الأستاذ الشیخ سامر عبید
بحث الفقه
41/01/22
بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع: الاجتهاد و التقليد/مسائل في الاجتهاد والتقليد / القول الثاني الوجوب الفطري
أقول :
هذا المعنى قريب جداً ممّا ذكره المحقق الصدر (قدّه) من أنّ الأصل في التكليف المحتمل ثبوت حقّ الطاعة فيه على العباد ما لم يرخص المولى نفسه في الترك ، حيث أنّ العقل هنا - لو خلّي وطبعه – لأدرك أنّ للمولى سبحانه وتعالى وبحكم مولويته وحاكميته ومالكيته الذاتية والحقيقية لنا حقّ الطاعة في كلّ ما نحتمله من التكاليف ، فكيف بما نظنّه أو نتيقن به ولو على سبيل الإجمال فيجب إطاعته بها ، ولا يكون يكون ذلك إلاّ بأحد هذه الطرق الثلاثة فيجب .وفي نهاية المطاف فيمكن توصيف هذا الوجوب بالوجوب العقلي وملاكه إمّا قاعدة لزوم شكر المنعم ، وإمّا الاستحقاق .
القول الثاني : أنّ الوجوب المتعلّق بأحد هذه البدائل الثلاثة ( التقليد والاجتهاد والاحتياط ) هو الوجوب الفطري الذي يدرك بالفطرة المودعة حتى في سائر الحيوانات والأطفال والمجانين .
ذهب إليه جمع من الفقهاء ، كالحكيم الأول مردداً بينه وبين الوجوب العقلي ، والسيد التقي القمّي نافياً احتمال كونه وجوباً عقلياً[1] وصاحب الكفاية على ما يظهر من كلامه .
والكلام في ملاك هذا النوع من الوجوب فقد ذكرت نظريات في تقريبه :النظرية الأولى :
ولعلّه المشهور من أنّ ملاكه هو وجوب دفع الضرر المحتمل والذي يدركه كلّ ذي شعور ولو كان صغيراً أو مجنوناً أو سكراناً ، بل حتى الحيوانات الأخرى تدرك هذا اللزوم ولذلك نراها تفرُّ عندما يحدق بها ضررٌ ما .ولعلّ هذا المعنى لا إشكال فيه من هذه الجهة ، وإن كان ثمّة إشكال ففي نوع الضرر الذي تلزم الفطرة لزوم دفعه ، وفي مستوى الاحتمال المتعلق بالضرر الذي يحرك تحريكاً إلزامياً للدفع ، ولكن القدر المتيقن هو الضرر غير المحتمل عادةً ، والاحتمال المعتد به عقلائياً وكلاهما متحققان فيما نحن فيه ، فإنّ الضرر هو العذاب الأخروي وهو معتدٌ به جداً ، والاحتمال بنسبة اليقين ؛ لوضوح أنّ عدم الامتثال بوجهٍ مبرء للذمّة يستلزم لا محالة العقاب .النظرية الثانية :
ما يظهر من كلمات المحقق الخراساني (قدّه) في الكفاية من أنّه لو لم يكن وجوب أحد البدائل فطري للزم سدّ باب العلم بالأحكام الشرعية على العامّي .قال (قدّه) : " لا يذهب عليك أنّ جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم في الجملة يكون بديهياً جبلياً فطرياً لا يحتاج إلى دليل ، وإلاّ لزم سدّ باب العلم به على العامّي مطلقاً غالباً ؛ لعجزه عن معرفة ما دلّ عليه كتاباً وسنّةً "[2] .
وهو وإن كان في جواز التقليد إلاّ أنّه لا يخفى عليك جريانه في الاجتهاد والاحتياط أيضاً ؛ لنفس ما علّل به جواز التقليد من لزوم سدّ باب العلم بالأحكام على العامّي .