< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الأصول

40/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: التعارض/ أسباب نشوء التعارض / السبب الخامس ملاحظة ظروف الراوي

 

السبب الخامس : ملاحظة ظروف الراوي :

قد ينشأ التعارض بين الحديثين نتيجة أنّ الإمام (ع) كان يلاحظ الظروف الخاصّة للراوي حالة السؤال ؛ ذلك لأنّ الحكم يتغيّر بتغير الظروف من العلم والجهل والنسيان ونحو ذلك ، فيكون الإمام (ع) في أحد الموردين قد أفتى السائل بما يتناسب مع حالته الشرعية لا مطلقاً ، ولكنّ السائل نقل الحكم كقضيةٍ مطلقة دون أن يلتفت إلى احتمال دخالة الحالة التي كان عليها في الحكم ، فيحصل من أجل ذلك التعارض بينه وبين ما صدر عن المعصوم في موردٍ آخر تختلف ظروف السائل عن ظروف الراوي الأول.

وقد نبه الأئمة (ع) في بعض الأخبار عن هذه القضية حين عرض عليهم بعض موارد التعارض في كلامهم فقد روى صفوان عن أبي أيوب قال : حدثني سلمةُ بن مُحرَز أنّه كان يتمتع حتى إذا كان يوم النحر طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثمّ رجع إلى منى ولم يطف طواف النساء، فوقع على أهله فذكره لأصحابه فقالوا: فلان قد فعل مثل ذلك، فسأل أبا عبد الله عليه السلام فأمره أن ينحر بدنة، قال سلمة: فذهبت إلى أبي عبد الله عليه السلام فسألته فقال: ليس عليك شئ، فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم بما قال لي، قال: فقالوا اتقاك وأعطاك من عينٍ كدرة، فرجعت إلى أبي عبد الله عليه السلام فقلت: إنّي لقيت أصحابي فقالوا: اتقاك، وقد فعل فلانٌ مثل ما فعلت فأمره أن ينحر بدنة، فقال: صدقوا، ما اتقيتك، ولكن فلان فعله متعمداً وهو يعلم، وأنت فعلته وأنت لا تعلم، فهل كان بلغك ذلك؟ قال: قلت: لا، والله ما كان بلغني، فقال: ليس عليك شئ[1] .

وهنا توجد روايةٌ أخرى لنفس سلمة بن محرز ، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن رجلاً مات وأوصى إليّ بتركته وترك ابنته قال: فقال لي: أعطها النصف، قال: فأخبرت زرارة بذلك فقال لي: اتقاك إنّما المال لها قال: فدخلت عليه بعد فقلت: أصلحك الله إنّ أصحابنا زعموا أنّك اتقيتني فقال: لا والله ما اتقيتك ولكنّي اتقيت عليك أن تضمن فهل علم بذلك أحد؟ قلت: لا، قال: فأعطها ما بقي[2] .

أقول : لو اعتبرنا هذا سبباً في نشوء التعارض بين الأخبار فيترتب عليه إشكالات عديدة :

أولاً : أنّه يلزم إيقاع الأمّة في المفسدة ، فإنّ سلمة في الرواية الأولى قد نقل الحكم إلى أصحابه ، فلولا أنّ أصحابه كانوا مطّلعين على الحكم من حادثةٍ مشابهةٍ لتناقل الحكم بإطلاقه وأنّ المتمتع لا يجب عليه شيء لو واقع أهله قبل طواف النساء ولو كان عالماً متعمداً ، في حين أنّ دور الإمام (ع) في الأمّة الحفاظ على حدود الله تعالى .

فإن قلت : أنّ هذا يحصل بالتقية أيضاً .

قلنا : أنّ لسان الحديث حال التقية لسانٌ واضحٌ لأصحاب الإمام (ع) في الأعمّ الأغلب ، بحيث يتفطنون لذلك فيجتنبوا الحكم المتقى به عند زوال أسباب التقية ، أمّا هنا فمع عدم توفر ظروف التقية يحمل الحكم على إطلاقه وتقع الأمّة بالمحذور الشرعي .

ثانياً : أنّه قد ثبت عقائدياً بأنّ الإمام مبينٌ لأحكام الشارع المقدس في حقّ جميع أفراد الأمّة ، ففي الموارد التي يجب فيها التفصيل يجب عليه أن يبيّن التفصيل ؛ لأنّ تركه في موقع الحاجة إليه تغريرٌ بالجهل وهو قبيح في حقّ المعصوم (ع) .

وأمّا الروايتين المذكورتين فهما مرويتان عن سلمة بن محرز الكوفي وهو مجهول الحال إذ لم يعرف بمدحٍ ولا توثيقٍ سوى رواية ابن أبي عمير وجميل بن درّج عنه ، وهذا لا يعني وثاقته على مبنانا من إمكان رواية أصحاب الإجماع عن غير الثّقة خصوصاً إذا كان لمرّة أو مرتين لا أكثر .

فاعتبار هذا سبباً في نشوء التعارض غير صحيح .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo