< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/08/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موضوعية الطاعة للأولياء

قلنا سابقا: ليس سواءاً ما يرتبط بحياتنا الطبيعية وما يتعلق بشأن الدين، فإذا كان الواحد يستخدم وصفة طبيبٍ لمرضٍ ما، فأخذها آخر وعمل بها من دون الرجوع إلى الطبيب فإنه يطيب من علّته إن كانت مشابهة للعلة الأولى، وهما عند الناس سواء، لكن ذلك لا يكون بالنسبة إلى أمور الدين، لماذا؟

وبتعبير آخر لماذا الطاعة مهمة؟

الطاعة هي وسيلةٌ وطريقٌ للوصول إلى العمل بأحكام الشرع من جهة واجتناب الأضرار، ولكن من جهة أخرى هي بذاتها هدف، لماذا؟

لأن الإنسان بجهله وغروره وكبره، وما فيه من حسد وهوى النفس، لابد أن يتزكى، وذلك بكسر غروره واجتناب حسده وكبره، وذلك لا يكون إلا بالطاعة لله ومن ثم للرسول ومن ثم للإمام وولي الأمر، وهي أفضل وسيلة لتزكية الإنسان، ومن هنا لم ينزل الله سبحانه ألواح التوراة أو صحائف الكتاب كما ينزّل الغيث من السماء، وإنما أنزلها على الرسل.

فللرسل موضوعية في الدين، فهو الذي يقوم بالتزكية والتعليم، وقد تظافرت النصوص الشريفة لبيان هذه الحقيقة، قال الله سبحانه:

﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيم﴾[1] ، فأولوا العلم في الآية هم الأنبياء والاوصياء ومن يتبعهم من صالح المؤمنين، ومن ثم يقول الله سبحانه: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَريعُ الْحِساب﴾[2]

والإسلام هو التسليم لله سبحانه، بعيداً عن اتباع الهوى والعصبية كما تبينه النصوص الشريفة، ومنها الآية التالية في السياق: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَ مَنِ اتَّبَعَنِ وَ قُلْ لِلَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْأُمِّيِّينَ أَ أَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ اللَّهُ بَصيرٌ بِالْعِباد﴾ [3]

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "لَأَنْسُبَنَّ الْإِسْلَامَ‌ نِسْبَةً لَا يَنْسُبُهُ أَحَدٌ قَبْلِي وَ لَا يَنْسُبُهُ أَحَدٌ بَعْدِي إِلَّا بِمِثْلِ ذَلِكَ إِنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ التَّسْلِيمُ‌ " [4]

ونستفيد ذات المعنى أيضاً، من قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْليما﴾[5]

ومن الروايات التي تبين أن الدين يتمحور حول محور التسليم للنبي والوصي، ما روي عن مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيَّ أنه كَتَبَ إِلَى النَّاحِيَةِ الْمُقَدَّسَةِ فَسَأَلَ عَنِ الْمُصَلِّي إِذَا قَامَ مِنَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لِلرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُكَبِّرَ فَإِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْبِيرُ وَ يُجْزِيهِ‌ أَنْ يَقُولَ بِحَوْلِ اللَّهِ وَ قُوَّتِهِ أَقُومُ وَ أَقْعُدُ فَخَرَجَ الْجَوَابُ: "أَنَّ فِيهِ حَدِيثَيْنِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ إِذَا انْتَقَلَ مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى فَعَلَيْهِ تَكْبِيرٌ وَ أَمَّا الْآخَرُ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَكَبَّرَ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ قَامَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلْقِيَامِ بَعْدَ الْقُعُودِ تَكْبِيرٌ وَ كَذَلِكَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى وَ بِأَيِّهِمَا أَخَذْتَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ كَانَ صَوَاباً"[6]

وقد ورد هذا التعبير "الأخذ من باب التسليم" في نصوصٍ أخرى أيضاً، وتدل هذه النصوص مضافاً إلى الآيات القرآنية إلى أن الطاعة بذاتها هدف، لأنه يحطم كبرياء الإنسان وغروره، وهكذا دلت النصوص التالية على ضرورة التسليم لأولي الأمر وطاعتهم وأخذ الدين منهم:

عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُوَيْدٍ السَّائِيِّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ عليه السلام وَ هُوَ فِي السِّجْنِ: "وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ يَا عَلِيُّ مِمَّنْ‌ تَأْخُذُ مَعَالِمَ‌ دِينِكَ لَا تَأْخُذَنَّ مَعَالِمَ دِينِكَ عَنْ غَيْرِ شِيعَتِنَا- فَإِنَّكَ إِنْ تَعَدَّيْتَهُمْ أَخَذْتَ دِينَكَ عَنِ الْخَائِنِينَ الَّذِينَ خَانُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ خَانُوا أَمَانَاتِهِمْ إِنَّهُمُ اؤْتُمِنُوا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَحَرَّفُوهُ وَ بَدَّلُوهُ فَعَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ لَعْنَةُ رَسُولِهِ وَ لَعْنَةُ مَلَائِكَتِهِ وَ لَعْنَةُ آبَائِيَ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَ لَعْنَتِي وَ لَعْنَةُ شِيعَتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة" [7]

عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَاتِمِ بْنِ مَاهَوَيْهِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَيْهِ يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ الثَّالِثَ ع- أَسْأَلُهُ عَمَّنْ آخُذُ مَعَالِمَ دِينِي وَ كَتَبَ أَخُوهُ أَيْضاً بِذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِمَا فَهِمْتُ مَا ذَكَرْتُمَا فَاصْمِدَا فِي دِينِكُمَا عَلَى كُلِّ مُسِنٍّ فِي حُبِّنَا وَ كُلِّ كَثِيرِ الْقَدَمِ فِي أَمْرِنَا فَإِنَّهُمَا كَافُوكُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.[8]

     عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْرِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يُوصِلَ لِي كِتَاباً سَأَلْتُ فِيهِ عَنْ مَسَائِلَ أَشْكَلَتْ عَلَيَّ فَوَرَدَ التَّوْقِيعُ بِخَطِّ مَوْلَانَا صَاحِبِ الزَّمَانِ عَجَّلَ اللَّهُ تَعَالَى فَرَجَهُ وَ أَمَّا الْحَوَادِثُ‌ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَ أَنَا حُجَّةُ اللَّهِ الْخَبَرَ"[9]

     عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ‌ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: أَبَى اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِالْأَسْبَابِ فَجَعَلَ لِكُلِّ سَبَبٍ شَرْحاً وَ جَعَلَ لِكُلِّ شَرْحٍ عِلْماً وَ جَعَلَ لِكُلِّ عِلْمٍ بَاباً نَاطِقاً عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ وَ جَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَ نَحْنُ"[10] .

     عَنِ الثُّمَالِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‌ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ‌ قَالَ "عَنَى اللَّهُ بِهَا مَنِ اتَّخَذَ دِينَهُ رَأْيَهُ مِنْ غَيْرِ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى"[11] .

     عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ دَانَ اللَّهَ بِغَيْرِ سَمَاعٍ عَنْ صَادِقٍ أَلْزَمَهُ اللَّهُ التِّيهَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"[12] .

فمن يتبع النبي واهل بيته فإن الله سبحانه يؤيده ويهديه، أما إذا ترك الأخذ من الصادقين بل اتبع رأيه وأهوائه ألزمه الله التيه إلى يوم القيامة.

     قالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام:‌" إِنَّ الْقُرْآنَ شَاهِدُ الْحَقِّ وَ مُحَمَّدٌ ص لِذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ فَمَنِ اتَّخَذَ سَبَباً إِلَى سَبَبِ اللَّهِ لَمْ يُقْطَعْ بِهِ الْأَسْبَابُ وَ مَنِ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ سَبَباً مَعَ كُلِّ كَذَّابٍ فَاتَّقُوا اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ أَعْلَامَ دِينِكُمْ وَ مَنَارَ هُدَاكُمْ فَلَا تَأْخُذُوا أَمْرَكُمْ‌ بِالْوَهْنِ‌ وَ لَا أَدْيَانَكُمْ هُزُواً فَتَدْحَضَ أَعْمَالُكُمْ وَ تُخْطِئُوا سَبِيلَكُمْ وَ لَا تَكُونُوا فِي حِزْبِ الشَّيْطَانِ فَتَضِلُّوا يَهْلِكُ مَنْ هَلَكَ وَ يَحْيَا مَنْ حَيَّ وَ عَلَى اللَّهِ الْبَيَانُ بَيَّنَ لَكُمْ فَاهْتَدُوا وَ بِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ فَانْتَفِعُوا وَ السَّبِيلُ فِي ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ فَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً".[13]

     عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى‌ وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها فَقَالَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله أَبْوَابُ اللَّهِ وَ سَبِيلُهُ وَ الدُّعَاةُ إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْقَادَةُ إِلَيْهَا وَ الْأَدِلَّاءُ عَلَيْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" [14]

وهذه النصوص وغيرها تدل على ضرورة الطاعة للإمام والتسليم له، وأخذ معالم الدين منه، وهذا هو الطريق الذي أمرنا به، وأي انحرافٍ عنه يؤدي إلى التيه إلى يوم القيامة، فالطاعة إنما هي لأن الله أمر بها، فإتباع الدليل المتمثل بالنبي وأهل بيته ومن بعدهم العلماء الربانيين له موضوعية لا مجرد طريق إلى الأحكام، والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo