< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الأصول

40/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: التعارض/أسباب نشوء التعارض / السبب الثاني ضياع القرائن المحتفة بالأدلّة

 

السبب الثاني : ضياع القرائن المحتفة بالأدلّة :

ذكره كلاً من السيد الصدر (قدّه) [1] و الشيخ السبحاني (د. ظ) ، بل يظهر من كلام كثيرين أنّه السبب الأهمّ في وقوع التعارض ، و الظاهر أنّ ضياعها سواء كانت قرائن مكتنفة بالنصّ أو السياق نتيجة لتقطيع الأخبار أو الغفلة عنها في مقام النقل و الرواية ، حتى أنّه في بعض الأحيان يصدر من الإمام (ع) التنبيه على ذلك ، كما في مسألة ولاية الأب على التصرف في مال الصغير ، حيث كان الأصحاب يستدلون على ولايته بما كان يروى عن النبي (ص) : ( أنت ومالك لأبيك ) ، فجاء في رواية الحسين بن أبي العلاء أنّه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما يحلّ للرجل من مال ولده؟ قال: قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه، قال: فقلت له: فقول رسول الله صلى الله عليه وآله للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له: أنت ومالك لأبيك، فقال: إنّما جاء بأبيه إلى النّبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله هذا أبي وقد ظلمني ميراثي عن أمّي فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه، وقال: أنت ومالك لأبيك، ولم يكن عند الرجل شئٍ أو كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحبس الأب للابن؟! [2]

حيث يتّضح أنّ الإمام (ع) أراد أن يوضح لأولئك الذين يستدلون بحديث النبي (ص) : أنت ومالك لأبيك ، أنّه قد جرّد من سياقه وما كان يحتفّ به من القرائن التي يتغيّر بسببها المدلول ، إذ أنّ قوله (ص) : ( أنت ومالك لأبيك ) لو كان صادراً مجرداً عن ذلك السياق أمكن أن يكون دليلاً على الحكم بولاية الأب على أموال ابنه ، بل على نفس ابنه أيضاً ، ولكن حينما ينظر إلى الحديث في ضمن ذلك السياق فلا يخرج عن كونه مجرد أدب أخلاقي ، وليس له ارتباط بولاية الأب على الابن .

والمشكلة الأكبر عندما تكون القرائن ارتكازية عامّة تنشأ من البيئة والظروف المحيطة بالنصّ ولا يتحمل الراوي مسؤولية نقلها فلا يتطرق إلى ذكرها صريحاً في الرواية .

إن قلت : أليس الراوي مسؤولاً في مقام النقل والرواية عن نقل النصّ بكامله وكامل ما يكتنف به من القرائن والملابسات التي لها تأثير على المعنى المقصود ، ولذا فاعتبروا سكوته عنها شهادة على عدم وجودها حين صدور النصّ ، وبه استطعنا أن نتخلص من مشكلة الإجمال إذا ما احتمل وجود قرينة مع النصّ لم تصل إلينا .

قلت : هذا صحيح في القرائن العادية والمرتبطة بشخص الرواية ، ولكن عندما تكون هذه القرائن ارتكازية عامّة فلا يشعر الراوي بالحاجة إلى بيانها و إظهارها عند نقل الرواية ، لأنّه يراها معاشة في ذهنية كلّ إنسان ، ويفترض وجودها ارتكازاً عند السامع كما هي موجودة عنده فلا يتصدى لنقلها ، فلا يكون سكوته شهادة بعدم وجودها .

وعليه : فقد يبقى النصّ على هذا الأساس منقولاً بألفاظه مجرداً عن القرينة الارتكازية العامّة ، فإذا ما تغيّر عبر عصور متعاقبة ذلك الارتكاز العام وتبدّل إلى غيره تغيّر معنى النصّ لا محالة ، وإذا اعتبرنا ظهور النصّ حجة تمسكاً بأصالة عدم القرينة – كما هو مسلك المشهور – فقد ينشأ على هذا الأساس التنافي بين هذا النصّ وغيره من النصوص المتكفلة لبيان نفس الحكم الشرعي .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo