< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 28/ الفقهاء بين الولاية السياسية والإجتماعية.

 

تحدثنا عن الولاية السياسية للفقهاء والمستند عليها، ولكن الأساس في ولاية الفقهاء هي الولاية الإجتماعية -كما مرّ- فإنها لا ترتبط بالظروف، بل ضروريةٌ دائماً، ويجب أن تكون الولاية الإجتماعية بحيث تطغى على حياة الأمة ولا تدع مجالاً للحكومات السياسية إلا بشكلٍ محدود.

إن الحكومات الحديثة تضخمت، واصبحت تتدخل في كل شيء على حساب حريات الناس والمؤسسات المجتمعية، وكلما تضخمت الحكومات، كلما انحسر دور الجماهير وابناء الأمة، وهذا ليس في مصلحة أحد، حتى الحكومات نفسها، لعجزها عن تحمل الأعباء، فيدب الفساد فيها والترهل، ومن جهة أخرى يبدأ الكسل لدى الجماهير من التصدي لشؤونها.

والحال أن أساس المجتمع السعيد هو في أن يتحسس كل فردٍ من ابناءه بإنتمائه للمجتمع ودوره فيه، ومن هنا، نحن نرى أن المرجعية الدينية يجب أن تشجع المجتمع بالمساهمة في إدارة حياتها، عبر المؤسسات السياسية الحقيقية والمؤسسات الثقافية والتعليمية والخيرية، وغيرها، وكلما زادت هذه المؤسسات زاد مساهمة الناس في إدارة أنفسهم.

وفي تاريخ الأمة، نجد أن المجتمعات كانت أقوى من الحكومات، بسبب التفافها حول العلماء المتصدين، كما يظهر ذلك جليّاً في فتوى حرمة التنباك مثلاً، وهكذا كان العلماء يغيرون الأمور بفتوى واحدة لهيمنتها على المجتمع.

ونحن ندعوا إلى أن تكون المجتمعات فعالة، والحكومات تقوم بدور التنسيق وببعض المهام الخارجية والأمن والدفاع وما أشبه، أما أن تتدخل في كل شيء، فلا؛ لأنه يسلب حرية الناس ويشكل أعباء على الأمة، بينما للمجتمعات قدرات هائلة، فاليوم حيث ينتشر الوباء في العالم، فإن بعض الدول باتت تنوء بثقل هذه الأزمة، ولكن لو كانت الهيئات المجتمعية هي التي تتحمل اعباء الأمر، لأمكنهم أن يؤدوا الخدمة اللازمة.

ومضافاً إلى ذلك فإن للعلماء علاقات شخصية مع المؤمنين، والحكومة العميقة تتشكل من الكثير من هؤلاء، ومن خلال هؤلاء المؤمنين يتمكن العلماء من تسديد وإرشاد الدولة، سواءاً عبر الإراشادات العامة أو الخاصة.

ويبدو أن تاريخ الائمة عليهم السلام كان يشهد كهذا الأمر، حيث كان للائمة عليهم السلام عناصر في داخل الحكومات، يرشدوهم إلى القيام ببعض المسؤوليات.

أما بالنسبة إلى الدور السياسي للعلماء، فقد يحدث أن يتسلّم العلماء الحكم ويديروه بصورةٍ مباشرة إذا عجزت الحكومات عن القيام بدورها، كما تصدّوا في أمر الجهاد والدفاع عن الناس.

الدور الرقابي للأمة

وهناك دورٌ رقابيٌ للأمة على العلماء، فأولاً: لا يقلدون عالماً إلى بعد التثبت من توفر الصفات المطلوبة فيه، والتي بينها الإمام الصادق عليه السلام في الحديث المشهور، ولابد أن يتثبت كل مكلّفٍ بنفسه من توفر هذه الصفات.

وثانياً: إن توفر الصفات كما أنها ابتدائية، كذلك هي استمرارية، فإن زالت تزول صلاحية العالم لمرجعية الأمة، لأن الصفات ملازمةٌ لأمر التصدي، وهكذا فإن الناس إذا وجدوا عالماً قد انحرف، فإنهم يميلون عنه ويتركونه، وحيث أن المجتمع الإسلامي واعٍ ببصائر الوحي المحكمة، فإذا خالف العالم أحكام الشرع والتي يعرفها أغلب الناس، فإنهم لا يثبتون عليه، وهذه تشكل رقابة ذاتية لدى العالم أيضاً.

فالمجتمع لا يقلّد إمعياً، بل يقلّد إنطلاقاً من حكم عقله، فلا تقليد في التقليد، ومن هنا يكون مراقباً لتوفر الصفات المطلوبة في العالم، أما الآلية لهذه الرقابة فسنتحدث عنه في البحث القادم إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo