< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الأصول

40/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 

موضوع: التعارض/تعريف التعارض /الفرق بين التعارض والتزاحم

 

عرفنا حتى الآن أنّ التعارض هو التنافي الدليلي الذي يحتاج رفعه إلى حجة ، وقد امتاز بذلك عن سائر الموضوعات المشاركة له بالجنس .

ولكن بقي بيان الفرق بينه وبين التزاحم ، فقد اشتبه الحال على بعضٍ حتى ذهب إلى البحث عن الأصل عند الشكّ في موردٍ أنّه من باب التعارض أو التزاحم ، فهل الأصل هو التعارض أو التزاحم ، وهذا على الظاهر ؛ لعدم إمكانه من التفرقة بينهما بما يميّز أحدهما عن الآخر .

ولكي يتضح الفرق بينهما ينبغي أن نعلم بأنّ التزاحم على نوعين ملاكي و امتثالي :

أمّا التزاحم الملاكي : فيراد به أن يكون للفعل الواحد جهة مصلحةٍ تقتضي وجوبه ، وجهة مفسدةٍ مثلاً تقتضي حرمته ، أو جهة مصلحةٍ أخرى ولكنها تقتضي إباحته ؛ إذ لا يلزم في الإباحة أن تنشأ من خلو الواقعة عن أي ملاك مرجّح ؛ لإمكان نشوئها من ملاك مصلحة الترخيص ، وكيف كان فهنا تتزاحم الجهتان ؛ الجهة التي تقتضي وجوب الفعل ، والجهة التي تقتضي إباحته ، وهنا لا ريب في كون الترجيح بيد المولى ( جلّت قدرته ) لأنّه المحيط بجهات المصالح والمفاسد ، ولا حظّ في ذلك للعبد سوى الخضوع والامتثال سواء أمكنه أن يدرك المصلحة أو المفسدة أم لا ، و لأجل ذلك فلا يترتب على هذا النوع من التزاحم أي ثمرة ؛ إذ ليس للمكلف دخلٌ فيه على الإطلاق .

ثمّ أنّ التزاحم بهذا المعنى مبنيٌ على القول بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد ، فيختص بالعدلية ، وأمّا على مبنى الأشاعرة القائلين بعدم التبعية فلا يتصور التزاحم في الملاك أصلاً ؛ لأنّها كالسالبة بانتفاء الموضوع .

وأمّا التزاحم الامتثالي : بأن يتوجه إلى المكلف تكليفان يكون امتثال أحدهما متوقفاً على ترك الآخر لعدم استيعاب قدرته لهما ، كما لو توقف إنقاذ غريق على التصرف في الأرض المغصوبة ، أو كان هناك غريقان ولا يقدر المكلف إلاّ على إنقاذ أحدهما .

وتحقق هذا التزاحم لا ربط له بوجود الملاك في المتعلق أو الحكم ، بل يمكن أن يحصل حتى على مذهب الأشاعرة أيضاً ، وهذا النوع من التزاحم هو المقصود بالبحث هنا .فما الفرق بين هذا النوع من التزاحم والتعارض ؟

اعلم : أنّه ليس في باب التزاحم تنافٍ بين الدليلين من حيث المدلول أصلاً ؛ إذ من الواضح عدم التنافي بين الدليل الدالّ على وجوب الإنقاذ والدليل الدالّ على حرمة التصرف في الأرض المغصوبة ، ولكن لمّا كانت القدرة على متعلقهما مأخوذة في الحكم - يحكم العقل بقبح تكليف العاجز أو لكون نفس التكليف يقتضي بصعوبة اعتبار القدرة على الخلاف - تزاحم التكليفان لعدم قدرته على امتثالهما معاً ، فيكون تكليفه بأحدهما تعييناً أو تخييراً موجباً لعجزه عن امتثال الآخر فيكون الحكم منتفياً بانتفاء موضوعه ، وهو القدرة على متعلقه ، ولا يلزم بذلك أن يُتصرف في دليله حتى يدخل في باب التعارض ، لأنّ مفاد الأدلّة الشرعية مفاد القضايا الحقيقية الدالّة على ثبوت الحكم عند تحقق موضوعه ، ومن الواضح أنّ الدليل لا يتكفل بيان موضوعه ، فكون المكلف قادراً أو عاجزاً خارجٌ عن مفاد الدليل ؛ بل مفاده ثبوت التكليف عندما تتحقق القدرة على متعلقه ، فإذا انتفت القدرة فلا وجود للحكم ، وبالتالي فانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه لا يكون من باب رفع اليد عن الدليل الدالّ عليه ، وهذا بخلاف التعارض فإنّ الأخذ بأحد الدليلين موجبٌ لرفع اليد عن الدليل الآخر والحكم بعدم ثبوت مدلوله ، فيكون الحكم الآخر منتفياً مع بقاء موضوعه ، لا منتفياً بانتفاء موضوعه ، كما لا يخفى .

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo