< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الأصول

41/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: التعارض/ أحكام التعارض / أحكام التعارض (بيان الأصل عند تعارض الأدلّة).

 

وكيف كان فالمهم بيان الأصل عند تعارض الأدلّة ، هل هو التساقط أو التخيير أو الاحتياط أو التوقف ؟ احتمالات ، بل أقوال :

القول الأول : الأصل عند التعارض هو التساقط ، ذهب إليه مشهور المتأخرين ، وقد اُستدل له بوجوه :

الوجه الأول : ما ذكره المحقق الخوئي (قدّه) قال : " الأصل في التعارض التساقط وعدم الحجية ، أمّا إذا كان التعارض بين دليلين ثبتت حجيتهما ببناء العقلاء، كما في تعارض ظاهر الآيتين أو ظاهر الخبرين المتواترين ، فواضح ، إذ لم يتحقق بناء من العقلاء على العمل بظاهر كلامٍ يعارضه ظاهر كلامٍ آخر، فتكون الآية التي يعارض ظاهرها بظاهر آية أخرى من المجمل بالعرض، وإن كان مبيناً بالذات ، وكذا الخبر ان المتواتران.

وأمّا إن كان دليل حجية المتعارضين دليلاً لفظياً - كما في البينة - فالوجه في التساقط هو ما ذكرناه في بحث العلم الإجمالي ؛ من أنّ الاحتمالات - المتصّورة بالتصور الأولي - ثلاثة: فأمّا أن يشمل دليل الحجية لكلا المتعارضين. أو لا يشمل شيئا منهما .أو يشمل أحدهما بعينه دون الآخر. ولا يمكن المصير إلى الاحتمال الأول ؛ لعدم إمكان التعبد بالمتعارضين ، فإنّ التعبد بهما يرجع إلى التعبد بالمتناقضين، وهو غير معقول. وكذا الاحتمال الأخير ؛ لبطلان الترجيح بلا مرجح ، فالمتعين هو الاحتمال الثاني.

ونظير ذلك ما ذكرناه في بحث العلم الإجمالي من عدم جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي ؛ فإنّ شمول الدليل للطرفين موجب للمخالفة القطعية ، والترخيص في المعصية ، وشموله لأحدهما ترجيح بلا مرجح ، فلم يبق إلاّ عدم الشمول لكليهما"[1] .

وتوضيح مراده: أنّ الدليل الذي يتمسك به لإثبات حجية الدليلين المتعارضين لولا التعارض تارةً ، هو بناء العقلاء الذي هو دليل لبّي لا إطلاق له ، كما في حجية الظهور التي ثبتت أصولياً بالسيرة العقلائية القائمة على العمل به في مقام التخاطب والتفاهم .

وأخرى يكون الدليل على حجية المتعارضين لفظياً له إطلاق يشمل حجيتها حتى بعد التعارض بالظهور الأولي ، كما في دليل حجية البيّنة القاضي بإطلاقه حجيتها مع معارضتها بأخرى ، كما في قوله (ع) : " والأشياء كلّها على هذا حتى تستبين أو تقوم به البينة"[2] .

ولا ريب في عدم حجية المتعارضين إذا كان الدليل من قبيل المورد الأول ؛ لأنّ البناء والسيرة العقلائية لا إطلاق لها لكونها دليلاً لبّياً ، ومعه لا يُحرز عمل العقلاء بالظهور في حال معارضته بظهورٍ آخر ، وهذا يفرض التساقط كما لا يخفى .وأمّا إذا كان من قبيل المورد الثاني ، وأنّ لدليل الحجية إطلاقاً لفظياً يقضي بالشمول حتى لمورد التعارض فالأصل هو التساقط أيضاً ؛ وذلك لتكّون علم إجمالي بحجية أحدهما قطعاً ، وبالتالي لا يمكن شمول الحجية لكليهما و إلاّ لزم التعبّد بالضدين أو المتناقضين ، كما لا يمكن إثبات حجية أحدهما بعينه و إلاّ لزم الترجيح بلا مرّجح ، فانحصر الأمر بعدم التعبّد بحجيتهما أو هذا هو التساقط .ويرد عليه :

أولاً : صحيح أنّ بناء العقلاء دليل لبّي يُقتصر فيه على القدر المتيقن من حجية العمل بالظاهر ، وهو في غير موارد التعارض ، ولكن في المقابل لا يتبنى العقلاء أبداً التساقط في مورد التعارض بين الظهورين على نحوٍ يُعلم بأنّ للمتكلم تكليفاً بأحدهما أو بهما حتى يتعامل معه معاملة المجمل الساقط عن الحجية ، ويمكن أن يلاحظ ذلك من علاقة الآمرين بالمأمورين ، فلو أنّ مأموراً جاءه خبران عن آمره ، أحدهما يظهر له منه اللزوم ، والآخر يظهر له منه المنع ، فهل يا ترى يسقطهما ويتعامل مع القضية و كأنّه لم يصله شيءٌ بحجة إجمال المراد ؟ أو أنّه يتوقف ريثما يطهر له حال مراده ؟

ثانياً : في الفرض الثاني لا تنحصر الاحتمالات بالثلاثة التي ذكرها ، بل يمكن فرض احتمال رابع لا تصل النوبة معه إلى التساقط ، وهو احتمال حجية أحدهما لا بعينه ، وهو قد يقضي بالتخيير لا بالتساقط ، وهذا المعنى يمكن تصّوره بافتراض أنّ إطلاق دليل الحجية لا يستوجب سقوطه رأساً في فرض التعارض ، وإنّما يُتنازل عن الحصّة غير الممكنة منه ، وهو حجية كليهما معاً القاضي بالتعبّد بالضدين أو النقيضين ، وأمّا حجية أحدهما غير المعيّن فلا يلزم منه محذور التعبّد بالضدين أو النقيضين كما لا يخفى ، غاية الأمر يوكل تشخيص الفرد غير المعيّن إلى اختيار المكلّف ، أو غير ذلك ، وهذا لا مانع منه كما هو ظاهر .

ثالثاً : لنا تحفظ على استحالة الترجيح بلا مرجّح ، وذلك لأنّ الترجيح بلا مرجّح يقع كثيراً من العقلاء ، فمثلاً لو كان أمام الإنسان رغيفان من الخبز على مسافةٍ متساويةٍ من يده ، وكانا يتمتعان بتمام الخصائص فهل هنا ترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجّح قبيح ؟! ولو كان كذلك لوجب أن لا يأكل أبداً ، نعم ترجيح المفضول على الأفضل بلا مرجّح فهو قبيح ، ولكن في فرض المساواة بين الفردين فلماذا الترجيح بلا مرجّح يكون قبيحاً .

وعليه فلماذا الترجيح لأحد الحجتين مع التكافئ من كلّ الجهات من الترجيح القبيح ؟وعليه فما ذكره (قدّه) لا يصلح دليلاً لأصالة تساقط المتعارضين .

هذا ولكن للمحقق الصدر (قدّه) في تقريرات أستاذنا المحقق الهاشمي (قدّه) بياناً مختلفاً شيئاً ما عن بيان المصباح ، وإن همّشه عن المصباح ، وحاصله :

إنّ إعمال دليل الحجية في المتعارضين يتصوّر بأحد أنحاءٍ أربعة كلّها باطلة ، فلا يبقى إلاّ التساقط .

النحو الأول : افتراض شمول دليل الحجية لهما معاً ، وهذا غير معقول ؛ لأدائه إلى التعبّد بالمتعارضين ، وهو مستحيل .

النحو الثاني : افتراض شمول دليل الحجية لواحدٍ منهما بعينه ، وهذا غير معقول أيضاً ، لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح .

النحو الثالث : افتراض شمول دليل الحجية لكلٍّ منهما على تقدير عدم الأخذ بالآخر ؛ لأنّ ثبوت الحجية المقيدة في كلٍّ من الطرفين لا محذور فيه، وإنّما المحذور في الحجيتين المطلقتين ، فلا موجب لرفع اليدّ عن أصل دليل الحجية بالنسبة إلى كلٍّ منهما في الجملة ، وإنّما نرفع اليدّ عن إطلاق الحجية فيهما ، وهذه الحالة أيضاً باطلة ؛ لاستلزامها اتصاف كلٍّ منهما بالحجية عند عدم الأخذ بهما معاً ، فيعود محذور التعبّد بالمتعارضين .

النحو الرابع : "افتراض حجية كلٍّ منهما مقيّدة بالأخذ به لا بترك الآخر – دفعاً للمحذور المتجه على النحو السابق – وهذا باطلٌ أيضاً ؛ إذ لازمه أن لا يكون شيءٌ منهما حجة في فرض عدم الأخذ بهما ، فيكون المكلف مطلق العنان بالنسبة إلى الواقع ، ويرجع فيه إلى الأصول اللفظية أو العملية ، وهذا ما لا يلتزم به القائل بالتخيير "[3] .

وأورد عليه المحقق الصدر (قدّه) بأنّه بالإمكان اختيار النحو الرابع والالتزام بالأخذ بحجية كلّ واحدٍ منهما مقيدة بالأخذ به ، ولا يلزم المحذور الذي ذكره (قدّه) وذلك لأننا نتساءل :

هل من المحتمل – بحسب الارتكاز العرفي والشرعي – التفكيك بين حجتين مشروطةٌ كلّ واحدةٍ منهما بالأخذ ، وبين وجوب الأخذ بإحدى هاتين الحجتين ؟

فإن كان الانفكاك محتملاً التزمنا بالحجتين المشروطتين تمسكاً بما يمكن من دليل الحجية ولا يلزم محذور ، وإلاّ كان دليل الحجية الصالح لإثبات هاتين الحجتين بالمطابقة دالاً بالالتزام على وجوب الأخذ بأحدهما "[4] .


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo