< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الأصول

41/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: التعارض/ أحكام التعارض / أحكام التعارض (أنحاء تصور إعمال دليل الحجية في المتعارضين).

 

إنّ إعمال دليل الحجية في المتعارضين يتصوّر بأحد أنحاءٍ أربعة كلّها باطلة ، فلا يبقى إلاّ التساقط .

النحو الأول : افتراض شمول دليل الحجية لهما معاً ، وهذا غير معقول ؛ لأدائه إلى التعبّد بالمتعارضين ، وهو مستحيل .

النحو الثاني : افتراض شمول دليل الحجية لواحدٍ منهما بعينه ، وهذا غير معقول أيضاً ، لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح .

النحو الثالث : افتراض شمول دليل الحجية لكلٍّ منهما على تقدير عدم الأخذ بالآخر ؛ لأنّ ثبوت الحجية المقيدة في كلٍّ من الطرفين لا محذور فيه، وإنّما المحذور في الحجيتين المطلقتين ، فلا موجب لرفع اليدّ عن أصل دليل الحجية بالنسبة إلى كلٍّ منهما في الجملة ، وإنّما نرفع اليدّ عن إطلاق الحجية فيهما ، وهذه الحالة أيضاً باطلة ؛ لاستلزامها اتصاف كلٍّ منهما بالحجية عند عدم الأخذ بهما معاً ، فيعود محذور التعبّد بالمتعارضين .

النحو الرابع : "افتراض حجية كلٍّ منهما مقيّدة بالأخذ به لا بترك الآخر – دفعاً للمحذور المتجه على النحو السابق – وهذا باطلٌ أيضاً ؛ إذ لازمه أن لا يكون شيءٌ منهما حجة في فرض عدم الأخذ بهما ، فيكون المكلف مطلق العنان بالنسبة إلى الواقع ، ويرجع فيه إلى الأصول اللفظية أو العملية ، وهذا ما لا يلتزم به القائل بالتخيير "[1] .

وأورد عليه المحقق الصدر (قدّه) بأنّه بالإمكان اختيار النحو الرابع والالتزام بالأخذ بحجية كلّ واحدٍ منهما مقيدة بالأخذ به ، ولا يلزم المحذور الذي ذكره (قدّه) وذلك لأننا نتساءل :

هل من المحتمل – بحسب الارتكاز العرفي والشرعي – التفكيك بين حجتين مشروطةٌ كلّ واحدةٍ منهما بالأخذ ، وبين وجوب الأخذ بإحدى هاتين الحجتين ؟

فإن كان الانفكاك محتملاً التزمنا بالحجتين المشروطتين تمسكاً بما يمكن من دليل الحجية ولا يلزم محذور ، وإلاّ كان دليل الحجية الصالح لإثبات هاتين الحجتين بالمطابقة دالاً بالالتزام على وجوب الأخذ بأحدهما "[2] .

وتوضيح مراده (قدّه) : أنّه على فرض الالتزام بالنحو الرابع ، وأنّ الحجية في كلّ دليلٍ من الدليلين مشروطةٌ بالأخذ به والعمل بمضمونه ، فيكون مفاد دليل الحجية أنّ دليل (أ) حجة عليك إن أخذت به وتبيّنته ، و أنّ دليل (ب) حجة عليك أيضاً إن أخذت أيضاً إن أخذت به وتبينّته ، ويتخلّص بذلك من المحذور الوارد على النحو الثالث القاضي بتقيّد دليل الحجية في كلٍّ منهما بترك الآخر ، والذي لازمه سقوطهما عن الحجية بتركهما معاً ؛ لتحقق شرط كلّ واحدٍ منهما ، ولكنّ المحذور الذي أُورد عليه من لزوم سقوطهما عن الحجية معاً فيما لو تركهما المكلّف ؛ لعدم تحقق شرط الحجية ، وهو الأخذ ، والعمل لا يجري هنا وذلك ؛ لأنّ الارتكاز العرفي والمتشرعي لا يُحتمل فيه أصلاً التفكيك بين حجيتين مشروطةٌ كلّ واحدةٍ منهما بالأخذ وبين وجوب الأخذ بإحدى الحجتين المشروطتين ؛ وذلك لأجل ضرورة التمسّك بما يمكن من دليل الحجية .وإن قلنا نعم يمكن للارتكاز العرفي والمتشرعي التفكيك بين حجيتين مشروطة ٌكلّ واحدةٍ منهما بالأخذ وبين وجوب الأخذ بإحدى هاتين الحجيتين ، فيكفي دليل الحجية الصالح لإثبات هاتين الحجيتين بالمطابقة يكفي دليلاً لوجوب الأخذ بأحدهما التزاماً . وما ذكره متين جداً ، وذلك لأنّ افتراض تقييد كلّ واحدٍ من الحجيتين بالأخذ به لا يستبطن الدلالة على أنّه في حال تركهما وعدم الأخذ بأي منهما فتسقط الحجية عنهما ، فإنّ هذا منافٍ تماماً للمرتكزات العرفية والمتشرعية ، فلو رجعت إلى الأعراف في مثل هذه المسألة هل يحكمون بسقوط كلتا الحجيتين لعدم الأخذ بكلّ واحدةٍ منهما ؟! بل قد يستلزم هذا مخالفة دليل الحجية ، وهكذا الحال بالنسبة إلى الارتكاز عند المتشرّعة، فإنّ جعل مثل هاتين الحجيتين المشروطتين بالأخذ لا يعني سقوطهما عند عدم الأخذ ، بل لا ريب في وجوب الأخذ بأحدهما ولو سلمنا بأنّ الارتكاز العرفي أو المتشرّعي يمكنه التفكيك فيقبل الحجية المشروطة بالأخذ ، ويرفض وجوب الأخذ بأحدهما ، بل لو تركهما المكلف زالت الحجية لكليهما لمكان زوال الشرط لكلٍّ منهما ، فيمكن الرجوع إلى أصل دليل الحجية فإنّه يدلّ بالمطابقة على حجية كلّ واحدٍ من الدليلين، كما يدلّ بالدلالة الالتزامية على وجوب الأخذ بأحدهما .

وعليه : فمحاولة مدرسة المحقق الخوئي (قدّه) لإثبات أصالة التساقط في المتعارضين لم تتم .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo