< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الأصول

41/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم


موضوع:
التعارض/ التخصص و الورود / أحكام الحكومة (الحكم الثالث).

الحكم الثالث :من أحكام الحكومة أنّ الدليل الحاكم كالتخصيص تماماً من حيث تأثيره على الدليل المحكوم فيما إذا كان متصلاً ، فكما أنّ المخصّص المتصل يرفع ظهور العام في العموم فضلاً عن حجيته ، وإذا كان منفصلاً يرفع حجيته ولا يرفع ظهوره في العام كذلك الحاكم ، فإنّه إذا كان متصلاً بالدليل المحكوم يرفع ظهوره فضلاً عن حجيته ، وأمّا إذا كان منفصلاً فيرفع حجية الدليل المحكوم ولا يرفع ظهوره .
وخذ مثالاً على ذلك :
مثال الدليل الحاكم المتصل :

ما مرّ معنا في قضية شاة سودة بنت زمعة المهزولة التي تُركت حتى ماتت ، وأنّ النّبي (ص) قال : " ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها ( بجلدها) ؛ أي تذكّى" [1] .

فإنّ طاهر قوله (ص) : " أن ينتفعوا بجلدها " الانتفاع به بعد موتها ، وهذا الظهور ينفع في الحكم بجواز الانتفاع بجلد الميتة عموماً ، ويكون مفسراً لقوله (ع) : " الميتة ينتفع منها بشيءٍ ؟ فقال (ع) : لا " بأنّ المراد خصوص اللحم لدلالة تلك الرواية على جواز الانتفاع بجلد الميتة ، ولكن حيث اتصل بهذا البيان قوله ( أي تذكّى) فيكون قرينة لإلغاء الظهور في جواز الانتفاع بجلد الميتة ، ويحوّل ظهورها إلى قرينة الدليل الحاكم على أنّ المراد أن تذكّى أولاً ثمّ ينتفع بجلدها ، وبالتالي فتصبح هذه الرواية لما روي عنه (ع) : " الميتة لا ينتفع منها بشيءٍ" ، وبالتالي فيكون ظهور الدليل المحكوم تابعاً لظهور الدليل الحاكم وتبعاً لذلك يكون موضوع الحجية ما آلت إليه قرينية الدليل المحكوم .

وأمّا مثال الدليل المحكوم المنفصل :

ما روي عنهم (ع) : " أنّه لا يعيد الصلاة فقيه"[2] ، فإنّه بإطلاقه شاملٌ لما إذا كان الشكّ في الصلاة بين الركعة الثانية والركعة الثالثة ، حيث يصدق عليها مفاد لا يعيد الصلاة فقيه ، ولكن لمّا ورد عنهم (ع) : إعادة الصلاة في هذا المورد كما هو مفاد رواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله (ع) وكانت قرينة منفصلة أدّت إلى إلغاء حجية رواية لا يعيد الصلاة فقيه في عموم حالات الشكّ بين الركعات ، وإن لم تؤثر على إلغاء ظهورها .

وبعد اتضح الفرق بين قرينة الحاكم المنفصل عن المتصل يبقى الدليل على أنّ الأول يلغي الظهور بينما الثاني يلغي الحجية ،
فيقال :

حيث قلنا مراراً بأنّ ملاك الحكومة إنّما هو القرينة الشخصية ، فإنّ القرينة كلّما اتصلت بذي القرينة كانت صالحة لرفع الظهور وجعل مدلوله على وفق ظهور القرينة ، وإذا انفصلت عنه فتهدم حجيته ، بناءً على ما عند العقلاء بأنّ للمتكلم أن يحدّد المراد النهائي لمدلول كلامه .ويكتفى بهذه الأحكام ، وقد ظهر بعضها الآخر من تضاعيف البحوث المتقدّمة .أحكام التعارض :

أولاً : تأسيس الأصل عند التعارض :

وقع الكلام في تأسيس الأصل عند التعارض بين الدليلين أو الأدلّة مع قطع النظر عن الأخبار العلاجية .وأمّا متى تظهر فائدته ، فيقول المحقق الخوئي (قدّه) :

"لا يخفى أنّه لا ثمرة لتأسيس الأصل بالنسبة إلى الأخبار ؛ إذ الأخبار العلاجية متكفّلة لبيان حكم تعارض الأخبار ، ولا ثمرة للأصل مع وجود الدليل ، نعم الأصل يثمر في تعارض غير الأخبار ، كما إذا وقع التعارض بين آيتين من حيث الدلالة ، أو بين الخبرين المتواترين كذلك ، بل يثمر في تعارض الأمارات في الشبهات الموضوعية ، كما إذا وقع التعارض بين بيّنتين ، أو بين فردين من قاعدة اليدّ ، كما في مال كان تحت استيلاء كلا المدعيّين "[3] .

أقول :

لا ريب في وفاء الأخبار العلاجية في بيان حكم التعارض بين الأخبار الواردة في الشبهات الحكمية ؛ لكون موضوعها هو الاخبار المتعارضة على وجه الكلية فلا يشكّ في شمولها لمورد من الموارد المتعارضة حتى نحتاج إلى تأسيس الأصل المرجعي ، ولكن يمكن استثماؤ الأصل في الموارد التي ذكرها (قدّه) ، وهي :

1- تعارض آيتين كريمتين من حيث الدلالة ، لاستحالة وقوع التعارض الحجتي بينهما ؛ لحجية جميع آيات القرآن الكريم من جهة صدوره وسنده، كما في قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾[4] مع قوله تعالى : ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[5] وفرض عدم تفسير الثانية للأولى ، فهنا الأخبار العلاجية لا تنفع في حلّ التعارض بينهما ؛ لأنّ موضوعها تنافي الخبرين ، وهنا التنافي بين مدلول الآيتين لا الخبرين ، فمع عدم المكنة من إرجاع أحد الآيتين إلى الآخر فنحتاج إلى الأصل بلا ريب .

2- الخبران المتواتران إذا فرض تعارض مدلوليهما ؛ لاستحالة التنافي الصدوري بينهما بعد فرض تواترهما ، فإنّه لا ريب في صدورهما معاً فلا ريب في كون تنافيهما من حيث الدلالة والمؤدى ، وهنا أيضاً لا يمكن الرجوع إلى الأخبار العلاجية ، وذلك لسببين :

الأول : أنّ الأخبار العلاجية في بعض الموارد تفرض إسقاط أحد الخبرين والأخذ بالآخر ، وهذا إنّما يتمّ في أخبار الآحاد التي تحتمل عدم الصدور، ولا يمكن إجراوه في فرض تواترهما لليقين بالصدور .

الثاني : أنّ الأخبار العلاجية لها ظهورٌ في خبر الواحد ، فلا تشمل المتواتر .

3- تعارض الأمارات في الشبهات الموضوعية ، كالبينيتين ، وقاعدة اليدّ في موردين ، وذلك لنظر الأخبار العلاجية إلى الأخبار الواردة في الشبهات الحكمية ، فلا يشمل ما ورد في الشبهات الموضوعية .

هذا ولكن يمكن فرض استثمار الأصل المرجعي في غير هذه الموارد أيضاً .

منها : تعارض الإجماعين .

ومنها : تعارض السيرتين ، كالسيرة العقلائية والسيرة المتشرعية على فرض عدم كشفها عن رواية وصلت إليهم .

ومنها : تعارض الشهرتين على القول بحجية الشهرة الفتوائية في نفسها .

ومنها : تعارض فتويا الفقيه ، أو تعارض النقل عنه .

ومنها : تعارض قولا الرجاليين في وثاقة وتضعيف الرواة .

إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة التي ينفع تأسيس الأصل في المتعارضين .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo