< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

بحث الفقه

42/03/03

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الاجتهاد و التقليد/ علامات بلوغ الذكر العلامة الثالثة : العمر المعين (روايات الثلاثة عشر سنة- الرواية الرابعة)

 

-علامات بلوغ الذكر العلامة الثالثة : العمر المعين (روايات الثلاثة عشر سنة):الرواية الرابعة :

ما رواه الشيخ بإسناده، عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن الحسن بن علي، عن عمرو بن سعيد، عن مصدّق بن صدقة، عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله (ع)، قال: " سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟

فقال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة، وجرى عليه القلم، والجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة، أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة، وجرى عليها القلم" [1]

-الدراسة الدلاليّة للرواية الرابعة

وأمّا من حيث الدلالة ففقرة الاستدلال بقوله (ع): "إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة، وجرى عليه القلم "[2] . وهذه الفقرة نصٌ في المطلوب وهو بلوغ الذكر بثلاثة عشر سنة؛ لأنّ كلمة (وجبت) واضحةٌ في إرادة الحكم التكليفي بخلاف غيرها من التعبيرات مثل (احمله على الصلاة) أو (صحّت منه الصلاة).

-وهاهنا نقطتان للبحث:

-النقطة الأولى: أنّ الرواية ذكرت الصلاة فقط ولم تذكر بقيّة الواجبات مثل الزكاة والحجّ، والتمسّك بخصوصيّة المورد يقتضي وجوب الصلاة فقط ببلوغ الذكر ثلاثة عشر سنة، ولا يُستفاد من الرواية وجوب بقيّة الواجبات إلاّ بقرينة، فالرواية واردةٌ في وجوب الصلاة، والتعميم إلى غيرها يحتاج إلى دليلٍ وقرينةٍ على التعميم، أمّا خصوص وجوب الصلاة فلا يحتاج دليلاً لأنّه مورد الرواية، ويمكن ادعاء وجود قرينة على خصوصيّة المورد، وهي الروايات الدالّة على تحديد البلوغ في غير الصلاة بغير الثلاثة عشر سنة، فيمكن أن يكون البلوغ مأخوذٌ في الواجبات على نحو المفهوم المشكك، فكلّ واجبٍ يكون له سنّ بلوغ مختلفٍ عن الآخر. ولكن يرد على القول بخصوصيّة المورد هنا إشكالان:

-الإشكال الأول: أنّه لا قائل بالفرق بين الصلاة وغيرها في تحديد البلوغ، فلا يلزم من ذكر الصلاة تخصيص المورد بقرينة الإجماع المركّب؛ فإنّ الإجماع قائمٌ بين المسلمين جميعاً على أنّ سنة البلوغ هي بلوغ لسائر الواجبات، سواء قلنا بثلاث عشرة أو بخمس عشرة، فالقول بالتفريق خرقٌ للإجماع المركب.

-الإشكال الثاني: أنّ الإمام (ع) عطف وجوب الصلاة بقوله: (وجرى عليه القلم)، وهي كالعلّة في وجوب الصلاة، وكأنّه يقول فقد جرى عليه القلم، ولذلك وجبت عليه الصلاة، والقلم هنا له معنيان بحسب اللام الداخلة عليه، فإن قلنا اللام للعهد فالمقصود العهد الذي رفعه رسول الله (ص) في حديث الرفع، وإن قلنا اللام للجنس فالمقصود أصل التشريع أو جنس الحسنات والسيئات، وعلى كلا المعنيين يكون المعنى المستفاد من الرواية عامٌ وشاملٌ لكلّ الواجبات.

-النقطة الثانية: أنّه ورد في ذيل الرواية تحديد بلوغ الأنثى، ببلوغها ثلاث عشرة أو الحيض، وهذا ما لا يقول به المشهور الذي حدّد بلوغها بإكمال تسع سنين، وهذا يكفي لسقوط الرواية عن الاعتبار لإعراض المشهور عن العمل بذيل الرواية؛ لأنّ إعراض المشهور عن العمل بذيل الرواية يوجب سقوط الحجيّة عنه، وسقوط الحجيّة عن بعض مدلولات الخبر يوجب سقوطها عن بقيّة مدلولات الخبر.

قلت: ويمكن دفع ذلك بعدّة أجوبة:

-الجواب الأول: أنّ مقالة المشهور ببلوغ الأنثى بتسع سنين تحتاج إلى نقاشٍ، وسيأتي الكلام فيه؛ إذ قبل الحكم على الرواية بالسقوط بسبب هذا الذيل، يجب أن نرى إمكان صحّة قول المشهور، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

-الجواب الثاني: أنّه وتبعاً للأستاذ الشيخ الأيرواني لا نقبل نظرية سقوط الخبر بسقوط مدلولٍ من مداليله، بل نذهب إلى القول بالتفصيل بين التفكيك في الحجيّة في الفقرة الواحدة بين مفرداتها، والتفكيك في الحجيّة بين الفقرات المتعددة للرواية، فالتفكيك في الصورة الأولى غير مقبولٍ، وفي الصورة الثانية مقبول، وعليه فعلى فرض ثبوت تحقق بلوغ الأنثى بإكمال التسع، فلا يمنع ذلك من بقاء صدر الرواية على ظاهر الحجية؛ إذ المانع من التبعيض في الحجية التفكيك في الفقرة الواحدة؛ لأنّه خلاف التفاهم العرفي، أمّا التفكيك في الحجية بين فقرتين فليس خلاف المتفاهم عليه عرفاً، وسقوط الحجيّة عن فقرة لا يستلزم سقوطها عن الأخرى.

-الجواب الثالث: أنّه هنا لا يوجد تفكيك في الحجيّة أصلاً، وعدم العمل بذيل الرواية لا يوجب التفكيك في حجيّة الرواية؛ لأنّ عدم حجيّة فقرة من فقرات الرواية له سببان، السبب الأوّل أنّ دليل الحجية غير شامل للفقرة أصلاً، والسبب الثاني وجود مانع من العمل بالحجيّة بعد شمولها للفقرة، فهناك فرقٌ في السقوط عن الحجية بين ما لا مقتضي لحجيته، وبين ما يمنع عن حجيته، فإنّ الأول يعني عدم الاتصاف من الأصل بالحجية، وبالتالي يكون التفكيك بين مدلولاته التامّة بلا مبرر، وأمّا الثاني فالأصل أنّ جميع المداليل حجة إلاّ أنّ بعضها ابتلي بالمانع كالمعارضة فيقتصر في السقوط عليه، إذ لا معنى لإسقاط الحجية عن الجميع رأساً بسبب المنع عن الأخذ ببعضه، فإنّ المانع يمنع من امتداد الحجية إلى المُمانَع (بالفتح)، ولا مبرر لامتداده إلى ما لا مانع منه. وذيل الرواية هنا يشمله دليل الحجيّة ولكن ثمّة مانع من العمل بالحجيّة في خصوص ذيل الرواية وهو إعراض المشهور عن العمل به، والمانع من العمل بذيل الرواية لا يستلزم المنع من العمل بصدر الرواية أو بكلّ الرواية.

-وعليه: فالرواية من حيث المدلول _وهو تحقق بلوغ الذكر بثلاث عشرة سنة_ تامّةٌ بلا ريب.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo