< قائمة الدروس

الأستاذ السيد المدرسي

التفسير

38/01/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: سورة الأحقاف/ الآية 5 و 6

﴿وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجيبُ لَهُ إِلى‌ يَوْمِ الْقِيامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (5)وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرينَ (6)

 

لابد أن نذكر في البدء بعض النقاط الأساسية:

القرآن وعلاج المشاكل

الأولى: السياق القرآني في هذه السورة وفي أغلب السور الكريمة يورد معالجات للحالات النفسية والعقلية والإجتماعية الشاذة، لأن القرآن الكريم شفاء، فهو شفاءٌ لما في الصدور وشفاءٌ للأبدان وشفاءٌ لما في المجتمع من أمراض.

ولذك تجد الحديث عن التوحيد وبصائره يستتبع الحديث عن السلبيات التي تعترض قبول الإنسان لهذه البصائر الواضحة.

فلماذا ترى الناس رغم علمهم بخالقية الرب ورازقيته ووحدانيته وتنزهه عن الشركاء في السماوات والأرض، تراهم رغم كل ذلك يشركون بالله ما ليس لهم به علم؟ القرآن الكريم يحدد السبب ويعالجه في الوقت ذاته.

القرآن للجميع

الثانية: هناك حديث شريف فهم بطريقة ضيقة ومحدودة، والحديث هو قول رسول الله، صلى الله عليه وآله: )إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ جَمِيعُهُ عَلَى مَعْنَى إِيَّاكِ‌ أَعْنِي‌ وَ اسْمَعِي‌ يَا جَارَةِ([1] .

وقد فهم الحديث على أن الخطابات القرآنية للنبي صلى الله عليه وآله، هي للناس في واقع الأمر، وهذا التفسير صحيح ولكنه ضيق، فليست خطابات الكتاب وحدها على هذا النحو، وإنما كل آيات القرآن الكريم هي تعني القارئ له، حتى القصص والأمثلة والعبر و.. فلابد أن يقيم الإنسان جسراً بين الآية القرآنية وبين واقعه المعاش، ويتسائل عن حياته وإرتباط آيات الكتاب بها، وآنئذ يتكامل الإنسان مع القرآن الكريم.فلا يحق لقارئ القرآن أن يعتبر الحديث عن المنافقين والمشركين حديثاً لا يعنيه، أو يؤطر قصص الأمم السابقة بإطار الزمان والمكان الخاص بها، وبالتلي يلغي دور القرآن الكريم في حياته.

 

آيات الكتاب بين الحكم والعلمالثالثة: القرآن الكريم ظاهره حكم ولكن باطنه علم، فهو كتاب علم، والعلم هو كشف الحقائق لتكون حاضرة عند الإنسان، والكشف يعد مرتبة عالية في تكامل الإنسان.وقد منح الله سبحانه الإنسان العلم ببعض الأمور الواضحة كعلمه بالماء وبطريقه و..، ولكن أن يصل الإنسان بعلمه إلى معرفة حقائق الكون العظمى.. معرفة أسماء الله الحسنى وسننه..معرفة الدنيا والآخرة.. فهذه مرتبة عالية من العلم لابد من الوصول إليها.

وما يدعيه البعض ممن يسمي نفسه (علمانياً) بإمتلاكه العلم ليس صحيحاً، فهؤلاء _ كما ذكرنا سابقاً _ منعوا أنفسهم العلم الحقيقي بإغلاق اغلب نوافذه واقتصروا على نافذة المحسوس، والحال أن العالم الحقيقي هو من يتواضع للعلم من أي مصدرٍ معتبرٍ كان، ويقرّ بما يجهل دون أن ينكر ما يجهله، ولا يكون ممن قال الله سبحانه عنه: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحيطُوا بِعِلْمِه‌﴾[2] .

والتوجيه القرآني إلى العلم واضح في هذه الآيات الشريفة من سورة الأحقاف، ففي الآية الرابعة سائل الكتاب الكفار عن إمتلاكهم لكتابٍ سابق، أو أثارةٍ من علم ولو بسيطة؟ وإن كانوا يمتلكوها فليظهروها بعيداً عن الأوهام والخرافات الغير معتبرة.

    1. ﴿وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ

الكلمة القرآنية الهامة في هذه الآية كلمة (من أضل) فالمطلوب للإنسان أن يتوجه إلى الهدى ولكنه قد يسير في الإتجاه المناقض تماماً، وكأنّ الخطاب للإنسان: أيها الإنسان إذا أردت إختيار دين تدين به أو معبودٍ تعبده أو مطاعاً تطيعه، فليكن كل ذلك منشأه العلم، والّا فأنت الأضل.

ويذكّرنا ذلك بما نشاهده ونسمعه اليوم عن الدواعش، والسبب الأساس في ضلالتهم الكبرى هو إتباعهم الأعمى وإتخاذهم الأوهام وسيلة للتدين، فيسعون في الأرض الفساد ويظنون أنهم يحسنون صنعا، قال الله سبحانه: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرينَ أَعْمالا * الَّذينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا[3] .

دمّروا حياتهم وحياة الناس، لأنهم لم يفهموا الدين عن علم وتخبطوا بجهالاتهم خبط عشواء، فتاهوا بالضلالات، وهذا حال الذي يمشي بلا إمام وبلا بصيرة من دينه.ومن هنا يهدينا القرآن الكريم إلى ضرورة التثبت، والحصول على العلم، ولكن حال أغلب الناس – حتى المتدينين منهم – هو عدم الإهتمام بهذا الجانب.. فلا يطالعون الكتب المتينة المرتبطة بأمر دينهم، بل تجدهم يقتنون كتب تفسير المنامات والأحراز و.. الضلالة هي أن يكون الإنسان غير ملتفت إلى مصيره وغير مهتم لشأنه، فتراه لا يطلب العلم النافع، بل يستعيض عن ذلك بعلم لا ينفع ويضيع عمره مع خزعبلات الفضائيات وشبكات التواصل الإجتماعي، فترى أن بعضهم يعيش ستين سنة وهو لا يعرف حتى أبسط أبجديات الدين والقيم والأخلاق.وهنا أوصي أخواني أن يتعلموا العلم ويتفقهوا في الدين، اليس طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة كما حدثنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله؟ وقد يقول البعض أن الآية المبحوث عنها نزلت في الكفار والمشركين؟ بلى ولكني أذكرّ بالنقطة الثانية في بداية البحث، فهم المصداق الأجلى ولكن إن اتبعت أنا شخصاً ليس مأذوناً لي إتباعه أكن مشمولاً بها.

    2. ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ

على الإنسان أن يسير ويتبع الطريق الذي يطمئن بأن الله قد أمره به، فلابد أن يكون في طريق أولياء الله عليهم السلام، لا سواهم.

والدعوة من دون الله سبحانه أقسام:

     فقد يتخذ المرء صنماً يعبده من دون الله ويسجد له، والحالة هذه موجودة حتى يومنا في بعض مناطق العالم، فتجد بروفسوراً اخصائياً يخرج من المستشفى ويتخضع أمام صنمٍ موضوع ببابها.

     وقد تكون الدعوة من دون الله، بأن يتبع المرء أوامر من يأمر بغير الحق، وقد ورد في الحديث الشريف في ذيل قول الله سبحانه: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ[4] ، عن الإمام الباقر عليه السلام: "وَ اللَّهِ مَا صَلَّوْا لَهُمْ وَ لَا صَامُوا وَ لَكِنْ أَطَاعُوهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ"[5] .

     والدعوة من دون الله سبحانه قد تكون بصورة الإستشفاع بمن لا يؤذن له بالشفاعة.

وقد حصر البعض المعنى في عبادة الأصنام، ولا أعلم من أين لهم ذلك، لأن الحديث في القرآن الكريم عن إتخاذ الأصنام البشرية أكثر من الحديث عن عبادة الأصنام الحجرية.

    3. ﴿مَنْ لا يَسْتَجيبُ لَهُ إِلى‌ يَوْمِ الْقِيامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ(5)

يعبدون ويدعون من دون الله سبحانه من هو غافلٌ عن دعائهم، فضلاً عن الإستجابة له، حتى لو استمر في الدعاء إلى يوم القيامة.

    4. ﴿وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ

الغفلة عنهم المشرك حال المعبودين من دون الله في دار الدنيا، أما في يوم القيامة فالقضية تختلف.

5- ﴿كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرينَ (6)

يظهر المعبود عداءه مع العابد، ترى لماذا العداء؟

لأن الله سبحانه يعاتب المعبود من دونه، وسؤال الله وعتابه يوم القيامة عظيم، فلو تراكمت كل مصائب الدنيا على الإنسان كان أهون من أن يعاتبك الله سبحانه، وقد قال عزوجل عن عتابه للنبي عيسى عليه السلام، الذي اتخذه النصارى إلهاً من دون الله: ﴿وَ إِذْ قالَ اللَّهُ يا عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُوني‌ وَ أُمِّيَ إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لي‌ أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لي‌ بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما في‌ نَفْسي‌ وَ لا أَعْلَمُ ما في‌ نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوب‌﴾[6]

وبذلك نعرف أن الإنسان مطالب بالتثبت في أمر دينه لأن القضية ليست قضية بسيطة.

 

الإتباع الواعي وكذلك على الإنسان أن يكون واعياً في إختياره لمن يتبعه، وكذلك واعياً في الإتباع، كيف؟كما لا يجوز للإنسان أن يقتدي – مثلاً – في صلاته بغير العادل، كذلك لا يجوز له أن يتبع إمام الجماعة إذا علم بزلته، كأن يقوم الإمام للركعة الثالثة في صلاة الصبح، فلا يجوز للمأموم الإقتداء به.وعلى هذا المثال تقاس سائر الأمور، فالتسليم المطلق لا يكون إلا لله سبحانه ولنبي وأهل بيته عليهم السلام، أما العلماء الربانيين، فمهما بلغوا من العلم والفضل يبقون في دائرة إحتمالية الخطأ، وعلى الإنسان المزّود بنور العقل أن لا يتبعهم إذا رأى واستيقن منهم زلةً في كلمة أو موقف.فمادام العلماء غير معصومين فهم جائزوا الخطأ، بل إن من حكمة الله سبحانه ولطفه قد يبتلي العالم بخطأ وزلة ويبين له خطأه بعد حين، لكيلا يدفع الناس به إلى مقامٍ أعلى من مقامه ولا يغالون بهم، كما غالوا في الأنبياء فأتخذوهم أرباباً من دون الله سبحانه.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo