< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الأصول

40/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: التعارض/ أسباب نشوء التعارض / السبب السادس الدسّ والتزوير و السبب السابع : تصرف الراوي بالنقل بالمعنى

 

السبب السادس : الدسّ والتزوير

من أسباب نشوء التعارض بين الأخبار قيام البعض بعملية الدسّ والتزوير فيها ، التي قام بها بعض المغرضين والمعادين لمذهب أهل البيت (ع) على ما نقله التاريخ وكتب التراجم والسير .

وقد وقع كثيرٌ من ذلك في عصر الأئمة (ع) أنفسهم ، على ما يظهر من جملة من الأحاديث التي وردت تنبه أصحابهم إلى وجود حركة الدسّ و التزوير فيما يروون عنهم من أحاديث .

فعن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن : أنّ بعض أصحابنا سأله وأنا حاضرٌ ، فقال له : يا أبا محمد ما أشدّك في الحديث و أكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا ، فما الذي يحملك على ردّ الأحاديث ؟

فقال حدثني هشام بن الحكم حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبدالله (ع) يقول : لا تقبلوا علينا حديثاً إلاّ ما وافق القرآن والسّنة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة ، فإنّ المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي ، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالى وسنة نبينا محمد (ص) ، فإنّا إذا حدثنا قلنا : قال الله عزّ و جلّ ، وقال رسول الله (ص). قال يونس : وافيت العراق فوجدت بها قطعةً من أصحاب أبي جعفر (ع) ووجدت أصحاب أبي عبدالله (ع) متوافرين ، فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها بعدُ على أبي الحسن الرضا (ع) فأنكر منها أحاديث كثيرةً أن يكون من أحاديث أبي عبدالله (ع) ، وقال لي : إن أبا الخطاب كذب على أبي عبدالله (ع) ، لعن الله أبا الخطاب ، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسّون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبدالله (ع) ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن فإنّا إن تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة[1] .

وهذه الرواية وأمثالها تكشف عن اهتمام الأئمة (ع) في التبيه على وجود حركة الدسّ والتزوير في الرواية ، وهي وإن أنتجت التحفظ الشديد من قبل أصحاب الأئمة والسلف المتقدم من علماء الطائفة في نقل الحديث وروايته ، ولها الفضل الكبير في تحصين كتب الحديث عن أكثر ذلك التزوير ، إلّا أنّه لا يعني الجزم بعدم تواجد شيءٍ ممّا زوّر على الأئمة (ع) في مجموع ما بأيدينا من أحاديثهم (ع) سيّما إذا لاحظنا العملية تمارس في كثيرٍ من الأحيان عن طريق دسّ الحديث الموضوع في كتب الموثوقين من أصحاب الأئمة (ع) ، كما أشارت إليه رواية يونس المتقدمة ، فلربمّا كان بعض ما نجده في كتب الأحاديث اليوم من الروايات المتعارضة المختلفة هو من بقايا ذلك الدسّ ، الذي وقع في تلك العصور .

 

السبب السابع : تصرّف الراوي بالنقل بالمعنى:

دلّت جملة من النصوص على أنّ بعض الرواة يتصرفون في ألفاظ الرواية المنقولة عن المعصوم (ع) ، ولا يلتزمون بحرفية ألفاظهم (ع) ، ولربّما كان لفظ المعصوم (ع) يحتوي على قرينةٍ تكشف المراد فحذفها الرواي بظنّ عدم إخلالها بالمعنى المقصود .

فقد روى منصور بن حازم ، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل تزوج امرأة وسمى لها صداقاً ثمّ مات عنها ولم يدخل بها، قال: لها المهر كاملاً، ولها الميراث، قلت: فإنّهم رووا عنك أنّ لها نصف المهر، قال: لا يحفظون عنّي إنّما ذلك للمطلقة.[2]

إنّ مثل هذه الظاهرة من الطبيعي اأن يقع في دلالة النصّ أو مدلوله شيءٌ من التغير و التبديل ، بأن تتغير مرتبة دلالة النصّ ودرجة صراحتها، أو تتغير مرتبة دلالة النصّ ودرجة صرحتها ، فينشأ على أساس ذلك التعارض أو تستحكم المعارضة بسبب التغيير الحاصل بحيث لولاه لكان من الممكن الجمع بين النصوص وحلّ المعارضة بأحد أنحاء الجمع العرفي .

وعلى هذا الأساس كان من الطبيعي أن تتأثر درجة التغيير والتصرف في النصّ بمدى قدرة الراوي على ضبط تمام المعنى ونقله من دون تصرّفٍ فيه إلاّ ذلك التصرف الذي لا يُخلّ ، فكلّما كان الراوي أعلم بدقائق اللغة وأعرف بظروف صدور النصّ وبيئته كان احتمال التغيير فيما ينقله إلينا أضعف درجةً وأقلّ خطورة .

وممّا يشهد على وجود هذا العامل في الروايات ما نجده في أحاديث بعض الرواة بالخصوص من أصحاب الأئمة (ع) من غلبة وقوع التشويش فيها ، حتى اشتهرت روايات عمار الساباطي مثلاً بين الفقهاء بهذا المعنى ؛ لكثرة ما لوحظ فيها من الارتباك و الإجمال في الدلالة ، أو الاضطراب و التهافت في المتن في أكثر الأحيان ، وقد اعتذر له بعض العلماء بأنّه لم يكن يجيد النقل لقصور ثقافته اللغوية .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo