< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/08/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 30/ عن الولاية السياسية للفقهاء 2

هناك بصائر لابد من التمهيد بها للحديث بها عن الولاية السياسية ودور الفقيه الرباني في إطار المجتمع الإسلامي، وعلاقتهم بالقيادة السياسية في الأمة:

الأولى: كما يقال عن السياسة بأنها فنّ الممكن، فإنها تخضع لعشرات العوامل الداخلية والخارجية التي قد لا تكون من المصلحة بأن يتصدى لها المرجع الديني أو الولي الفقيه، فلذلك ربما يخوّل الفقيه هذا الأمر إلى غيره في إطار تقسيم الأدوار، ومن ثم يبقى الولي مراقباً للأمور، ومسدداً للسياسيين.

وبالرغم من أننا لا نملك أدلة كافية في أمر التفويض، إلا أن هناك إشارات تدل على تفويض العلماء السلاطين في إدارة شؤون البلاد.

الثانية: الولاية الإلهية ليست مطلقة، مما يعني أن على الأمة مراقبة الولي في إطار وعيها للإهداف الدينية وقيمها، وقد ذكرنا أن هناك واجبات مفروضة على الأمة تجاه القيادة، منها النصيحة لهم وتسديد أمرهم، وتأييدهم أيضاً، وإن ذات العلاقة التي تنظّم الرابطة بين الولي (وهو المرجع) وبين الأمة، هي ذاتها تنظّم الصلة بين الولي وبين القيادة السياسية، فالولي لا يؤيد الولاية السياسية أو يرفضها مطلقاً، بل يراعي المصلحة العليا في الأمة في مدى التأييد والرفض بحسب الظروف.

وهنا نشير إلى آية التقية أو التقاة؛ التي وردت في سياق الحديث عن الولايات؛ قال الله سبحانه: ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ في‌ شَيْ‌ءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصير﴾[1] ؛ فقد يرتئي الفقيه بإعمال منهج التقية مع الولاة السياسيين.

الثالثة: هناك إمكانية لتعدد ولي الفقيه ضمن إطار المجتمع، بأن ينقسم المجتمع الإسلامي في تقليد هذا المرجع أو ذلك، وبالتالي تتكون في الأمة مؤسساتٌ إجتماعية مختلفة، يقود كلٌ منها مرجعٌ من المراجع، وتكون العلاقة بينهم خاضعةً للمتغيرات في إطار القيم الإلهية ( من التشاور والتعاون والتواصي وغيرها..)، فلا تكون علاقة المنابزة بالألقاب والهمز واللمز، وليست علاقة الخلافات الظاهرة، بل تكون العلاقة مؤطرة بإطار المصلحة العليا، ويكون ممثلاً لشريحة من شرائح المجتمع؛ كما لو كان أحدهم يقود مجموعةً ثوريةً وآخر يقود المحافظين.

وهكذا قد يكون الولي الفقيه متصديّاً للحكم في حالة بسط اليد، وربما لا يصل إلى هذا المستوى، فيكون مسدداً للسياسيين بنسبة معينة، وربما يعمل معهم بمنهج التقية.

وفي ظروف الأزمات التي تتعرض لها الدولة الإسلامية بسبب الحروب او الكوارث الطبيعية، يبرز دور ولي الفقيه، حيث أنه يتصدى بفتاواه للعدو أو يقوم بمساعدة الدولة في تجاوز الأزمة؛ و عليه أن يستفيد من هذه اللحظة التاريخية في بسط نفوذه ومدّ قيادته في الأمة؛ كل ذلك من أجل أن يكون له أثرٌ أكبر في إقامة العدل ومواجهة الظلم في المجتمعات الإسلامية.

كلمة أخيرة

نرى في أمر الولاية الإلهية، تحدياً كبيراً للمرجعيات الدينية، ويكمن في تطوير أسلوبهم في مواجهة المتغيرات؛ وهو أمرٌ صعب؛ لوجود محدداتٍ ثلاث تحكمهم، فيصعب عليهم تطوير أجهزتهم:

الأول: إرتباطهم بالتاريخ والتراث، وبالتالي يحفاظون على التراث؛ فليس من السهل على المكلف بحفظ التراث أن يغير ويبدل بسهولة.

الثاني: إرتباطهم بالجماهير، وقيادتهم لهم نابعةٌ من ثقة الجماهير بهم، وتطوير الجماهير لن يكون بالأمر الهيّن.

الثالث: محددون بقيم الدين، ولا يمكن لهم أن يكونوا كالسياسيين يهيمون كل يومٍ في وادٍ، فلديهم قيمٌ ملتزمون بها.

ومن هنا؛ فإن التطوير أمرٌ صعبٌ للزوم مراعاة هذه المحددات الثلاث وعدم التعارض معها، ولكنّه أمرٌ ضروري، للهيمنة على الظروف.

إلى هنا؛ إنتهى الحديث عن الولاية الإلهية بصورة عامة، وسنتحدث إن شاء الله عن المنهج الفقهي الذي نجده في كتاب العروة الوثقى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo