< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الأصول

40/05/15

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: التعارض/تعارض الأدلة /تعريف التعارض لغةً

يقع الكلام في بحث التعارض، وقبل الخوض بالبحث ينبغي التمهيد بجملة من المقدمات.

المقدمة الأولى: ما معنى كلمة (التعارض) لغةً ؟

التعارض: هو تفاعل، وباب التفاعل يدلّ على المشاركة بين شئيين فأكثر مأخوذ من العرض، ولمادته معاني متعددة لغةً لا حاجة إلى البحث في أنّها مشتركة لفظاً، أو من باب اشتباه المصداق بالمفهوم، وأهمّ هذه المعاني مايلي:

1- المنع، يقال عرض الشيء واعترض؛ أي انتصب ومنع وصار عارضاً؛ كالخشبة المنتصبة في الطريق، ومنه قوله تعالى: ﴿ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم أن تبروا وتتقوا﴾،[1] والمعنى لا تجعلوا الحلف بالله تعالى مانعاً لكم يمنعكم عن التقرب إليه تعالى، وبالتالي فيكون معنى التعارض التمانع بين شئيين، قال في الصحاح: أن يكون كلّ منهما في عرض صاحبه[2] .

2- الظهور والإبانة والكشف، يقال عرض له كذا، أي ظهر له وبان وبدا، ومنه قوله تعالى: ﴿وعلّم آدم الأسماء كلّها ثمّ عرضهم على الملائكة﴾[3] أي أظهرهم وكشفهم لهم، قال في الصحاح: عرض له كذا أي أظهره، وعرضت له الشيء أي أظهرته له وأبرزته إليه[4] .

3- ظهور الشيء بعد العدم، فقد نقل ابن منظور عن اللحياني قوله: والعرض: ما عرض للإنسان، أي يحدث له أمر يحبسه من مرض أو لصوص أو هموم أو اشتغال[5] . وفي عدّه برأسه مقابل الثاني نظر، لشموله له، فإنّ المعنى الثاني مطلق الظهور والانكشاف، سواء كان مسبوقاً بالعدم أم لا.

4- المساواة والمماثلة، يقال: عارض فلان فلاناً بمثل صنيعه، أي أتى إليه بمثل ما أتى عليه، قاله الزبيدي[6] .

5- المقابلة، يقال: عارض الشيء بالشيء أي قابله به، وهو من باب جعل الشيء الآخر وفي قباله، وعارضت كتابي بكتابه أي قابلته به، ومنه قول النبي (ص): إنّ جبرائيل كان يعارضني القرآن كلّ سنة مرة، وأنّه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلاّ حضر أجلي. وظاهره على ما ذكر ابن الأثير: أي يدارسه جميع ما نزل من القرآن، من المعارضة وهي المقابلة[7] .

هذه أهمّ المعاني المذكورة في كتب اللغة للمعارضة.

والعجيب أنّ الشيخ السبحاني بعد هذا كلّه – يحصر المعاني لغةً بمعنى واحد، وهو الإراءة و الإظهار والكشف، قال(دام ظلّه): التعارض لغةً من العرض، وهو الإراءة يقال: (عرضت الناقة على الحوض) وهو من الأمثلة المعروفة لوجود القلب في الكلام، والأصل هو: عرضت الحوض على الناقة، وقال سبحانه: ﴿وعلّم آدم الأسماء كلّها ثمّ عرضهم على الملائكة﴾[8] وقال تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾[9]

فما في المقاييس لابن فارس من أنّ أصل العرض هو ضد الطول[10] ، فكأنّه في غير محله، فإنّ استعمال العرض في مقابل الطول وإن كان رائجاً، لكنه ليس أصل المعنى، وإنّما اشتق هذا المعنى من الإراءة لمناسبة من المناسبات، فإنّ العرض في مقابل الطول طارئ على المعنى الأصلي.

وأمّا تفسير العرض بالمبارزة والمعارضة فهو أيضاً تفسير في غير محلّه، وهو أيضاّ من المعاني الطارئة على العرض، لأنّ كلّ مبارز يُري شجاعته لخصمه[11] .

وفي كلامه مواضع للنظر:

الأول: في حصر معاني(العرض) بخصوص معنى الإراءة والإبانة، وهذا خلاف ما نصّ عليه اللغويون من تعدد معناها الظاهر في كونه مشتركاً بينها، لا أنّ للكلمة أصلاً، ثمّ فرّعت عليه المعاني الأخرى، ولو كانت لبانت.

ثانياً: أنّه لم يأتِ على دليل يثبت ما ادعاه من أنّ أصل المعنى هو الإبانة والإراءة، ومجرد المجيء بالمثل: (عرضت الناقة على الحوض) أو الآيتين كشواهد عليه لا يستوجب الاختصاص والحصر، لأنّ الاستعمال أعمّ من الوضع كما لا يخفى.

ثالثاً: إنّ استشهاده على ما ادعاه بالمثل الشعبي والآية الثانية في غير محله، إذ لا يظهر لها معنى مريح عرفاً، فهل يقبل العرف بأنّ معنى عرضت الناقة على الحوض، أي أظهرتها له أو أظهرت الحوض لها؟! وهل يصلح تفسير قوله تعالى:﴿النار يعرضون عليها﴾ أي يظهرون لها أو تظهر لهم فقط؟ وما وجه المقابلة بين العرض والإدخال فيها يوم القيامة؟!

رابعاً: اشكاله على ابن فارس من استعمال العرض بما يقابل الطول، أو إشكاله أخيراً على تفسيره بالمبارزة اقتصر في بيانه على قوله: "فكأنّه في غير محله" أو "تفسير في غير محله" وهل يكفي هذا الإشكال على دعوى.

وكيف كان فالأنسب من هذه المعاني لمصطلح التعارض الأصولي – على ما سيظهر من مطاوي بحثنا- هو المعنى الأول، أي الممانعة، لأنّ أحد الدليلين يتمانع من الدليل الآخر ويرفضه، خلافاً لما في تقريرات المحقق الصدر(ره)، حيث استقرب الخامس أيضاً[12] ، وهو المقابلة، إذ فيه أنّه لا يراد من التعارض المصطلح مجرد المقابلة بين الدليلين، بل لا بدّ من افتراض كونها لغة الممانعة والتكاذب والتناقض، وهذه الحيثية يستبطنها المعنى الأول دون الخامس كمالا يخفى.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo