فيمكن أن يكون المعنى الاصطلاحي في بحثنا من تعريف القاعدة، بمعنى الأصل أو الضابطة أو ... ثمّ يقول: وعُرّفت: بأنّها: أمرٌ كلّيٌ منطبقٌ على جميع جزئياته عند تعرّف أحكامها منه.

أي في الاصطلاح: القاعدة مفهومها مخصصٌ فيما إذا كانت كلّية أولاً، ثمّ أن يكون منطبقاً على جميع جزئياته (مصاديقه) ثانياً.

 

-وقد دار بحثٌ هنا:

 

-هل القاعدة بهذا المعنى تصدق على القواعد الفقهية؟

 

إذ قد نلاحظ أنّ جملةً من القواعد الفقهية ليست كلّية، بل أكثرها إن لم نقل كلّها لها استثناءات.

 

مثلاً: قاعدة (المؤمنون عند شروطهم)، يستثنى منها: الشروط التي تخالف كتاب الله، ويستثنى منها ما خالف مقتضى العقد، ويستثنى منها ما حلّل حراماً وأو حرّم حلالاً (بعتك بشرط أن تشرب الخمر)، بلا ريب هذه الشروط لا يجب الوفاء بها، فإذا خرجت تتصف القاعدة بالغالبية.

من هنا وقع كلامٌ، هل يعتبر مفهوم الكلّية في ضابطة القواعد الفقهية؟ أو لا يكفي الغلبة؟

بعبارةٍ أخرى، مصطلح القاعدة في بحثنا متقومٌ بالكلّية أو بالغالبية؟

هذا بحثٌ مهمٌّ؛ لأنّنا إذا اعتبرنا الكلّية فتكون قاعدة، وإذا اعتبرنا الغالبية تكون مسألة فقهية.

 

-هل يعتبر في القاعدة الفقهية أن تتقوم بالكلّية أو تكفي الغالبية؟

 

-عند علماء العامّة، اختلفوا على رأيين:

 

الرأي الأول: أنّها أكثرية: وقع الاختلاف في ذلك، فذهب جمعٌ من غلماء العامّة كالحمدي وبعض علماء المالكية إلى أنّها أكثرية وليس كلّية، فقالوا: أكثر قواعد الفقه أغلبية.

 

الرأي الثاني: أنّها كلّية: وهو الرأي الفقهي الأكاديمي، قال: "هي أصولٌ فقهيةٌ كلّيةٌ في نصوصٍ موجزة دستورية، تتضمن أحكاماً تشريعية عامّة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها".[4]

-أمّا عند علماء المذهب الجعفري:

فلم نجد خلافاً في هذه النقطة، كما حكاه عنهم شيخنا وأستاذنا الفاضل اللنكراني (قده)، حيث ذكر عدم وجود خلافٌ في مدرستنا، وأوعز السبب إلى أنّ دعوى الغلبة تنشأ من وجود مستثنيات لها، فاعتبروا هذا الاستثناء دليلاً على دعوى غالبيتها وخروجها عن الكلّية، ثمّ قال: إنّ هذا الاستثناء وإن كان يخرجها عن الكلّية، ولكن لا يخرجها عن كونها قاعدة.

أقول لشيخنا الأستاذ: النقاش ليس في زوال القاعدة بعروض المستثنيات، وإنّما النقاش في أنّ الكلّية من ذاتيات القاعدة و من مقوماتها أو لا؟

نحن نقول: علمائنا اعتبروا الكلّية في القاعدة، ومن يروم معرفة أراءهم عليه أن يراجع تعريفاتهم للقاعدة حيث ذكروا في تعريفها: هي الأمر الكلّي، فيجب أن نأتي بمعنى نحافظ فيه على كلّيتها مع وجود تلك الاستثناءات، وإن كثرت، فالاستثناء لا يخرجها أيضاً عن الكلّية باعتبار أنّ الكلّية في القاعدة بعد أن يُلتفت إلى كامل الأجزاء والشرائط المعتبرة في موضوعها، وبعد دفع الموانع تبقى على كلّيتها، ولا يلتفت إلى الخارج عنها باعتباره استثناءً عن كلّيتها، ولنأخذ مثالاً على ذلك قاعدة (المؤمنون عند شروطهم) فإنّها تبقى على كلّيتها بعد الالتفات إلى الشرائط؛ كعدم مخالفة الشرط للكتاب والسنّة أو عدم مخالفته لمضمون العقد، أو أن لا يحلّ حراماً أو يحرّم حلالاً، فبعد الالتفات إلى كلّ هذه القضايا المعتبرة في تهذيبها نقول (قاعدة الشروط) أو قاعدة المؤمنون عند شروطهم، لا أنّنا نؤسس القاعدة تبعاً لعمومية دليلها ثمّ نأتي إلى المستثنيات.

وبعبارةٍ أخرى:

في مقام تأسيس القاعدة يجب التوجه إلى أدلّتها وإلى الداخل فيها والخارج عنها عند عقد البحث فيها لتكوين ماهيتها، وبالتالي فالبحث عن نوع الشرط الذي يجب الوفاء به يجب أن يبحث في شروط القاعدة، لا أن نعقد القاعدة اتكالاً على عموم دليلها، ثمّ نأتي إلى أدلّة الشرط الذي يجب الوفاء به، فنخرج مالا يجوز الوفاء به من الشروط أو ما لا يجب الوفاء به عبر المستثنيات.

-هناك طريقتان للبحث في القواعد الفقهية:

 

-الطريقة الأولى: أن نأخذ أدلّة القاعدة على عموميتها ونسقطها على موضوعها الكلّي، ثمّ نأتي إلى أدلّة المستثنيات فنستثني منها ما دلّت هذه الأدلّة على خروجه، وهنا نخرج عن كلّية القاعدة بسبب هذه الطريقة، إذ يترتب عليها المستثنيات.

-الطريقة الثانية: أن ندخل أدلّة المستثنيات في أصل تقعيد القاعدة، فتصبح القاعدة ( المؤمنون عند شروطهم إلاّ شرطٌ مخالف لكتاب الله أو مخالفٌ لمقتضى العقد ...) فتكون القاعدة من الأساس مخصصةٌ بغير ما دلّ الأدلّة الخاصّة على خروجه منه، وبالتالي فلا تبقى لها مستثنيات، وتكون في مواردها كلّية.

إذن لا ندرس القاعدة ثمّ نأتي بعد ذلك إلى المستثنيات، فمن الأساس تكون القاعدة ضيقةٌ، فلا تنطبق إلاّ على الموارد المحددة، وبهذا نوافق ما قاله المعظم من أنّ القاعدة الفقهية هي الأمر الكلّي.

والنتيجة: وعلى هذا فلا يمكن لأحدٍ أن يستشكل على كلّية القاعدة، بل تبقى كلّية بالحدّ الذي قامت الأدلّة على شمولها له.

وبالتالي فالقواعد الفقهية كلّية بهذا اللحاظ، و لا بدّ من اعتبار الكلّية في القاعدة لا الغلبة.


[4] موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون، التهانوي، 2/1295.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo