< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 24/ نصوص فضل العلم ودور العلماء 18/ لزوم الرجوع إلى العالم الرباني2

 

ذكرنا بأن الإنسان يخوض معركةً حاسمةً هي معركة التوحيد، وإن لم يتمكن من تجاوز الطغاة وهيمنتهم، فإنه يسقط في شَرك الشيطان ويبتلى بشرك الرحمن، إذ إنه لا يتحمل قيادتين، إما قيادة الرب وممثلوه في الأرض وإما الشيطان وجنده.

ومن هنا نجد في النصوص الشريفة التأكيد على ضرورة إجتناب الطاغوت وضرورة الإبتعاد عن علماء السوء وأهل البدع، كتمهيد للإستمساك بالعروة الوثقى، وبعد أن يتحرر المجتمع من الطاغوت، وتضع النصوص حواجز هائلة القوة بين المجتمع والطغاة وكذا بينهم وبين علماء السوء، أي بينهم وبين المصادر الملوثة للثقافة، بعدئذٍ تؤكد النصوص على دور العلماء، وضرورة الرجوع إليهم:

قال الله سبحانه: ﴿وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحيما* فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في‌ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْليما﴾[1] ، ومن ثم يقول الرب سبحانه: ﴿وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَليلٌ مِنْهُمْ وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبيتا﴾[2]

فالطاعة منحصرة في طاعة الله والرسول صلى الله عليه وآله، ومن بعده طاعة خلفائه المعصومين عليهم السلام، وبعدئذٍ لابد من الرجوع إلى نوابهم العلماء العدول في مستحدثات الأمور، وذلك لأن العلماء ورثة الأنبياء وقد أمر الله سبحانه بالعودة إليهم، في قوله سبحانه: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذينَ أَسْلَمُوا لِلَّذينَ هادُوا وَ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتي‌ ثَمَناً قَليلاً وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُون﴾ [3] بتقريب كون المقصود من الأحبار هم العلماء، وقد مرّ الحديث عن هذه الآية مفصلاً.

وفي آية النفر، قال الله سبحانه: ﴿وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون﴾[4] ، فالغاية من التفقه في الدين هي إنذار الآخرين، والذي يحمّل الناس وظيفة الحذر حين ينذرهم العلماء.

وفي سورة الشعراء التي ذمّ الرب سبحانه فيها أتباع الشعراء، والذي فسّر في نصوص أهل البيت بعلماء السوء [5] [6] ، ورد الأمر بطاعة الأنبياء في أكثر من مورد، وبضم النصوص الدالة على كون علماء الأمة كأنبياء بني اسرائيل وأنهم ورثتهم -كما في النص التالي-، تتم دلالة الآيات في المطلوب.

     عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله‌ مَنْ سَلَكَ‌ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ وَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِهِ وَ إِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ وَ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَ لَا دِرْهَماً وَ لَكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ" .

     جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا رَفَعُوهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله‌ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ‌ حَسَنَةٌ وَ مُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحٌ وَ الْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ وَ تَعْلِيمَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ وَ بَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ لِأَنَّهُ مَعَالِمُ الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ وَ سَالِكٌ بِطَالِبِهِ سَبِيلَ الْجَنَّةِ وَ هُوَ أَنِيسٌ فِي الْوَحْشَةِ وَ صَاحِبٌ فِي الْوَحْدَةِ وَ دَلِيلٌ عَلَى السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ سِلَاحٌ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَ زَيْنٌ لِلْأَخِلَّاءِ يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَقْوَاماً يَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ تُرْمَقُ أَعْمَالُهُمْ وَ تُقْتَبَسُ آثَارُهُمْ وَ تَرْغَبُ الْمَلَائِكَةُ فِي خَلَّتِهِمْ يَمْسَحُونَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ وَ يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ كُلَّ شَيْ‌ءٍ حَتَّى حِيتَانَ الْبُحُورِ وَ هَوَامَّهَا وَ سِبَاعَ الْبَرِّ وَ أَنْعَامَهَا لِأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَ نُورُ الْأَبْصَارِ مِنَ الْعَمَى وَ قُوَّةُ الْأَبْدَانِ مِنَ الضَّعْفِ يُنْزِلُ اللَّهُ حَامِلَهُ مَنَازِلَ الْأَخْيَارِ وَ يَمْنَحُهُ مَجَالِسَ الْأَبْرَارِ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ بِالْعِلْمِ يُطَاعُ اللَّهُ وَ يُعْبَدُ وَ بِالْعِلْمِ يُعْرَفُ اللَّهُ وَ يؤخذ [يُوَحَّدُ] وَ بِالْعِلْمِ تُوصَلُ الْأَرْحَامُ وَ بِهِ يُعْرَفُ الْحَلَالُ وَ الْحَرَامُ وَ الْعِلْمُ إِمَامُ الْعَمَلِ وَ الْعَمَلُ تَابِعُهُ يُلْهِمُهُ اللَّهُ السُّعَدَاءَ وَ يَحْرِمُهُ الْأَشْقِيَاءَ"[7] .

ولا يخفى أن لهذه النصوص جانبان، أحدهما تربوي، والآخر قانوني تهدف تأسيس الأحكام، بتأسيس الحكم مع ذكر بواعث تنفيذها، ومن هنا تجد أن الحديث يبين فضيلة العلم والعلماء في سياق قيادتهم للأمة.

     وقد روي في الخبر المفصّل عن أبي عبد الله عليه السلام، في بيان الفرق بين علماء المسلمين وعلماء اليهود والنصارى، حيث قال - عليه السلام: "فَمَنْ قَلَّدَ مِنْ عَوَامِّنَا [من‌] مِثْلَ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ- فَهُمْ مِثْلُ الْيَهُودِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّقْلِيدِ- لِفَسَقَةِ فُقَهَائِهِمْ.

فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ‌، حَافِظاً لِدِينِهِ، مُخَالِفاً لِهَوَاهُ، مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ.

وَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا [فِي‌] بَعْضِ فُقَهَاءِ الشِّيعَةِ لَا جَمِيعِهِمْ، فَإِنَّ مَنْ رَكِبَ مِنَ الْقَبَائِحِ وَ الْفَوَاحِشِ- مَرَاكِبَ فَسَقَةِ فُقَهَاءِ الْعَامَّةِ فَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُمْ عَنَّا شَيْئاً، وَ لَا كَرَامَةَ لَهُمْ"[8] .

     عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَ ذَاكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُورِثُوا دِرْهَماً وَ لَا دِينَاراً وَ إِنَّمَا أَوْرَثُوا أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ فَمَنْ أَخَذَ بِشَيْ‌ءٍ مِنْهَا فَقَدْ أَخَذَ حَظّاً وَافِراً فَانْظُرُوا عِلْمَكُمْ هَذَا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ فَإِنَّ فِينَا أَهْلَ الْبَيْتِ فِي كُلِّ خَلَفٍ عُدُولًا يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَ انْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ"[9]

     وعن الحجة عجل الله فرجه الشريف: "وَ أَمَّا الْحَوَادِثُ‌ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَ أَنَا حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ-" [10]

وكلمة أخيرة: قد يبحث الفقيه عن النصوص ذات الدلالة الأوضح في المقام، ولذلك يقتصر على روايات محدودة، ففي باب التقليد مثلاً يقتصر على خبرين أو ثلاثة، ولكن المنهج الأصوب هو البحث عن كل نصوص المقام، لأن الائمة عليهم السلام يتحدثون بالمعاريض والكناية في بعض الموارد، فالنصوص التي تبين فضل العالم والمستمع له، تدلنا على إرادة جعل العلماء في قمة المجتمع الإسلامي. والله العالم.

 


[6] عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‌ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ‌ الْغاوُونَ‌ قَالَ: "هَلْ. رَأَيْتَ شَاعِراً يَتَّبِعُهُ أَحَدٌ إِنَّمَا هُمْ قَوْمٌ تَفَقَّهُوا لِغَيْرِ الدِّينِ فَضَلُّوا وَ أَضَلُّوا".
[7] الخصال، الشيخ الصدوق، ج2، ص523.
[8] التفسير، المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام، ج1، ص300.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo