< قائمة الدروس

الأستاذ السيد محمدتقي المدرسي

بحث الفقه

41/07/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث تمهيدية 19 / نصوص فضل العلم ودور العلماء 14 / صفات علماء السوء وضرورة اجتنابهم

 

کثر فی النصوص الشرعية الآيات والروايات التي تحدثنا عن صفات العلماء، وذم علماء السوء، ويبدو أن ذلك لأن القيم الإلهية هي النواة الصلبة للمجتمع الإسلامي، ومادامت كذلك فكلما كانت أكثر إستقامةً كانت الأمة كذلك، ومن هنا؛ فمن أراد تحصين الأمة وازدهارها، فلابد أن يبدأ بطائفة العلماء، إذ هي إحدى الطائفتين التي إن صلحت صلحت الأمة، وإن فسدت فسدت، كما في النبوي الشريف، بل العلماء امراءٌ على الملوك أيضاً.

وهكذا كان الحديث عن هذا الجانب قد أخذ حيّزاً واسعاً في النصوص الشريفة، لأمرين:

أولاً: تذكير العلماء بدورهم العظيم، ولذلك عليهم أن يتحلّوا بأسمى الصفات الحسنة، التي لابد أن تكون أسمى بكثير من صفات الأمة، فليس العالم كأي إنسانٍ آخر، وحسابه أشد من حساب الجاهل، وكما قال أبو عبد الله عليه السلام:" يَا حَفْصُ، يُغْفَرُ لِلْجَاهِلِ‌ سَبْعُونَ ذَنْباً قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِلْعَالِمِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ»[1]

ومن هنا، على طلبة العلوم الدينية ، أن ينتبهوا بأنهم قادة الأمة، وأي إنحرافٍ في صفاتهم يؤثر تأثيراً سلبياً على الأمة، وهم من يتحمل مسؤوليته.

ثانياً: تحذير الأمة بأن لا يختاروا كل من يدّعي العلم ويتظاهر بالتقوى، بل يفتشوا عن العلماء الربانيين، الذين بلغوا القمة في العلم والأخلاق والصفات الحسنة، وبفهم هذه الروايات لا تختار الأمة كل داعٍ مدعٍ، بل تختار الأصلح لها.

وفيما يلي نشير إلى بعض الآيات القرآنية التي تحدثنا عن صفات العلماء، وهي قد وردت في أهل الكتاب، وبالرغم من عدم ذكر صفة "العالم" عنهم إلا في موضعٍ واحدٍ في القرآن، إلا أنه من الواضح أن الآيات تعني علمائهم:

     قال الله سبحانه: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْديهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْديهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُون﴾[2]

     قال الله تعالى: ﴿وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَريقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُون﴾[3]

     قال الله سبحانه: ﴿فَمَنِ افْتَرى‌ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾ [4]

     قال الله سبحانه: ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ كَفى‌ بِهِ إِثْماً مُبينا﴾.[5]

ويظهر من جملة هذه الآيات حرمة القول بغير علم، وتحريف الكتاب، والإفتراء على الله عزوجل، وهذه كلها أمورٌ ترتبط بطائفة العلماء في الأمة.

     قال الله عزوجل: ﴿وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُون﴾[6]

وهذه الآية وردت في سياق الحديث عن العلماء، حيث وصف من لم يحكم بما أنزل الله بالكفر هنا، وفي الآيات التالية بالظلم والفسق.

     قال الله تعالى: ﴿وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‌ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُون﴾[7]

     قال الله سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ أَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُون﴾[8]

وقد جعل فالقول بغير علم، من جملة المحرمات الشرعية المنصوصة.

     قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‌ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ﴾[9]

- وقال تعالى: ﴿وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوين﴾[10] حيث أن الإنسلاخ من الآيات بسبب الضغوط أو الشهوات، فإنه يكون قرين الشيطان ومن الغاوين، ثم يقول تعالى: ﴿وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون﴾[11]

- ومنهم من تكمن جريمته في إدعائه حمله لعلم الأولين والآخرين، فإذا جائه علمٌ جديدٌ أنكره، ومن هنا يعيب ربنا سبحانه عليهم بالقول: ﴿فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُن﴾[12]

- ويقول الرب سبحانه عن الذين حمّلوا العلم ولم يتحملوه:﴿مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمين﴾[13]

ونستفيد من جملة الآيات الشريفة ضرورة أن يحذر العلماء وينتبهوا إلى المخاطر التي تنتظرهم إن حادوا عن الصراط، وكذلك على الأمة أن تبحث عن العلماء الربانيين، وهذا ما بينته النصوص الروائية أيضاً، حيث بينت صفات العلماء وذكر علماء السوء، وسنذكر فيما يلي جملةً منها:

     قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام:‌ "إِنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُحِبُّ أَنْ يَخْزُنَ عِلْمَهُ وَ لَا يُؤْخَذَ عَنْهُ فَذَلِكَ فِي الدَّرْكِ‌ الْأَوَّلِ‌ مِنَ النَّارِ وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ إِذَا وُعِظَ أَنِفَ وَ إِذَا وَعَظَ عَنَّفَ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الثَّانِي مِنَ النَّارِ وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَرَى أَنْ يَضَعَ الْعِلْمَ عِنْدَ ذَوِي الثَّرْوَةِ وَ الشَّرَفِ وَ لَا يَرَى لَهُ فِي الْمَسَاكِينِ وَضْعاً فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الثَّالِثِ مِنَ النَّارِ وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَذْهَبُ فِي عِلْمِهِ مَذْهَبَ الْجَبَابِرَةِ وَ السَّلَاطِينِ فَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قُصِّرَ فِي شَيْ‌ءٍ مِنْ أَمْرِهِ غَضِبَ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الرَّابِعِ مِنَ النَّارِ وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَطْلُبُ أَحَادِيثَ الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى لِيَغْزُرَ بِهِ عِلْمُهُ وَ يَكْثُرَ بِهِ حَدِيثُهُ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الْخَامِسِ مِنَ النَّارِ وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ لِلْفُتْيَا وَ يَقُولُ سَلُونِي وَ لَعَلَّهُ لَا يُصِيبُ حَرْفاً وَاحِداً وَ اللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُتَكَلِّفِينَ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ السَّادِسِ مِنَ النَّارِ وَ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَتَّخِذُ عِلْمَهُ مُرُوءَةً وَ عَقْلًا فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ السَّابِعِ مِنَ النَّارِ" [14]

     عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله أَنَّهُ قَالَ: "الْفُقَهَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ مَا لَمْ يَدْخُلُوا فِي الدُّنْيَا قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا دُخُولُهُمْ فِي الدُّنْيَا قَالَ اتِّبَاعُ السُّلْطَانِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَاحْذَرُوهُمْ عَلَى دِينِكُمْ"[15]

     قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله‌: "مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ النَّاسَ إِلَى نَفْسِهِ يَقُولُ أَنَا رَئِيسُكُمْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ الرِّئَاسَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِأَهْلِهَا فَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلَى نَفْسِهِ وَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[16] .

وفي الخبر التالي إشارة إلى ما ذكرناه من ضرورة تحرّي الأمة الدقة في إختيار العلماء الربانيين، لكيلا يختاروا لأنفسهم رؤساء جهّال:

     قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله:‌ "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَ لَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَ أَضَلُّوا"[17] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo