< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الأصول

40/05/27

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: التعارض/تعريف التعارض /موارد الجمع العرفي

وأمّا الحكومة فهي على قسمين:

القسم الأول: ما يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي شارحاً للمراد من الدليل الآخر ، سواء كان مصدراً بكلمة مفسرة (أي) أو (أعني) أم لم يكن كذلك ولكن كان لسانه شارحاً ، بحيث لو لم يكن الدليل المحكوم موجوداً لكان الدليل الحاكم لغواً، كقوله : (لا ربا بين الوالد وولده) فإنّه شارح للدليل على حرمة الربا الثابتة بقوله تعالى : ﴿وحرّم الربا﴾ [1] ، إذ لو لم يرد دليل على حرمة الربا لكان الحكم بعدم الربا بين الوالد وولده لغواً.

ثمّ إنّ الدليل الحاكم الشارح للمراد من الدليل المحكوم له صورتان بحسب نظر الدليل الحاكم إلى الدليل المحكوم:

الصورة الأولى: أن يكون الدليل الحاكم ناظراً إلى موضوع الحكم في الدليل المحكوم فيكون نافياً للحكم بلسان نفي الموضوع ، لا أنّه يريد نفي الموضوع حقيقةً ؛ لوضوح العلم بتحقق موضوع الحكم ، ومثاله ما قدمناه ، فإنّ نفي الربا بين الوالد وولده ناظراً إلى نفي الموضوع ، وهو الربا ، ولكن يراد به نفي الحكم وهو الحرمة بلسان نفي الموضوع ، ولا يراد نفي الربا حقيقةً لوضوح أنّهما إذا تعاملا بالأجناس الربوية مع الزيادة فإنّه يصدق عليه الربا ، وهذا ما يطلق عليه نظر الدليل الحاكم إلى عقد الوضع في الدليل المحكوم.

الصورة الثانية : أن يكون الدليل الحاكم ناظراً إلى دفع الحكم مباشرةً لا عن طريق نفي الموضوع ، ومثاله قوله تعالى ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ [2] ، فإنّه ناظر إلى نفي الحكم الحرجي ، وهو حاكم على الأدلّة المثبتة للتكليف بعمومها الشامل لموارد الحرج ، وكذا قوله (ص) : " لا ضرر و لا ضرار" فإنّه نافي للحكم الضرري وحاكم على عموم الأدلّة الأولية المثبتة للتكليف حتى في موارد الضرر ، وهذا ما يصطلح عليه عادةّ بالنظر إلى عقد الحمل في القضية .

القسم الثاني: أن يكون أحد الدليلين رافعاً لموضوع الحكم الآخر وإن لم يكن بمدلوله الوضعي شارحاً له كحكومة الأمارات على الأصول الشرعية ، كالبراءة والاستصحاب وقاعدة الفراغ وغيرها من الأصول الجارية في الشبهات الحكمية والموضوعية ، فإنّ أدلّة حجية الأمارات لا نظر لها إلى أدلة الأصول الشرعية ، ولا تريد شرحها وتفسيرها ، بحيث لو لم تكن الأصول العملية مجعولة لكان جعل الأمارات لغواً ؛ لأنّ مثل الخبر حجة سواء كان هناك استصحاب أم لم يكن ، ولا يلزم لغوية حجية الخبر على تقدير عدم حجية الاستصحاب إلاّ أنّ الأمارات موجبة لارتفاع موضوع الأصول بالتعبد الشرعي.

والوجه في عدم دخول مورد الحكومة في مبحث التعارض أنّه لا تنافي بين الدليل الحاكم والدليل المحكوم أصلاً ، والسرّ في ذلك:

أمّا بالنسبة إلى القسم الأول فواضح ، لأنّ الدليل الحاكم دوره دور الشرح والبيان للمراد من الدليل المحكوم لا منافياً له ، فقوله (ع) : ( لا ربا بين الوالد وولده) يشرح ويبيّن المراد من قوله تعالى : ﴿حرّم الربا﴾ ويفيد في نهاية المطاف أنّ كلّ ربا حرام إلاّ إذا كان بين الوالد وولده على وجه الخصوص ، فأي منافاة بينهما.

وأمّ بالنسبة إلى القسم الثاني فلا تنافي بينهما أيضاً ؛ وذلك لأنّ كل دليل يتكفل ببيان حكم معين لا يتكفل بتحقيق موضوعه ؛ بل مفاده ثبوت الحكم على تقدير وجود الموضوع ، وأمّا كون الموضوع محققاً أو غير محقق فهو خارج عن مدلوله.

ومن المعلوم أنّ الموضوع المأخوذ في أدلة الأصول هو الشكّ ، وأمّا كون المكلف شاكاً أو غير شاكٍ فهو خارج عن مفادها ،والأمارات ترفع الشكّ بالتعبد الشرعي وتجعل المكلف عالماً تعبدياً وإن كان شاكاً وجدانياً ، فلا يبقى موضوع للأصول فلا منافاة بين الأمارة والأصل ، لأنّ مفاد الأصل هو البناء العملي على تقدير الشكّ في الحكم ، ومفاد الأمارة ارتفاع حكم الشكّ.

وبالتالي فلا منافاة بين الدليل الحاكم والدليل المحكوم ، ولا يدخلان في بحث التعارض من الأساس حتى نحتاج إلى حمل التنافي على الدليلين والإعراض عن حمله على المدلولين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo